الكلمة الموجهة الى الكونفرانس الأول لحزب الجمهورية و اللقاء الديمقراطي
التاريخ: السبت 02 تشرين الثاني 2019
الموضوع: اخبار



حيدر عمر 
  
السيدات و السادة في لجنة إدارة الكونفرانس الأول في أوروبا لحزب الجمهورية و اللقاء الديمقراطي الأكارم. 
يطيب لي أن أعبِّر لكم عن شكري و تقديري على الدعوة اللطيفة التي تلقيتها منكم وعلى الجهد الذي بذلتموه في إعداد رؤيتكم المشتركة. و أتطلَّع إلى أن يتخذ كونفراسكم قرارات و توصيات تليق بالسوريين شهداء و نازحين و مشردين و معتقلين. 
قرأت رؤيتكم المشتركة لحل المعضلة السورية، فرأيتها متقدمة على غيرها مما طرحته بعض أطراف المعارضة السورية، و مما لفت نظري فيها ورود مصطلحيْ الأقلية و الأكثرية برؤية مغايرة لِما يُستخدم فيه هذان المصطلحان اللذان يجب أن يُحصر استخدامهما ضمن مجالهما اللغوي المتعلق بالعدِّ و الإحصاء، دون تحميلهما أبعاداً سياسية، ذات نظرة فودونية. أقصد فوقية و دونية.  


لا أريد الوقوف عند إيجابياتها، التي لا نختلف عليها، و إنما أريد الوقوف عند بعض ما ورد فيها مما يتعلق بالكرد كمكوِّن سوري يعيش على أرضه التاريخية. و أقول مقدَّماً إنني لا أمثل حزباً كردياً، أو إحدى منظمات المجتمع المدني الكردية، و إنما أمثِّل نفسي فقط. ولكنني في الوقت نفسه أعتقد بشكل شبه جازم أنني في كلمتي هذه أقرأ باختصار ما يجول في عقول الملايين الثلاثة من الكرد السوريين.
لعل السوريين جميعاً بمختلف مكوناتهم يعرفون أن سوريا الحالية كانت جزءاً من الجغرافية الخاضعة للدولة العثمانية في وقت مضى، و أضيف هنا إن قسماً كبيراً من كردستان أيضاً كان خاضعاً لتلك الدولة، و الخرائط العثمانية تؤكد ذلك، و أن سوريا بجغرافيتها الحالية هي إحدى نتائج اتفاقية سايكس / بيكو الاستعمارية التي رسمت حدودها الحالية دون إرادة السوريين جميعاً، و التي نقف جميعاً ضدها، إلا أن نسبة لا بأس بها من المكوِّن العربي تغيِّر موقفها منها مائة و ثمانين درجة حين نقول إن تلك الاتفاقية الاستعمارية مزَّقت الكرد أرضاً و شعباً بين أربع دول، اثنتان منها عربيتان. فقد قضت تلك الاتفاقية المشؤومة، بتقسيم الجزء الكردستاني الذي كان خاضعاً للدولة العثمانية إلى ثلاثة أقسامٍ، و ألحقت قسمين منها بكل من العراق و سوريا الناشئتين بعد انهيار الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، التي أعقبها الاحتلال الفرنسي لسوريا الناشئة حينها.
دام الااحتلال في سوريا ستة و عشرين عاماً. كان الكرد السوريون في طليعة المناهضين للاستعمار الفرنسي. أريد أن أذكِّركم و أذكِّر السوريين جميعاً بمعلومة، ربما لم يسمعوها سابقاً،و هي أن أول طلقة ضد الاستعمار الفرنسي انطلقت في الشمال السوري انطلقت من عفرين من بندقية الكردي الشهم محو إيبشاشو، و أن الكردي الشهم يوسف العظمة كان يدرك أن قواته ليست قادرة على أن تصد الجحفل الفرنسي بقيادة غورو، ولكنه أبى أن تدخل القوات الفرنسية دمشق دون مقاومة، فخرج على رأس قواته البسيطة عدداً و عتاداَ، و هو وزير الدفاع، في مواجهة المحتل، و سقط شهيداً في بطاح ميسلون، بينما غيره، حملوا سيارة غورو على أكتافهم حين وصل إلى مشارف دمشق، و غيره من وزراء الدفاع السوريين اكتفوا و يكتفون بإصدار الأوامر من مكاتبهم المحروسة بمئات الجنود، و أن إبراهيم هنانو الكردي صاحب قرية كفرتخاريم أوقف كل أملاكه للثورة ضد الفرنسيين، و قد قال الأديب و السياسي السوري د. منير العجلاني في رثائه: "بموته تقف حركة شغلت الناس بعملها عن تقدير أثرها، و ما أدراك ما أثرها، قطعة أرض من الوطن على حدود الترك، تحتشد فيها أمة قيل إنها تاجرة، و قيل إنها نزَّاعة إلى الانفصال. رحم الله هنانو، فقد صنع لنا تاريخاً، و بنى لنا معقلاً". انتهى المقبوس من كلمة العجلاني. ضعوا خطاً من فضلكم تحت عبارة (قيل إنها أمة نزَّاعة إلى الانفصال).
و أن الكرد في الجزيرة انتفضوا عام 1923 ضد الفرنسيين،في قرية بياندور انتفاضة قُتِل فيها الجنرال الفرنسي المتغطرس روغان، كما اندلعت ضدهم انتفاضة كردية كبيرة عام 1937 في عامودا.و أن كثيرين من الشبان الكرد تطوَّعوا  للقتال في الحرب العربية ضد إسرائيل عام 1948، فرَوَوْا تراب فلسطين بدمائهم، منهم اثنان من القرية التي أنحدر منها.  و أن أول من رفع العلم السوري على مبني البرلمان في دمشق هو الكردي الشهم أحمد بارافي. و في عام 1982 حين اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت، دافع اثنا عشر شاباً كردياً عن قلعة الشقيف، و لم يغادروا مواقعهم حتى استشهدوا، بينما الآخرون من الجند السوريين و مقاتلي المقاومة الفلسطينية و اللبنانية تركوهم لوحدهم و تراجعوا.
السيدات و السادة الكرام. من المؤسف أن أكثر هذه الوقائع غير مذكورة في التاريخ السوري الحديث.  
بعد هذا السرد الموجز و السريع، أعود إلى التهمة التي أُلصقت بالكرد السوريين، منذ بدايات نشأة سوريا بحدودها المعروفة اليوم، و مازالت مستمرة بشكل أكثر عنصرية و تلاحقهم من الأنظمة السورية المتعاقبة، و من فئة كبيرة من الساسة السوريين، ومما تسمِّي نفسها اليوم بائتلاف قوى المعارضة السورية التي خرج معظم أفرادها من عباءة النظام، و اتخذ الآخرون منهم موقف المتفرِّج حين انتفض الكرد ضد النظام عام 2004، و اكتفوا بالتفرُّج عليهم و هم يُقتلون و يُساقون إلى المعتقلات.
إنه لمن المؤسف ألَّا تشفع للكرد كل هذه التضحيات، فتردَّ عنهم تلك التهمة التي أشارت إليها، كما سمعتم كلمة الدكتور العجلاني في رثاء المرحوم إبراهيم هنانو. أقصد تهمة الانفصال و العبث بوحدة سوريا و تقسيم أرضها. و إنه لمن المؤسف أيضاً أن يعزف الائتلاف السوري المعارض أيضاً على هذا الوتر أكثر من النظام، و المؤسف أكثر أن تنزلق رؤيتكم المشتركة هذا المنزلق أيضاً و لو تلميحاً، حيث ورد في القسم الثالث، البند الثاني من  فقرة (الدعم المطلوب اقليمياً و دولياً للمرحلة الانتقالية) ما يلي: "سلامة و حرمة أراضي سورية و منع تقسيمها لأي سبب كان". أتساءل: مَن غير الكرد مقصود بهذه العبارة؟ هل من المتوقع أن يعمل العرب على تقسيم سوريا؟ هل الشركس و الأرمن والسريان و التركمان و غيرهم سيعملون على ذلك؟ إن هذه العبارة تشير إلى الكرد حصراً. ثم ورد ذلك صريحاً في البند (8) من ثالثاً: (أوهام سياسية بحكم ضعف القراءة التاريخية و السياسية للواقع)، حيث أشير إلى وجود (وهم كردي بقدرة الكرد في سورية على الانفصال و إقامة دولة كردية). إذا كانت  برامج و مناهج جميع الأحزاب و الحركات السياسية الكردية السورية خالية من أية إشارة إلى تبني (الانفصال و تقسيم سوريا)، فمن  أين استمدَّ واضعوا الرؤية المشتركة وجود هذا الوهم؟ لماذا تحكمون على مشاعر الكرد؟ ألا تدغدغ الوحدة العربية، رغم استحالة تحقيقها، مشاعر ملايين العرب؟ نعم لدينا توق إلى دولة لنا، و لكننا ندرك تماماً استحالة ذلك، في المدى المنظور، و أن دون إقامة هذه الدولة إرادات و عوائق ليس من السهل تجاوزها. لا أخفيكم سراً بأننا كمكون سوري نتحسس من هذه العبارات و القرءات الخاطئة التي تلعب دوراً كبيراً في فقدان الثقة بين المكونين السوريين الرئيسين العرب و الكرد. و المطلوب لإعادة الثقة هو الكف عن ترديد هذه العبارة / التهمة في الأحاديث و التصريحات و في الأدبيات السياسية السورية.و هذا ما يضع الكرة في ملعب القوى الساسية العربية السورية. على هذه الأدبيات و أصحابها أن يكفواعن ترديد هذه التهمة. و أن يقرأوا التاريخ و الجغرافيا جيدا ليكفوا عن وصف الكرد بالمهاجرين الآسيويين في فرنسا أو الهاربين من بطش الدولة التركية، و اللائذين بسوريا ضيوفاً غير مرغوب فيهم، أو بماسحي الأحذية في شوارع حلب و دمشق أو بالمتسوِّلين المُسْتَجْدين الإنسانية على باب حافظ الأسد، و ذلك لتأليب المكون العربي على الكرد. و قد لمست شخصياً هذا التأليب في مقالات بعض الساسة العرب السوريين، و في الصفحات الفيسبوكية العائدة لبعضهم.
تتحدث الرؤية المشتركة في القسم الثاني المعنون بالقضية الكردية في سوريا، الفقرة ثانياً " رؤيتنا إلى قضية الإثنيات و الاندماج الوطني" و يرد في البند(5) حق تقرير المصير. هنا لا تأتي الرؤية المشتركة بجديد يميِّزها عن برامج المعارضات الأخرى، فترى أن البت فيه لا يجوز إلا من قِبَل "هيئة تشريعية منتخبة انتخاباً صحيحاً تستجيب لمطالب المواطنين" مما يعني تحميل مصطلحيْ الأكثرية و الأقلية أبعاداً سياسية أيديولوجية، و سريانها على هذا الحق الذي تقرُّ الرؤية المشتركة بكونه حقاً " تقرِّره الجماعة / الجماعات المعنية به" و ذلك في القسم الخامس، البند (6) من ثانياً "المبادئ الضامنة للدولة المنشودة". لأن الأغلبية في هذه الهيئة التشريعية السورية المنشودة ستكون حتماً من مكوِّن سوري واحد معروف. إن لحق تقرير المصير عناوين فرعية، و ليس بالضرورة أن يعني الانفصال. و إن هذا الحق في الدول ذات الإثنيات المتعددة  تستفتي فيه الإثنية المعنية منفردة، لا مجموع الإثنيات معاً. لأن نتائج الاستفتاء في حالة المجموع ستكون معروفة قبل إجراء الاستفتاء. ثم إن استفتاء مجموع الإثنيات في ذلك يعني استخدام الديمقرطية بشكل انتقائي، على خلاف ما تعنيه الديمقراطية، و يكون ذلك، إن حدث، سابقة غير مسبوقة في النظم و الثقافة الديمقراطيتين في العالم.
إن الرؤية المشتركة كما ورد فيها تطمح إلى "إقامة حكم لا مركزي إدارياً، يعطي مجالس الإدارة المحلية صلاحيات واسعة لإدارة الشؤون الاقتصادية و الخدمية في المحافظات و المناطق السورية". حسبما  ورد في الفقرة (5) التمثيل خلال المرحلة الانتقالية. في القسم الثالث.  من الممكن أن يتساءل الناس، أليست الإدارة المحلية موجودة لدى النظام؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فإن تطوير تلك الإدارة قد يفي بالغرض. كل هذا الدمار و القتل و التشريد و التدخُّل الإقليمي و الدولي، و الإرهاب و جزّ الرؤوس كان من أجل لامركزية إدارية؟ ألا نرى أن الثمن كان مرتفعاً و دموياً؟ و أن اللامركزية الإدارية لا تستحق كل الثمن؟ و قد وردت كلمة (اللامركزية) في الصفحة (19) موصوفة بالموسعة، و هي صفة غامضة. ثم يرد في القسم الخامس / ثانياً تحت عنوان المبادئ الضامنة للدولة المنشودة / البند (16) مصطلح مبدأ اللامركزية دون بيانها إدارية أم سياسية. و هكذا نجد أن اللامركزية المنشودة غامضة رغم ورودها ثلاث مرات في الرؤية المشتركة. و يرد في البند رقم (26) حديث عن الأرض التي "لن تتخلى الدولة عن أي جزء منها، وتستخدم الوسائل المتاحة لتحرير أراضيها"، و يشير الحديث هنا إلى (استعادة الجولان) فقط، و إذا كانت الحقوق لا تسقط بالتقادم، أليس من الجدير ألَّا يُنسى لواء اسكندرون أيضاً؟ و أليس من الضروري و المُلِحِّ  العمل أولاً على تحرير الأرض السورية بدءاً من جرابلس شرقاً مروراً بالباب إلى عفرين غرباً من الاحتلال التركي و أذنابه من ميلشيات ما يُسمَّى بالحكومة الوطنية السورية المرتمية في حضن أردوغان راعي الإرهاب الداعشي و النُّصروي و غيرهما؟ و إزالة نقاط المراقبة التركية في محافظة إدلب، و طرد الميلشيات و القوات الأجنبية من سوريا؟. و ترجئ الرؤية المشتركة هوية الدولة، في الصفحة (41) إلى قادم الأيام. طالما أن سوريا المنشودة دولة وطنية متعددة الإثنيات، فلماذا نرجئ بيان هويتها إلى قادم الأيام، مع العلم أن الهوية السورية تشمل جميع الإثنيات كما يرد في الرؤية؟. ليكن في علمنا جميعاً أن تحديد هوية الدولة السورية باسم إحدى إثنياتها، يهمِّش الإثنيات الأخرى، وذلك ليس مقبولاً.
 
أخيراً، يجدر بي أن أشكر القائمين على إعداد هذه الرؤية، التي يمكن أن تلبي بعض طموح السوريين بمختلف مكوناتهم، فيما إذا أعيد النظر في الملاحظات السابقة و ربما غيرها أيضاً. و شكراً لإصغائكم.
**الكلمة التي كان من المُنتظر أن تُقرأ هذه الكلمة في الكونفرانس الأول في أوروبا لحزب الجمهورية و اللقاء الديمقراطي. ولكن تم تأجيله إلى أمد غير محدد بسبب العدوان التركي و مرتزقته على غرب الفرات
  






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=25546