بماذا قايض ترمب الكرد - الجزء الثاني
التاريخ: الأربعاء 23 تشرين الاول 2019
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

منبع شماتة المعارضة العروبية السورية بالكرد

اجتاحت أحداث مقايضة التخلي عن الكرد وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا، الإعلام الأمريكي والعالمي لأيام عدة وعلى مدار الساعة، تنفس أثناءها ترمب وإدارته الصعداء، ولم يكن الضغط العالمي السياسي والإعلامي والثقافي بذات الأهمية مقارنة ما كان عليه وضعه القانوني، ولأهميتها ورغم الضغوطات لم تحثه عن موقفه، إلى أن حل الوقت المناسب.


 والنتيجة، تركيا بدأت تشعر أنها ستحصل على ما تريد، وأردوغان أعاد نسبة غير قليلة من جمهوره في الوسط التركي الذين تخلوا عنه وعن الحزب إلى جانب شريحة غير قليلة من القوميين. وروسيا أظهرت للعالم أن سوريا محميتها ولا قرار فوق قراراتها، ولا اتفاقية ستنفذ بدون موافقتها، لذلك ومن خلال تعاملها مع مجريات القضية الكردية الجارية الآن، ستنشر الجنود السوريين في المناطق التي تراها مهمة، كمنبج وشمال حلب، وتل تمر ومناطق أخرى وعلى مراحل، وهي التي تخطط بالقضاء على البقية الباقية من المعارضة السورية المسلحة بعد الانتهاء من القضية الكردية، وبمساعدة تركيا. وترمب وإدارته تمكنوا من تمييع مسألة عزله، وتحييد البعض من الجمهوريين، رغم أن القضية أعيدت إلى المحكمة لكنها لم تكن بالزخم الأول. 
  وفي الجانب الكردي، بينت المقايضة لنا على أننا كحراك كردي، كالمرات العديدة المماثلة في تاريخنا المديد، أدوات سهلة الاستعمال، إن كنا جنود تحت الطلب، أو مدافعين عن الوطن، لا نتهاون على تقديم خدماتنا للغريب فرادى وبلا حيلة، ومن السهل للأعداء التلاعب بمقدراتنا، وأن حراكنا السياسي لا يزال ساذجاً في المحافل السياسية والدبلوماسية، ولتشتته يظل دون ثقل قضيتنا وإمكانيات أمتنا، وبالتالي لا اعتبار له، فكم من المرات حضرت شخصيات حزبية كردية إلى واشنطن لم يستقبلوا يوما كفود عن شعب وقضية، وقدراتهم الدبلوماسية كانت أضعف من أن يمثلوا الأمة الكردية وقدراتها، وقد نبهنا إلى هذه الإشكالية مرارا وتكرارا وذكرنا أن التمثيل الدبلوماسي لا بد وأن يكون على مستوى ثقل أمتنا وقضيتنا وليس على ثقل الأحزاب، لكن ما ذكرناه أصبح كالصدى ضمن غرفة خالية. 
والأبشع، مواقف القوى العروبية الإسلامية وشماتتهم، وتمجيدهم للمقايضة الترمبية، وسعادتهم لاحتلال تركيا لوطنهم، وخاصة المعارضة العربية السورية، من العسكريين والسياسيين إلى شريحة واسعة من المثقفين الذين كانوا حتى البارحة بعثيين، بينهم من أبناء عشائر منطقة الجزيرة، الذين هللوا في قنواتهم، ومركزهم الإعلامية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي وبدون خجل، وبغياب الضمير، والأخلاق، على خلفية تلفيق افتراءات وادعاءات كاذبة بالكرد، كالتهجير والقتل الجماعي وغيرها، متناسين أن أكثر من مليون عربي بدون مستوطنات الغمر يعيشون في أمان ضمن المنطقة الكردية. والأغرب صرخات فرح إعلامهم وشماتتهم بالكرد أبناء الوطن الواحد كما يدعون، كقناة الجزيرة صوت الإرهاب التكفيري، وأورينت الهابطة وطنيا وأخلاقيا، وغيرهما، والذين كانوا قد روجوا مع تركيا الاتهامات الباطلة بحق الكرد على مدى السنوات السابقة. 
 ورغم أنه من المعيب التحدث مع الأعداء عن العدالة والقيم الإنسانية والأخلاق، وهنا نعني الأنظمة التي تحتل كردستان بشكل خاص، ومن المؤسف، المعارضة العروبية السورية والتكفيرية ضمنهم، والتي بينت ومن خلال مواقفها العديدة أنها لا تقل عنصرية وكراهية تجاه القوميات والأديان الأخرى عن نهج السلطات التركية والعروبية والفارسية، وهي تعلم أن الشعب الكردي بكل أطيافه كانوا من أوائل الذين حملوا لواء الثورة السورية يوم كانت ثورة، ولا زالوا يحافظون عليها حتى اللحظة، ولم يتخلوا عن شعار إسقاط النظام، وللأسف أجبرونا على أن نضيف إلى شعار الثورة لاحقة إسقاط المعارضة العروبية التكفيرية، خاصة بعدما باعوا الوطن وبسهولة لتركيا، مثلما باعها السلطة لإيران.
 فلو كنا كمراقبين ومحللين سياسيين كرد على دراية تامة إلى هذه الجدلية في شخصية ترمب لانتبهنا، ولأدركنا مدى ضحالته في التاريخ الكردي، ومعدومية معلوماته عنا، وعن خلفيات صراعنا مع سلطات أعداءنا الأتراك والفرس والعرب، وللاحظنا خلفيات العمومية في أجوبته على أسئلة بعض الصحفيين في السنوات الماضية عن الكرد، قبل أن يحصل على معلومات عن تاريخنا، خاصة بعدما تراكمت الأسئلة عليه جراء المقايضة الجارية، والضغوطات التي تمت خلال الأسبوعين الماضيين، والموضحة على أنه كان سابقا في العدم التاريخي عنا بل وعن العالم.
  وبناءً على هذه المعادلة المعرفية والمصالح الشخصية، حتما ستكون المفارقة جلية، ولصالح تركيا، علما أن هناك وفي خلفية بعض الأروقة الدبلوماسية تكمن مصالح الاستراتيجية الأمريكية قد تعدل من موازين الموقف، وتظهر ما لا نتوقعه ولصالح الكرد، ولا يخفى أنه ورغم المآسي والدمار والتهجير والرعب الكارثي لشعبنا، نجحت القضية الكردستانية في المحافل الدولية على الأقل إنسانيا، وإعلاميا، وتبين للجميع إرهاب الدولة التركية ونوعية المجموعات العربية المرافقة لقواتها والذين كانوا حتى البارحة يقاتلون ضمن المنظمات المصنفة على قائمة الإرهاب العالمي.
  رغم كل هذا ومعها الشماتة العروبية، لا يزال الشعب الكردي محافظا على قيمه الوطنية، ولم يسقط في مستنقع الكراهية والحقد، وهم يدركون أن هذه من الصفات التي تميزنا عنهم، وأبسطها أننا نأبى أن نبيع الوطن في أقرب أسواق النخاسة، وعندما نطالب بحقوقنا إن كانت فيدرالية ضمن سلطة لا مركزية أو حتى الاستقلال كما يلفقه إعلامهم، فهو في عمقه تقدير للوطن. فإذا كنا قد تعاملنا على مر التاريخ القريب مع أمريكا مرات وروسيا أحيانا، وحتى مع السلطات الشمولية المحتلة لكردستان، نكون قد اضطررنا إليها فقد كنا بين الحياة والموت، دفعونا إليها بعدما تكالبوا على نهشنا على مدى قرن كامل، بلغت حد سبي النساء. 
  فما حيلتنا إذا كنا أفضل الشعوب على الساحة رغم غياب الدولة، وأنقاهم وطنية ومصداقية رغم كل هذه الكوارث والعداوة والحقد، أخلاقنا تأبى علينا الطعن في ظهر الصديق عند أول منعطف، مثلما فعلتها المعارضة العروبية التكفيرية السورية.
  لربما إشكاليتنا هي أننا نثق بالأخر من المنطق الذي نتوقع أن يتحلوا بصفاتنا، علما أن الثقة المطلقة تعكس نوع من السذاجة، وفي الساحة السياسية تفرز الثقة كجهالة وأحيانا بلاهة، فالخباثة والنفاق هي المعتبرة والمفضلة وهذه وللأسف لا نملكها ولم نتعلمها حتى اللحظة، وهي ما تتحلى بها معظم مجموعات المعارضة السورية، والمثقفين العروبيين وبينهم البعض من أبناء عشائر منطقتنا الجزيرة، الذين يشمتون بالأمة الكردية وتاريخها ونضال حراكها ويغطونها بعباءة الوطنية.
لهذا ولغيرها من الإخطاء درجنا ضمن الصراعات الدولية بدون إرادتنا، وتم العبث بمصالحنا وكل طرف إما يتفرج أو يشمت ويتبرأ ويتهم الكردي الأخر، وجلنا نعلم أن الأسباب جلها ذاتية قبل أن تكون خارجية، وندرك أنه كثيرا ما تفرضها علينا المصالح والظروف، وأن سذاجتنا تمهد إلى ضعفنا أمام الأعداء، وتوصلنا إلى ما نحن فيه الآن. مسيرة ثماني سنوات من الخلافات على إدارة المنطقة وتشكيلات القوة العسكرية تعكس الكثير.
 ورغم كل ما يجري ضدنا، ويحصل لشعبنا المعاني في الوطن، ودون أن ننسى من المذنب إلى أن تحين اللحظة المناسبة، أتمنى ألا تتصاعد الشماتة والتخوين ببعضنا، وألا تتوسع حدة الخلافات، ونأمل أن يتم تأجيلها إلى ما بعد الكارثة.
ويبقى السؤال: متى سنستيقظ ونتقبل الكردي الأخر، ونتعامل كأمة مبنية على عدة اتجاهات فكرية وسياسية، كغيرنا من الأمم.

الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
21/10/2019م








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=25457