ما ذا يعني إحترام الرأي والرأي الآخر...؟!.
التاريخ: الجمعة 28 ايلول 2007
الموضوع: اخبار



نـوري بـريـمـو*

مقولة إحترام الرأي والرأي الآخر التي يصفها البعض بصيحة العصر...!؟، باتت دعوى شائعة تتردّد تكراراً عبر وسائل الإعلام وعلى ألسُن معظم النُخَب السياسية والفكرية والثقافية وخاصة المهتمة منها بملف الديموقراطية وحقوق الإنسان والأمم...!؟، وقد ذاع صيت هذا الشعار بإعتباره تعبير سياسي يعبّر بصدق عن حاجة مختلَف الأطراف لأخلاقية الإعتراف بالآخر كشرط أو كملزَمة لإنجاح أي نقاش قد يؤدي إلى مستقبل أفضل للعلاقات المتبادلة بين أية جماعات متخالفة...!؟، وللعلم فأنّ حظوظ إثمار أي حوار تكمن في مدى إحترام فرقائه لبعضهم البعض على قاعدة الوفاق المبني على تبادل الآراء للتوصّل إلى قواسم مشترَكة من شأنها الإتيان بنتائج إيجابية يعود ريعها على الكل المختلف ليتحقق الوئام لا الفراق....!؟.


وبناءً عليه...، ينبغي أن تكون دعوات قبول الآخر التي نطلقها بين الحين والآخر, منطلِقةً من إحترامنا الفعلي لهذا الآخر وسعينا الصادق للإلتقاء به وتبادل وجهات نظرنا حول الشجون والهموم التي تمسّنا جميعاً..., ولا ينبغي أنْ يكون ذلك من قبيل الرغبة في التنظير أو التمظهر بالانفتاح والديمقراطية والعصرنة...!؟, ولا كغاية نبتغي من وراءها الإيقاع بالشريك في شراك إخداعه وجرجرته إلى خانة إضطرارية قبوله لموقفنا الذي قد لا يتوافق مع مصالحه...!؟، عبر قمعه والتنكر لوجوده أو التقليل من شأنه وتضييق الخناق عليه...!؟, في حين أنّ جلّ ما نحتاجه لتحقيق التقارب فيما بيننا هو الإحتكام لمكرُمة إحترام الرأي والرأي الآخر...!؟، حيث لا بديل عن إعطاء المسألة بُعدِها الديموقراطي، ولا بدّ من تمتعنا بالقدر الكافي من خِصال نكران الذات وامتلاك قدر كاف من وعي الذات والآخَر في آن واحد, أي أن نعي واقعنا وندرك ماهية أحوالنا وحيثيات أوجاع الآخرين سواءً أكانوا أصدقاء لنا أم خصوم.
ولما كان تحلّي المتحاورين بثقافة المجتمع المدني بمفهومها الحداثي والمعرفي العام, هي مفتاح الولوج الصائب إلى كَنَفِ أية قضية عالقة، فإنّ هذا الولوج لا يتأتى إلاّ عبر تنوير عقولنا لتصبح أكثر توازناً وإلتزاماً بالأسس والمقومات الضرورية للبدء بانطلاقة صحيحة تؤسس لمنهجية ديموقراطية تنهل منها أجيالنا كي تصبح واعدة ومنفتحة ومؤمنة بإقامة جسور التواصل بين هذا الإتجاه المتوافق معنا أوذاك المعاكس لنا...!؟, وذلك مهما بلغت درجة الحساسية فيما بيننا ومهما كانت مسافات الفراق واسعة وممتدة أفقياً أو متعمّقة شاقولياً...!؟, ما يقتضي منا النظر إلى هذه المسألة بجدية تامة عبر إحاطتها معرفياً من كل جوانبها لتفهمها وإفهامها للآخرين, وبذلك نكون قد وضعنا الشكل الأصح لحوار الأضداد بعيداً عن المعايير الفوقية التي تبقى قاصرة وتخفي تحت عباءتها دوافع أنانية مؤذية...!؟, ما يؤدي أيضاً إلى إمكانية إفساح المجال أمام تعددية الخيارات التي لن تتوفّر ما لم يكن مُجالسي طاولاتنا المستديرة من الكوادر الفتية بأعمارها والناضجة بعقولها كي تأخذ دورها الريادي في مسيرتنا الديموقراطية التي لن تسير وفق منحاها الصحيح ما لم نتقبل بعضنا البعض ضمن إطار الكل الحضاري المختلف والمتوافق في الحين نفسه...، وبما أننا بتنا نترقب عبور تحويلة دولية وشرق أوسطية جديدة قد تؤدي بأحداثها الساخنة إلى حدوث متغيرات قد تأتي بالضد من إرادتنا أو معها...!؟, فإنّ المسألة تتطلب منا التعاطي معها وفق منظور مكاشفاتي رحب ومكاييل توافقية لابديل عنها البتة.
وصحيح أنّ مسيرة حراك شعوبنا من أجل التغيير الديموقراطي لا زالت في مراحلها الأولى...!؟، وأنّ أداءنا بطيئاً ولا يتناسب مع طبيعة المنعطفات التي نمرّ وسطها...!؟, وصحيح أن ّ هنالك ثمة فروقات في الطرح والسلوك والممارسة بين مختلف أطرافنا!؟, وأنه بات من حقنا جميعاً أن نتوقف حيال هذا الواقع وأن نضع كافةالمسائل على بساط البحث والمناقشة, وأن ننتقد الأخطاء وأن نطرح البدائل الأكثر واقعية...!؟, وصحيح أن النواقص كثيرة وأن الحوار الدائم حولها في كل الأزمنة والأحوال هو من واجب الجميع...!؟، وأنّ الحاجة هي ماسة إلى تبادل الآراء والمقترحات..., وصحيح أيضاً أنّه ليس من حق أحدٍ قمع أية طروحات و...!؟، إلاّ أن الأمور يجب أن تؤخذ ضمن إطارها وحجمها الطبيعي دون أي تضخيم أو أية مزاودات كي تأخذ المعالجة وقعها الصحيح..., فكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده كما يقال...!؟, والذي يجري في هذه الأيام هو أنّ البعض منا يعطي الحق لنفسه ويفرض وصايته يريد معالجة المسائل بشكل إقصائي...، في محاولة يائسة لهدم ما تم بناءه بحجة أن الوضع القائم حساس للغاية ولايحتمل أية مناقشات غير صحيّة حسب زعمه وأحكامه...!؟.
وبما أنّ مسلكية قمع الآخر لاتزال الأسلوب الأكثر إنتشاراً في غالبية بنانا التحتية والفوقي...، فليس من المفارقة أن يصاب الإنسان بالإندهاش بسبب ما قد يلقاه من مواقف حديّة قد تصل إلى حدود الشطب على الآخر بأبشع أشكاله التي لا تليق بمنطق الحوار ولا بمبدأ احترام الرأي والرأي الآخر, ما يجعل المتابع العادي للخبر السياسي يمتعض من الواقع ويشعر بخيبة الأمل والقشعريرة أحياناً..., فيتحسّر ويحتار وتتبادر إلى ذهنه استفسارات وتعجبات كثيرة...!!؟؟.
وأحتراماً للحق ولكل الحقائق التي نحن بصدد كشفها ونفض الغبار عنها والدفاع عنها, لا بدّ من التأكيد على أنّ مهمة إعداد الأجيال القادمة التي تنتظرها أعباء كثيرة هي مهمة حيوية للغاية...!؟، وفي هذا المجال يُستحسَن التذكير ببعض الملاحظات: ما هكذا يجري في العادة النقد البنّاء ولا هكذا يتم حسم الخلافات ولا بهذا الشكل يتم التعامل بين الفرقاء مهما كانوا على تضاد ولا هكذا ينبغي أن يجري الحوار في هكذا عصر يقتضي الشفافية...!؟, ولا بهذه الأساليب العنفية يتنافس الشرفاء...!؟, ولا بهكذا أخلاقيات نافرة نتماسك للدفاع عن قضايانا العادلة...!؟, ولا بهكذا عقليات إنغلاقية ينبغي أن نتعامل وفقها مع الآخرين...!؟, ولا بهكذا سهولة ينبغي أنْ نسمح لبعض المسيئين من المُعاقين والمعيقين بالشطب على حواراتنا وقلب طاولاتنا متى شاءوا وأرادوا وأمام أعيننا نحن الذين بذلنا مختلف الجهود والتضحيات في سبيل إعدادها خدمة لقضايانا التي لازالت عالقة وبحاجة إلى متحاورين راشدين ينعشون مشهدنا السياسي ويعيدون نسج خيوط مشروعنا الديموقراطي المحتاج للترميم ولتوجيه بوصلة أدائه حسب موازين عالم اليوم.
وصحيح أنّ الحديث قد طال أكثر من اللاّزم وأنّه قد يحدث في هذه الإطالة شيئ من التكرارٌ لبعض الأفكار لكنّ هنالك بقيّةٌ للحديث لابدّ من تكملته مهما كان طويلاً أومملاًّ...!؟, وهو أنّ ثمّة استفسارات باتت تحزُّ في النفس :لماذا يسلك البعض سلوكاً منافياً لأخلاقيات الحوار الحضاري المطلوب أداءه في هذه الحقبة الحساسة التي نمرُّ بها...؟!، أليس في الإصرار على إنتهاج مثل هذه العقلية هو إصرار على شق الأنفس والصفوف...؟!، أليس من واجبنا جميعاً أن نحاول خلق الألفة والتجاذب بين أطراف النزاع إن أمكن ...؟!، ألا يخشى رواد السطوة والخلاف من مغبة عملهم الفتنوي...؟!، أيعقل أن يجرّنا أصحاب الأفكار النارية بأحقادهم الدفينة إلى هكذا مرامٍ عدائية مقيتة...؟!، أيجوز أن يصب أي فريق متحاور بضغينته على كل من لا يطيعه في المشورة...؟!، ومن قال لكم يا جماعات فرّق تسد...؟!, بأن الأداء المجاكراتي هو بلسم يداوي جروحنا في هذا الزمان الذي بات يختلف بعلومه وتقنياته عن كل الأزمنة...؟!، ومتى كانت التارات القديمة والسجالات الشعاراتية المتعادية تشكل حلاًّ لمشاكلنا...؟!، أليس من الأولى بنا البحث عن توافقات من شأنها أن تضع حدّاً لتخالفنا...؟!، ألم تسمعوا يا فرسان اليوم بأنّ الأخلاقية الدراكولية قد ولّت دون رجعة أمام موجات التقدم...؟!، ثم لمصلحة من يتقصّد البعض ممارسة القرصنة ضد الآخرين...؟!، أليست هذه هي الفتنة بعينها...؟!، أم أن المسألة لها خلفيات مجهولة أخرى قد نجهلها أونتحاشى تشخيصها أو وصفها الآن...؟!.
ورغم أنّ ما أوردته قد يشكل جزأً مهماً من الحقيقة..., إلاّ أنني أعتذر إن كنت قد أثقلت على الذين أؤكد لهم بأنهم مخطئون في فهم مبدأ النقد والنقد الذاتي وفي فهم وترجمة منطق الحوار الديمقراطي...؟!، ولذلك وسعياً مني للوصول إلى الفائدة المرجوة من مقالتي أو مرافعتي هذه, أقترح أن يكون حوارنا واقعياً مستنداً على المعطيات والثوابت بعيداً عن الأماني والتمنيات والأحقاد وأن تكون أحكامه غير مطلقة وأن لا يدعي أصحابه امتلاكهم لكامل أوجه الحقيقة وأن تكون أهدافه صادقة بمنئى عن المناوراتية...، وأن يتصّف بالمرونة وأن تكون لغته جاذبة لا نافرة ...، وأن يلتزم رواده بعدم  تخوين الآخرين وأن لا يتحلى بطابع شمولي في الطرح والمساءلة والمناقشة...، وأن تجري مباحثاته في نقاط التفاهم مع الآخر وليس في نقاط الإفتراق.
وأخيراً... فإن لكل مسألة أوقضية أوحوار أو حتى نِزال وجهان...!؟، فلنأخذ بالوجه الإيجابي لكي نضمن الفوز لنا ولأجيالنا القادمة في أية جولة نضالية قد نخوضها مستقبلاً...، فالأيام القادمة تنظر منا أعمالاً هائلة لا أقوالاً حائلة, ولنتذكر جميعاً أنه بإمكان الفرد أن يهدّم بمفرده في يوم واحد ما بناه المئات من غيره في سنوات, ورغم أنّ  الهدم أسهل بكثير من البناء، إلاّ أنه ينبغي أن تكون غايتنا هي البناء وليس الهدم.
===============
* سياسي من كوردستان سوريا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2673