كذّابو «الثورة» السورية
التاريخ: الأربعاء 17 حزيران 2020
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

رغم مرور أكثر من تسع سنوات على " الانفجار " السوري منذ آذار 2011، وما تعرَّض له الحرث والنسل السوريان من فظائع. ومن حوَّلوا شعارات " الثورة " السورية إلى " سواطير " على رقاب كم وافر من " سورييهم " مازال هناك من يتحدث، ودون تلكؤ، عن الثورة السورية وأهميتها، وأنها ستستمر، أنها وإن خرجت عن مسارها هنا وهناك، تظل ثورة، حال كل ثورات في العالم. وهذا يذهل " الثورة " ذاتها كمفهوم. حسنٌ، أعطوني " ثورياً " واحداً، في ضوء ما جرى ويجري، تنطبق عليه، خلال هذه السنوات صفة الثورة أو الثوري. واحداً فقط!
سأُجَدول من سمّوا أنفسهم ثوريين، وحققوا ما كانوا يريدون من " الثورة " هذه، وإلى الآن:


الذين لم يصدّقوا أن حدثاً كهذا يمكن أن يُعمَّم سورياً، ويعبروا الحدود " التركية " خصوصاً، ليجدوا من يهتم بأمرهم، وقد وفّرت لهم كراس دوارة، وبيوت مكيفة، ورواتب لم يحلموا بها من قبل، وتسليط أضواء، أكثر إثارة من ثلاثة أربع " نيونات بيوتهم الواهنة سابقاً .
من حق هؤلاء أن يدافعوا عن الثورة. وقد أتت أُكُلها، ولهم كامل المشروعية أن يكونوا أهلاً لمكاسبها، وأن يعبّروا عن امتنانهم ليل نهار لمن استقبلوهم حدودياً، ووفّروا لهم ما لم يحلموا به من امتيازات، حتى وإن كان هؤلاء يمارسون ذبحاً " على الواقف " في أهلهم " الكرد ؟ " .
إنهم سيخونون مبادئهم، أعني ما خرجوا من أجله، وهم يعاهدون أنفسهم بتحقيق ما شدَّدوا عليه. وطالما أنهم حققوا في أيام معدودات ومنذ البداية ما كانوا يريدونه، يعني ذلك أن " ثورتهم" قد أنجِزت، وما يجري الآن عبارة عن رتوش، أو لا يجب إعمال النظر فيها كثيراً!!!!
الذين برزوا كالسعادين وهم ينطنطون على الأكتاف، ويعرفون من خلال تلقّي الدرس الوحيد الأوحد ممن سبقوهم أو يعيشون بجوارهم، وهم يرددون شعارات معينة، ويركزون على أجهزة التصوير لأخذ لقطات معينة، وإسماع أصواتهم لمن حولهم، ليحققوا نصَاب الانتماء، حيث لم يكن لهم أي رصيد يُذكر في هذا الجانب سابقاً. وتمكنوا من الخروج، ولقاء من كانوا ينتظرونهم أو يهتمون بأمرهم، وحجتهم معهم، وليسوا بحاجة إلى أوراق اعتماد معينة، أو محام معين، لتأكيد مدى نسَبهم إلى " الثورة " المبا...ركّة، ومن ثم يأتون على ذكره بشكل خجول، أو يتحفظون عليهم، لأن صلاحية استخدامها قد انتهت في ميزان صرفهم الأخلاقي .
الذين التحقوا بالركب، وهم على عجلة من أمرهم، أناساً عاديين، كتاباً بؤساء، وجوهاً محل شبهة، وقد عايشت أحزاباً ومعتقدات كثيرة، كما هي الموضات، فكانت انفجارات سورية ولادة الموضة الأكثر دسامة في الحالة هذه، بالنسبة إليهم، ليقولوا ما كانوا يخشون حتى من ترداد اسمه بينهم وبين أنفسهم، والتعبير عنه، حتى لأفراد عائلتهم، وهم يتابعون من سبقوهم، ومن سبقوا سابقيهم، داخلين في هذا المعبَر، أو سالكين هذا الممر، أو النفق الآمن، أو المطلوب، ليعانقوا الضوء المنتظَر في النهاية، معرّفين بأنفسهم، كما لو أنهم ولِدوا من جديد، وليلتقوا من مارسوا الطريقة نفسها في التمثيل الشعاراتي، ليصلوا إلى هذه الرقعة الجغرافية أو تلك، إلى هذه الجهة الكردستانية أو تلك، ملوّحين بما حفظوه عن ظهر قلب: سليلي " الثورة "، ذاكراتها الحية، شهود عيانها، وهم يأتون على ذكرأسماء وأسماء، حيث لا خوف عليهم، ولا هم بمرتعدون مما يجري، وما يمكن أن يجري وسط حشود المكوكلكين والزئبقيين وعطاري الإيديولوجيات المؤقتة وتعبوييها، وقد أصبح لها ألقاب وعناوين خاصة، وجلسات مسجلة....
الذين لم يكن لهم أي عهد بما أشير إليه " الثورة " لكنهم وراء القطيع " الثورجي " المندفع شمَّروا عن " سيقانهم " مهرولين، ملتفتين يمنة ويسرة، حيث قيامة " الثورة " كما يظهر قد أزفّت، وها هي طلائع من يمكن أن يكونوا في " جنة " معتمدة باسمها، ومن يمكن أن يكونوا في " جهنم " ذات صلة بها، والويل لمن اختار الطريق الثالث: النظر في الجاري؟؟!!
الذين وجدوا أنفسهم في وضعية " حيص بيص " حيث الأرض دُكَّت، والمخاوف ترادفت مما يمكن أن يحصل ويحصل ويحصل، فوجدوا أنفسهم مضطرين إلى الخروج، والتفرق في جهات جغرافية شتى، ليس لأنهم أرادوا أن يكونوا أمناء " الثورة " أو رواتها، وإنما خشية أن يكونوا ضحاياها، وقرابين من استعجلوا الخطى، نتيجة تدريبات مسبقة، ومهارات على تماس مباشر بحالات كهذه، ليسقروا في أمكنة، ولسان حالهم: ألا ماذا جرى لنا، وما عملوا " فينا " وإلى أين سيكون مطافنا؟
في اليوم الأول: ثمة مخاض ثورة، وهناك من بشَّروا بعضهم بعضاً، حال الجاري تونسياً.
في اليوم الثاني، كان سفك دماء، وهناك من فجَّروها هنا وهناك، إشعاراً بأهلية " الثورة "
في اليوم الثالث، كان التحريض على سفط الدماء، والانتقام، وهناك من باركوها.
في اليوم الرابع، كان الهروب من مناظر الدماء المسفوكة، والمطالبة بالانتقام على مسافة آمنة، ووعد القائمين بالمسيرات الثورجية، بأن موعدهم الـ" جنة " المنصوبة لأولئك الثورجية.
في اليوم الخامس، لم تعد من جهة سورية بآمنة، ليكون تعميم الثورة قراراً وجاهياً، ومن يعمل باسمها بصورة ما أو بأخرى، محوّلاً إياها إلى فرصة من ذهب، ليجني ثمار " الثورة " دون أن يُسميها، كما هو وضع من ينتهز فرصاً كهذه .
في اليوم السادس، تحول ثلاثة أرباع " الثورجية إلى إرهابيين وزاودا على النظام نفسه في إصدار تعليماتهم، وإظهار سلوكياتهم الدموية ضد أبناء جلدتهم، ومن يعتبرونهم أكثر قابلية لإثارتهم كردياً هنا وهناك، ومن على نقاط رصد حدودية، وإيعازات خلف: حدودية .
وليكون في الجوار، أو بالتوازي معهم، من يشددون على الثورة والصمود، وهم في هناءة عيش، ورغد إقامة، وانتقالات مفيّزة بين البلدان والدول، وخراب " الوطن " في " ازدياد ".
في اليوم السابع، من لا زالوا يصرون على أن الثورة لم تنته بعد، رغم أنهم " والكرد في الواجهة هنا " يرون كيف تمارس سكاكين أحبتهم في " معارضتهم " ذبحاً في أعناق كردهم خصوصاً، ومن لازالوا يصرون على أنهم قد بلغوا شأواً بعيداً في تأكيد قوة كرديتهم هنا، رغم أن مئات الألوف من كردهم قد أصبحوا في بلاد، لا عودة بعدها، وليسوا ببعيدين من حيث المبدأ عن الثورجية، طالما أنهم غير عابئين إلى مثل هذا النزيف الديموغرافي المريع .
والذين يقيمون في بلدان، ما أبعدها عن أيدي الإرهابيين من داعش وخانتها، أو أيديَ أخرى، ضاربة، وهم صنوف مختلفة، يتحدثون عن الثورة، وعن كرامات الثورة، وعما يمكن أن يحصل، ومن خلال " بوستات " جماعية وفردية، ومقاطع فيديو، ومناسبات معلَنة، وتنظيمات، والتفافات باسم الثورة أو الجاري في ظلها، محرضين " أخوتهم " في الداخل على الثبات والصمود، فالنصر آت لا محالة، وهم محاطون بشعارات وأعلام وخرائط كردوارية، لتأكيد نسَبهم إلى الكردية الأولى، ومن يقول العكس، يُسجَّل في الحال في الطابور الخامس .
ليت هناك، من يعطيني اسماً واحداً مجدداً، تنطبق عليه مواصفات ما ذكرت عن " الثورة " لأعلن توبتي على الملأ، وخطأي القاتل في تعميم منشور هنا وهناك .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=26466