الأحزاب والجدل الذي لاينتهي
التاريخ: الأحد 09 حزيران 2019
الموضوع: اخبار



شادي حاجي

لم تكن الأحزاب في يوم من الأيام ومنذ ظهور أول تجربة حزبية في تاريخ البشرية تنظم لمجرد واجهة النظام السياسي وتقديس السكرتيرين والقادة وإضفاء الشرعية على وجودهم بل وجدت لتلد مؤسسات وأجهزة تشريعية وتنفيذية تتوفر على المصداقية ولتكون أداة نضالية لأهداف نبيلة و قادرة على جعل الطريق سالكآ أمام الشعوب والأقليات لتنال حقوقها وتقرر مصيرها وتحكم نفسها بنفسها وتحمي خصوصيتها وتحقق مصالحها وتحفظ كرامتها . 


كما أن الأحزاب لم توجد بغية اختصار المسافات بين الطموح الشخصي لسكرتيريها ولقادتها وحجز مقاعد ومناصب لها داخل هذا الحزب أو ذاك المحفل أو كسب تأشيرة المرور الى ضفة تحقيق الأرباح السريعة أو الشهرة أو المكانة التي تؤمن لهم موقعآ محترمآ في التراتيبة الاجتماعية ، لكن لاغرابة ولاداعي للدهشة فمفهوم الحزب عندنا نحن أبناء الشعب الكردي في اقليم كردستان سوريا ربما يختلف عن المفاهيم والتقاليد السائدة لدى أحزاب الشعوب أصحاب الديمقراطيات الراسخة والناشئة ، إذ تكاد بعض أحزابنا تتمرد على مبدأ خدمة الوطن والشعب والقضية وفلسفة التمثيلية الصادقة للشعب تحت ذريعة الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير ، بسبب ما حدث في التجارب الحزبية السابقة والحالية وربما تكون اللاحقة اذا بقيت الأمور على هذا المنوال ولعل آخرها تشكيل أحزاب نتيجة إنشقاقات جديدة  بالرغم من وجود العدد الكبير الغير مبرر أصلآ والتي عرفت نزيفآ ديمقراطيآ وإنتكاسة أخلاقية مدمرة يؤكد بالملموس أن جزءآ كبيرآ من بين الذين ينزلون الى ساحة العمل السياسي عن طريق الإنشقاقات والإنقسامات الحزبية أو تشكيل أحزاب جديدة صغيرة وضعيفة لاتختلف عن سابقاتها في شيئ مدججين بأسلحة المال الحرام ومعززين من جهات لاتريد الخير للشعب الكردي ولا مصلحته والولاءات السا ذجة لبعض الأنصار مستغلين غياب أحزاب جماهيرة قوية وغياب الاتفاق على مرجعية أو مجلس أوهيئة تمثيلية سيا سية كردية ( ونحن هنا لسنا بصدد أن نتهم شخصاً بذاته أو حزباً بعينه وإنما بنينا الرأي على الاستنتاج والاستقراء بناء على ماحدث ويحدث من احباطات وانكسارات وانقسامات وتشتت واتهامات وتخوين ) . بالرغم من المتغيرات الكثيرة والهائلة التي حدثت وتحدث في المنطقة والعالم من صراعات سياسية وأمنية واقتصادية  اقليمية ودولية ومن زوال لدول وتشكيل لدول جديدة من جهة ومن توحيد للجهود والقوى والامكانيات والقدرات والرؤى لدول وأحزاب سياسية لم تأخذها الأحزاب الكردية في اقليم كردستان سوريا في الاعتبار أو رفض بعضهم التأقلم مع تلك الأحداث والمستجدات إما عن ضعف وعجز ، أو ربما تشبث واع بمصالح وامتيازات لايريد أصحابها التنازل عنها وحتى عن جزء منها ولو كان الطوفان على حد قول أحد الأصدقاء . 
وما يحز في النفس أنه مازال ينظر الى الحزب من قبل الكثيرين على أنه القرب بعينه من مراكز ومناصب اعتقادآ منهم بأن ذلك سيعلو من شأنهم ومكانتهم ليأمروا هذا وذاك ويلعبوا بمصائر العباد كما يحلو لهم بدلآ من أن يكونوا خدمآ للشعب والوطن والقضية متناسين بأن العمل السياسي بشكل عام وعمل السياسي الفرد من خلال الحزب والمسؤولية الحزبية هو مهمة أووظيفة وأداة لنيل وإنتزاع الحقوق وليس امتيازآ شخصيآ بل مسؤولية بكل معنى الكلمة وتتطلب خصائص نضالية للقيام بها . والشيئ المخجل في هذا الجوع الحزبي أو التحزبي أو المناصبي إن صح التعبير وهذا الشذوذ السياسي هو أن يدفع هذا الحزبي أو ذاك بالحزب الى حيث الحاق الضرر بالوطن والشعب والقضية من حيث يدري أو لايدري . لكن سرعان ما تنقلب القيادات على بعضها عندما تتضخم المصالح الذاتية فيرسم بذلك مشهدآ انتهازيآ خاصة عندما تنشط الهجرة الحزبية غير الشرعية في موسم التزكيات السرية والعلنية لينضم هذا القيادي أو ذاك أو هذه المجموعة أو تلك بدون حياءالى حزب جديد كان يناصبه العداء بالأمس وتنتفخ أوداجه أو أوداجهم قدحآ فيه فعند المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة تسيل اللعاب وتنتفي القناعات الأيديولوجية وتسقط القيم فالبقاء لما يقوي الموقع ويجلب المال الحرام ويعزز الامتيازات . 
الغريب في الأمر أن هذه الممارسات تحدث في زمن الحديث عن أحزاب مؤسساتية و الانتقال الديمقراطي عبر الحوار والتفاهم والاعتراف بالآخر وبالرأي الأخر  والبحث عن برنامج سياسي عصري وحضاري مشترك وموحد يجمع عليه الحركة السياسية الكردية ( الأحزاب الكردية )  بكل أحزابها وتنظيماتها وبقية التعبيرات الكردية من مثقفين وشخصيات وطنية مستقلة وهيئات ولجان المجتمع المدني ، وفي زمن البحث عن كيفية العمل لإيجاد أوسع اطار سياسي ممكن لجمع القوى المؤثرة في الساحة السياسية الكردية من خلال تجديد النخب الحزبية القادرة على القيام بمثل هذه المهام الوطنية المهمة والمصيرية الذي يكون الشعب الكردي بأمس الحاجة إليه في هذه الأوقات العصيبة ، وفي زمن الشفافية والتأكيد على تخليق الحياة العامة . ونتيجة لهذه التناقضات و لإخفاقات الحركة السياسية الكردية في سوريا و عدم بلوغ الأحزاب الى تحقيق الأهداف التي وضعتها بنفسها بسبب إنحرافها عن مساراتها الحقيقية لأسباب وعوامل عديدة ذاتية وموضوعية الا أنه وبحسب اعتقادنا فان للأسباب والعوامل الذاتية دور مهم وكبير في عرقلة واعاقة مثل هذه المشاريع دون أن نقلل من شأن دور الأسباب والعوامل الموضوعية . وهذا ما يجعل المراقب يجزم بوجود أحزاب منفصلة عن هموم الشعب الكردي الحقيقية ومصلحته وقضيته العادلة في سورية حتى لو رفعت ألف شعار وشعار ، ولمعت خطاباتها وزوقت لغتها ، لأن تصورها للعملية السياسية لايعدوا أن يكون فصلآ من فصول السمسرة السياسية و هذا مادفع ويدفع شرائح واسعة من أبناء شعبنا خاصة الشباب والنخب الثقافية والأكاديمية ومئات الكوادر الجامعية الى هجرة السياسة والدخول مبكرآ في سن اليأس السياسي، والطعن في وعود وتصريحات القيادات الحزبية ومصداقيتها ، لأن ما يقنع بالانخراط في السياسة وممارسة الحق الوطني والديمقراطي هو مصداقية ونزاهة وحسن سلوك الفاعل السياسي ، الذي يجب أن يكون بوصلة في الطريق الصعب الى نيل الشعب الكردي حقوقه القومية المشروعة في سورية ، ومنارة مضيئة في ليل الإجهاز على مصداقية ونقاء العمل السياسي . 
فهنا من حق الجميع أن يتساءل متى ستتجاوز الأحزاب حالة الضعف والتشتت والانقسام التي حرمت القيادات الحزبية من ممارسة حالة طبيعية من التفكير والتحليل والتقويم ...للخروج من عنق الزجاجة الى فضاء العمل الواسع والساحات الساخنة ؟ وترجمة مايتم التوصل إليه على أرض الواقع بالأفعال وليس بالأقوال ، وبالسرعة الممكنة لأن الأحداث تتسارع و الزمن لاينتظر أحدآ ، ولأن الفشل لاسمح الله سيكون مكلفآ وباهظآ جدآ وسينعكس على الجميع وسيظل الشعب الكردي هو الخاسر الأكبر . لذلك نحذر فعلآ بأن هناك خطر كبير وتراجع واضح من الهروب من الاستحقاقات السياسية المستقبلية ، وأن الشعب الكردي سوف لن يقبل ولاينبغي أن يقبل استمرار حالة التآكل والانقسام والتراجع والهروب من المسؤولية ، لأن الشعب والوطن والقضية الكردية ستدفع الثمن باهظاً والى الالتزام بمستقبل أفضل .
شادي حاجي - ألمانيا 8/6/2019






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24982