متلازمة نشوة القوة و.. خفضها
التاريخ: الأربعاء 09 تشرين الاول 2019
الموضوع: اخبار



وليد حاج عبدالقادر / دبي 

لم يكن خافيا على أي متتبع لسيرورة المسألة السورية، والتي دخلت نفق العنف المسلح من أوسع بواباتها، ومعها تتالت مظاهر الحرب الأهلية ولتكشف وتنذر بحرب طويلة الأمد، على حساب تعثر او تعثير الحلول السياسية، هكذا بدا المشهد قبل انتهاء عهد باراك أوباما بحوالي سنة تقريبا، إلا أن غرفتا الدولتين العميقة لكل من روسيا وأمريكا لم تتوقفا، وكان ظاهرا حينها للعيان تلك الوشائج العميقة بخطوطها الساخنة، مع تفعيل بنود قانون قواعد الاشتباك لا العسكرية فقط، التي استخدمت كغطاء أخذت أجهزة الدولتين الأمنية والسياسية، تخططان لإيجاد أسس ترتكزان عليها وحملاها سلسلة من  التوجهات لتلبي كل ما يبتغيانها على الأرض السورية،


 وكان الحرب على الإرهاب والقضاء على التنظيمات الراديكالية هي العنوان الأبرز فيها، خاصة بعد ان أصبحت الاراضي السورية تربة خصبة جاذبة لغالبيتهم، وفدوا اليها من جميع أصقاع العالم، ومن هنا، ومع ظهور غرفتي عمليات - موك - في الأردن والتي عنت بجنوب وجنوب شرق سوريا وغرفة - موم - في تركيا التي استهدفت شمال وشمال غرب كما شمال شرق سوريا، وكان لاتفاق كيري ولافروف التي لاتزال - بتصوري - الركيزة الأساسية حتى الآن، المرجع الرئيسي بين الدولتين، وكان جرس الإقلاع التطبيقي لتلك المبادرة وخطوتها الرئيس سياسة خفض التصعيد والتي بوشر بها عمليا في منطقة الجنوب وتحديدا في بادية الشام وبالتماس مع الحدود الأردنية - السورية وصولا لجبل الشيخ والحدود مع إسرائيل وتمتد الى مثلث الموت بين السويداء وبداية الشام مع مثلث الحدود المشتركة بين كل من سوريا والأردن والعراق، وكان لانحسار وتقهقر داعش وحليفاتها الأخرى وتقوقعهم في وادي اليرموك، وبالتالي النجاح الملحوظ لخطة خفض التصعيد، وتفرغ بعض من التشكيلات للعودة إلى محاربة النظام، عاملا هاما في كشف المستور، وبالتالي لم يكن الموقف الأمريكي حينها مفاجئا البتة إلا لمن فاتته الرؤية العميقة، ونتذكر جميعا كيف انها خيرت تلك التشكيلات إما التوجه الى محافظة ديرالزور لقتال داعش او تسليم أسلحتها مع وقف كامل أشكال الدعم ورفع الغطاء عنهم، وأمام رفضهم، طالبتهم أمريكا بتسليم السلاح الثقيل وإلا فإنهم سيقومون بقصفها وتدميرها، وبالفعل تم استرداد كامل تلك الأسلحة، وباختصار شديد، وهنا في خاصية حزب الاتحاد الديمقراطي، سيكون من السخف على غالبية قادتها القائمين على رأس مهامهم والمغيبين، التنصل من مئات المواقف والتصريحات بتوكيدهم على أن علاقتهم مع امريكا محصورة على محاربة الإرهاب، ولا آفاق مطلقا لما بعد ذلك، وكان دائما سياسة المراهنة على عامل الزمن وتوترات المنطقة هو الرهان الرئيس لهذه المنظومة في الأمل على استدامة العلاقة لفترات أطول، ومع القضاء على داعش ودخول سوريا في دوامة الانكشافات، وبالرغم من التحذيرات العديدة لهذا الحزب للإتعاظ مما حدث في مناطق أخرى، إلا ان نشوة العسكرة من جهة وممارسة دور المخفر من جهة ثانية، واصرارهم المستميت على تجاهل كل التصريحات والمواقف العملية لغالبية الدول التي تعاطت معهم، والتي حددتها ومن دون استحياء بأن كل علاقاتهم محددة في نطاق محاربة داعش، وعليه كان استبعادهم المتتالي عن اي فعل سياسي أممي بخاصية الأزمة السورية، اللهم ما كانوا هم يقومون بها بالتوازي مع تلك الأنشطة، والتي ما خلت من بهرجات استعراضية كانت تخفت مع خفوت مسببات القيام بها، وأمر آخر : كان لمدى تحكم الغرور العسكري، انعكاس سلبي في سلوكية قادة هذه المنظومة، وذلك في تجاهلها لردات فعل العالم لممارساتها على أرض الواقع داخل المنطقة الكردية، ظنا منها بأنها محمية لطالما هي تخوض الحرب ضد الإرهاب، هذا الحرب الذي بدا لهم بأنها لن تتوقف، في حين أن سجلها كانت تتراكم بخروقات فظيعة، والتي انعكست سلبيا عليها ولتنكشف بأنه يستحيل عليها تجاوز العقلية العسكرية حتى وإن انتهت من العمليات العسكرية، وعليه، فقد أثبت حزب الاتحاد الديمقراطي فشله  في الموائمة بين الحالتين الحربية والسلمية، وبرز ذلك في نقطة جدا مهمة، وهو آلية التعامل مع أسرى داعش، ففي وقت ظلت تعتقل النشطاء الكورد، وتتمسك بهم في  المعتقلات ، تجاوبت مع وساطات عشائرية عربية واطلقت أفواج ممن كانوا في صفوف داعش، وعجزت أيضا في تغيير نمطية التعامل مع العدد الكبير منهم في إبراز جوانب مهمة من الوعي القانوني الموائم للمقاييس الأوروبية، وإمكانية توفير بيئة مقاربة لمحاكمتهم في المنطقة، لابل طغى الجانب الإستثماري على أي جانب آخر، وهذا الأمر بحد ذاته استغلته تركيا بعد أن أصبح من اهم البنود المحفزة لدول أوروبية في الموافقة على رغبات أردوغان، مع توعده بأن يتسلم هو ملف أسرى الدواعش، وملف الأسرى ارتبط بشكل مباشر مع موضوع الهجرة، و ب ي د يعلم جيدا بأنه حتى غالبية كوادره الذين طالبوا باللجوء في الدول الأوروبية بالأعوام الأخيرة تذرعوا بمظلومية ادارتهم وممارساتها . وبخلاصة شديدة : لقد طغى الغرور المنظومة وانسلخت كليا في غالبية ممارساتها عن الواقع وتغاضت عن كل التحذيرات التي وجهت لها، ورغم الستالينية المتحكمة في آلياتها التنظيمية وسرعة محاكمها - الثورية - إلا ان الأجنحة كانت - ولم تزل - تتخاطفها في كل الاتجاهات، وكان يعول على بعضهم، خاصة بعد غزو عفرين واحتلالها، والذي كشف بشكل أوضح، ان روسيا وهكذا امريكا امام مخططاتهما الرئيسة لن تباليا مطلقا بالتعهدات الهامشية حيث كان سرعة انسحاب القاعدة الروسية من كفر جنة حينها، ولن يخفى علينا عرض واستعراض النظام ثانية في عفرين ومنبج ايضا مؤخرا .. والآن : ان ما يتم في منطقتنا الكردية هو تحصيل حاصل لمبدأ خفض التصعيد ومعها خفض القوة والتي وفرت ممارسات حزب الاتحاد الديمقرطي لها مقدمات متعددة، وفشلت تماما في طرح غطاء سياسي مرن في المنطقة يؤسس - رغم هذه السنوات - لأنموذج كان من الممكن ان يتطور نحو الأفضل، لابل ان كل خطواتها العملية أخذت طابع العمل على ابعاد المنطقة من قابلية التحول إلى بيئة وحاضنة لآفاق سوريا المستقبل على غرار كردستان العراق من جهة، ومن جهة أخرى ظهرت ومارست سياسة استجلاب تركيا أردوغان إلى المنطقة مع أننا جميعا ندرك مدى عدوانية أردوغان ووقوفه بأي شكل من الأشكال أمام اي طموح كوردي مهما صغر، وفي أية بقعة من العالم، وسعيها المستدام في تحقيق مطامحها بضم هذه المناطق إليها، وجميعنا يقف الآن أمام منعطف مصيري وتساؤل كبير : ان تقدمت القوات التركية واحتلت المنطقة ؟ هل ستخرج منها ؟ وتجربة قبرص لاتزال ماثلة أمامنا منذ سنة 1974 .. نعم، لقد مارست ب ي د كل ما استطاعت، سواء بقصد او من دونه، سياسة تدمير الوفاق البيني كورديا، والآن وامام هذه المعضلة وعلى الرغم من أهدافها المكشوفة ! هل يستطيع قادة هذا الحزب العودة وراءا - وأعني به الخاصية الكوردية بينيا - وتوفير الحد الأدنى من التفاهمات وإيجاد الأرضية الممكنة لتعويم ما يمكن درءا لكثير من الأخطار   - أقلها - لا كلها ! لأنها قبل الجميع مدركة منذ زمن طويل بأن : المخطط سينفذ وفق مبدأ خفض القوة - وبدون أدنى شك ...







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=25307