سوريا مع تركيا.. و ضد استحقاقات العصر
التاريخ: الجمعة 19 تشرين الاول 2007
الموضوع: اخبار



فوزي الاتروشي

   عاد الحزن الكوردي الضارب في التاريخ الى الواجهة و استعادت المأساة الكوردية طراوتها، و لا تكاد مفردات المأساة تتغير مع الزمن و مع معطيات الحياة الجديدة. فالممثلون هم انفسهم و الضحية التي يجري التمثيل بجسدها و سمعتها و كرامتها هي ذاتها. فتركيا المسكونة بالعقدة الكوردية حصلت على الضوء الاخضر من برلمانها للدخول الى "حديقتها الخلفية"! كوردستان العراق، و التواطؤ الايراني معها بدأ منذ فترة طويلة من خلال قصف المناطق الحدودية و تصدير عصابات الارهاب و المخدرات الى الاقليم الكوردي، اما سوريا فأعلنت صراحة انها مع الاجتياح التركي و بذلك اكتملت الحلقة التي كانت على مرِّ التاريخ البعبع الاقليمي الذي قد يختلف على كل شيء و لكنه يتفق على خنق حمامات الحرية و السلام من الطيران في فضاء كوردستان.


   ان سوريا العاجزة عن تقديم الحلول لجبل مشاكلها المتراكمة و التي تبدو قزماً هرماً في السياسة الدولية بسبب غرقها في وحول لبنان، و التي تشكل المؤخرة القوية لبقايا نظام صدام حسين حيث تزودهم بالمال و المعدات و التعبئة القومية البعثية للتسلل يومياً عبر الحدود للاجهاز بواسطة المفخخات على العملية السياسية الجارية في العراق، نقول هذه الدولة العربية حتى العظم و القومية حتى النخاع لم تنتظر حتى ردود السياسيين الاتراك على قرار البرلمان التركي و استبقت الجميع في الوقوف مع الجنرالات الاتراك للهجوم على كوردستان العراق و هي التي تصرخ ليلاً و نهاراً ان العراق بلد عربي أصيل فكيف تجيز لنفسها تحريض الاتراك على تمزيق "معقل العروبة" ياترى. ام لأنَّ كوردستان العراق مسكون بغير العرب و لذلك فهو قابل للاستباحة و التمزيق. و لكن بالعودة الى الماضي سنعرف ان دول الجوار الاقليمي تركيا و سوريا و ايران و سابقاً العراق احتفظت دائماً في ارشيف مخابراتها بملف هو الاخطر أمنياً و الأعقد سياسياً وهو الملف الكوردي و قلما تجرأت هذه الدول على معالجته بدراية و عناية و رغبة في الحل الديمقراطي و دأبت على سياسة التهديد و الوعيد و الترهيب و النبذ و التنكيل و الصاق ابشع التهم بقضية اصبح العالم كله ينظر الى عدالتها بتضامن و مناصرة. و لطالما التقت هذه الدول على الحدود الاربعة لخنق نسمات الحرية و تطويق الاحلام الكوردية بالاسلاك الشائكة. فاتفقت بغداد و انقرة و طهران لمنع مسيرة الشرف البارزانية عام 1947 و هي المسيرة التي عبرت نهر (آراس) بنجاح الى البر السوفيتي لتؤسس لمرحلة جديدة من النضال التحرري الكوردي في اروقة السياسة الدولية، و في عام 1963 اتفقت هذه الدول مجدداً فيما سمي حينها بعملية النمر و لكن الاتحاد السوفيتي السابق كشف الغطاء عن العملية و افشلها في مهدها، بعدها جاء التدخل السوري السافر تحت غطاء القومية العربية مع النظام في بغداد في ضرب معاقل الثورة الكوردية من خلال ارساله "لواء اليرموك" لمساندة الجيش العراقي في العمليات العسكرية. وفي 6 آذار 1975 كانت اتفاقية الجزائر المشؤومة بين ايران و العراق بمباركة تركية سورية، و هي الاتفاقية التي ابتلعت سيادة العراق و لكنها عجزت عن كسر الثورة الكوردية الى الابد وفق احلام النظام العراقي السابق فالثورة عادت و المفارز انتشرت في جبال كوردستان قبل مرور اقل من عام على اتفاقية أُريد لها ان تكون مقبرة لثورة و ضربة قاضية لشعب. و منذ انتفاضة ربيع 1991 و لغاية الآن تواصل التواطؤ الامني الايراني التركي و التركي السوري منذ اتفاقية (ادنه) اواخر تسعينات القرن الماضي التي طرد بموجبها حزب العمال الكوردستاني من الاراضي السورية. و ظلت هذه الدول الثلاث تنظر الى الادارة الكوردية نظرة تحفظ و استهجان و تنكر و عدم اعتراف معتبرة اياها (عنصر فوضى) في المنطقة. و لكن تركيا لم تكتف حينها بالسكوت على مضض، بل اجتاحت مراراً و تكراراً اراضي الاقليم بدعوى المطاردة و دحر ما تسميها بـ (الارهاب الكوردي) وهي في الواقع لن تكتفي بالاجتياحات و التدخلات حتى لو خلت المنطقة من تواجد حزب العمال فالمطلوب لديها هو رأس الثورة الكوردية و الادارة الكوردية في العراق قبل اي هدف آخر و هذا ما أعلنته مراراً سواء ضمناً او صراحةً. و ما ساعدها في هذه المرة اكثر على الماضي في لغة التهديد و الوعيد هو الاتفاق الامني التركي العراقي الجديد الذي لم تستشر فيه الادارة الكوردية و القيادة السياسية الكوردية في العراق لا من بعيد او قريب. و لا جدال ان سوريا اذ تنضم الى المصفقين للاجتياح الوشيك فانها تطبق بذلك بنود اتفاقية (ادنه) مع تركيا، و تحاول الايحاء الى انها تقف ضد الارهاب دولياً و اقليمياً و تستقوى بتركيا المستاءة هذه الايام من امريكا بسبب انتعاش قضية مذابح الارمن فيها، وعلى خلفية الانزعاج التركي من الموقف الامريكي حول ملف حزب العمال الكوردستاني. لكن سوريا صاحبة الارث الثقيل و الرديء في التعامل مع اكرادها و الذي بلغ الذروة ابان احداث قامشلي في 12/آذار/2004، و صاحبة مشروع التجهيل و الترحيل و التبعيث و التعريب و التعطيل و الجرد من الجنسية‌ الذي طبقته منذ اوائل ستينات القرن الماضي و مازالت سارية فيه مع بعض التعديلات الطفيفة، نقول هكذا نظام لا يمكن ان نتوقع منه اكثر من هذا التصفيق لتركيا و هي تتأهب لاختراق حدود كوردستان العراق. و لكن بالمقابل هل يقدم هذا الموقف خشية خلاص لنظام هارب من العالم كله و متهرب من استحقاقات العصر و نائم في قوقعة اضيق من حفرة نملة، الم يكن الاجدر بالرئيس السوري وضع قائمة اصلاحاته الموعودة على بساط التطبيق بدلاً من الاجهاز على الكتاب و المبدعين و السياسيين المعارضين الذين يقبعون في السجون، و كف التدخل المسموم في الشأن اللبناني حيث الاغتيالات السورية تتواصل في بلاد الارز التي تشكل الديمقراطية الوحيدة في خارطة العالم العربي المزدانة بالدكتاتوريات و الجمهوريات الوراثية و الانظمة القبلية. الم يكن الاجدر بسوريا التوجه ولو مرة واحدة بعد اربعين عاماً نحو هضبة الجولان لمعرفة حالها و ناسها و ما آلت اليه بعد كل هذه العقود، بدلاً من الانهماك في لبنان و كوردستان العراق و التحالف مع تركيا لضرب الشعب الكوردي. هل تعرف سوريا انها ستضيع في رمال ليست رمالها و ستعضُّ على اناملها بالندم لانها بصراحة تزيد حملها ثقلاً و تراكم على وجهها تجاعيد البشاعة و الشيخوخة التي يزودها بها بقايا البعث الصدامي المقيمين فيها و هذه صورة لم نكن نريدها لسوريا.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2796