وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » - 16/2
التاريخ: الجمعة 06 ايلول 2019
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود 

16- بورتريهات وجوه  2ً- زيارة فرهاد عجمو في مثواه الأخير " أ "

وُلِد بحجم الصورة الشعرية المجنحة، وعاش بحجمها وقد أغنَت المكان برفيف أجنحتها، ورحل في التوقيت الفاجعة كقصيدة تعلِن الحداد على نفسها. هكذا يمكن البدء في الحديث عن الصديق والشاعر الراحل فرهاد عجمو " 1960- 2017 "، ونحن نعدَّ عدتنا: بافي رشيد" الذي سبق أن تحدثت عنه " وأنا" الثلاثاء " 30- 7/ 2019 "حيث انطلقنا عند الأصيل، وبافي رشيد، كما كتبت عنه، هو الوحيد، حتى الآن، كما أعلم، ألف عنه كتاباً وجدانياً، يخص علاقاتهما الحميمة " استعرضت محتوياته في مقال منشورسابقاً " في ولاتي مه "، ولهذا كانت رفقته، رغم مرضه مؤثرة لأسباب أحتفظ بها لنفسي، وقد انطلقنا صوب "الهلالية " حيث مقبرتها الجديدة تقع شماليَّها، لصق الحدود مع " تركيا " على مطل يكشف مساحة واسعة منها ونصيبين على مرمى حجر.


تربض الهلالية على مرتفع مرئي من مسافة بعيدة نسبياً، لمن يقيم أدناها " شرقاً " حيث طرقها وأزقتها، ومطباتها، تترجم واقع الكرد بحذافيره، وتبدو المقبرة الجديدة، والتي تحتل مساحة لافتة، حيث يتكاثر أموات الكرد كثيراً، تبدو مفارقة مكانية وهي تخاصر الحدود، وحدهم الموتى هناك ساكنون حيث هم، لا يخافون من أي تحرك تركي، فقد ارتحلوا إلى رحم أرضي، وربما تم اختيار هذا المكان بوعي ما، لا ينبغي ربطه بالتحرش الحدودي، إلا لمن يريد تحويله شعاراً قومجياً، لرفع رصيدهم التحزبي وخلافه .
كنت أبث المكان المقطوع بالسيارة مخاوفي وهواجسي وتحسراتي، حيث الانعطافات تلزِم السيارة بالتباطؤ والحذر، حتى بلغنا المقبرة، والشمس التموزية على وشك أن تغلق " عينها الحمرا ". التففنا حول المقبرة، وأصبحنا لبعض مسافة، بينها والجدار الخرساني العالي وأسلاكه الشائكة التي تعلوه إمعاناً في التحدي والصفاقة، وبعد حين بلغنا قبره/ ضريحه المعنى به، كما هو واضح في الصورة. آثرنا الصمت، والخشوع لأرواح الجميع، ولروح من فارقنا أبدياً، ويلازمنا بظل صوته، وصدى روحه الشعرية، كانت أبيات شعرية على شاهدته داخل السياج الحديدي تترجم وجهه الداخلي، وترسم وجدانه الكردي: من يكون، وكيف يكون .
خضرة في الداخل، بدت لي وكأنها تصلنا بجسده النابض بحياة أخرى، في نضارتها وألق لونها البادي للعيان، ربما هو حصيلة روحه الشعرية وهي ترحّب بالآتي إليه.
تحدثنا، وفاء موجزاً لمن استشعرنا به، معنا، مشاركنا، خارج نزْله الأبدي، كان بافي رشيد البادي، وقد أخرج ورقة، أسمعنا صوته الشجي المعزّي والمنجرح، كلمات تدثّر أخرى، لتنفتح على فضاء يشغل حدود ألم الكرد كما انسكن بها عجمو طويلاً، سجَّلتها بكاميرتي، وبدوري ارتجلت بعضاً مما استحضرني من كلام يخص المقام لوحيد صوته، وفي مجمع موتى، لا أظنه هادئاً، مستقراً، ووراء موت كل منهم، ما يفجر آلآف القصائد في المكان.
كان المساء يشغل المكان بعتمته الشفافة، مرفقاً ببرودة استشعرناها، ونحن نثبت أنظارنا على القبر ومن فيه، على فرهاد، ونوسّع دائرة الرؤية لتشمل المقبرة وأبعد أبعد، ثم لنصغّر الزاوية، إشعاراً بأن الذي قصدناه بالسلام، والذي يودعنا الكثير مما يبقينا وهو معنا، بأنه كان المركّز فيما نحن فيه وعليه، أي نمضي أبعد، لنعود إلى حيث نحن والمكان الذي ننشد إليه .
تشغلنا/ أشغلتني صورة المقبرة، موقعها، " أهلها الراقدين " قامشلي التي تنفرش شرقاً، والجدار الخرساني، والأسلاك الشائكة، وخوف الذين أشهروها عالياً، وهم في طغيانهم .
أشغلني فرهاد الحاضر الغائب، واسترسلت مع بعض خيال نازف حرقة الدائر، ومفارقات الجاري، وأنا أستدعي صورته المعلقة على باب " بيته " إنما الأهم، الصورة المعلقة في مكتب أخوته " مكتب عجمو " الذي يقع في زاوية شارع " التجّار " ويسهل النظر إلى صورته الكبيرة نسبياً إذ تواجه المار من هناك " شمالاً جنوباً " وهو ما آلمني وأثار داخلي تساؤلات موجعة، من ذلك: كيف وضِعت الصورة هناك، على حائط يظهِرها بجلاء ؟ ما العلاقة بين تعليق الصورة في مكتب تجاري، وصورة شاعر له موقع آخر؟ أي انطباع يتشكل لدى الناظر إليها، وهو يعرفها، جهة الرابط الاعتبارية، أو مغزاها ؟ ماالذي قدَّمه أخوته حتى الآن للتأكيد على أن صورته المعلقة هي من باب الأخوة الرحمية، والتأثر به ؟
أسئلة أطرحها، وداً، وأنا أوجه من هنا كلامي، مرفقاً بحب ذي تاريخ يصلني مذ كنت صبياً يافعاً بأبي فرهاد " بهزاد الأكبر " الراحل عبدالباقي عجمو، وهو في بيته الترابي بداية: إن أول خطوة، ومن باب الوفاء للراحل: أخيهم، وعزيزنا، طباعة أعماله كاملة، في مجلد أنيق يليق بمقداره، عبر تكليف من لهم صلة به، وكانوا على قرب منه، ودراية بأمره ومصداقية الكتابة.
بعدها يمكن الحديث في أمور أخرى، تضفي على المكان وأهله اعتباراً جمعياً يثنى عليه . 
 


....... يتبع
ب- حيث ينتصب الجدار " التركي " ساطوراً







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=25211