ليس بالحرية وحدها يحيا الإنسان ؟!
التاريخ: الأثنين 22 نيسان 2019
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

 ما لاحظته منذ فترة، هو وجود كتابات " لا أقول مقالات " تُنشَر في مواقعنا " الكردية "وبسخاء لافت، ومنها " ولاتي مه " عن الأحزاب الكردية، وواقع الكرد السياسي، ربما لأنها باتت تُعدِي بعضها بعضاً، أو كما هي حال أمطار هذه الأيام حصراً، تمارس تخريباً، بمقدار ما تفصح عن نفسها، كونها تصدر إجمالاً عن أناس هم أنفسهم مَن لهم إسهام في أنشطة تلك الأحزاب، وواقع الكرد ذاك، ولهذا، فإن رصيدها الاعتباري ليس صفراً فحسب، وإنما مخجل، بالمقابل، لأنها تُعرّف بنماذج جرّبت الخراب ولم تكتف بإخفائه أو انتقاده ذاتياً، حيث أخجل عن ذكر أسمائها من هذا المنطلق، وإنما التعالي على " تاريخ " سلوكها الناخر والمنخور.


هذا يصلُني بما أريد التعبير عنه من خلال مقولتي " ليس بالحرية وحدها يحيا الإنسان "! نعم، فما يخص قراءة التاريخ، يمكن القول عن أنه تاريخ وقائع، مجتمعات وأفراد، تاريخ سلوكيات يمكن قياس نبضها الأخلاقي وسويته من خلال حصيلة ما عاشته أو تمارسه يومياً، وصِلتها بوعي التاريخ، الحقيقة، درس الخطأ المرتكب، لأجد ما هو رهيب من ناحية، وغير باعث على الاستغراب من ناحية أخرى، وهي أنها تفتقر إلى الرصيد الكافي والوافي من الحرية لكي يمكنها تجسيد الحرية هذه في قول أو فعل ينبني عليه سواه، ويفيد في إصلاح حالة أو تجاوزها، أو تشكيل ظاهرة، واستثمارها، وتحقيق ما هو نوعي.
فمعظم الذين يكتبون في السياق المذكور، داخلاً وخارجاً، وهم طَلْقو المحيا، وأعينهم مركَّزة على قارئها بجوار " عناوين كتاباتهم " كما هم ونظراؤهم في لعبة الخديعة السياسية واليومية، وقد تكاثروا سلباً، وبرَّروا سلباً، وشكَّلوا هم أنفسهم هذا السلب الذي يصبح بعد تراكمات ظاهرة ما أمقتها وأخطرها، في واقع الكرد " العدد المتشظي للأحزاب الكردية، والمشاهدة اليومية للمعتبرين ممثليها، وهم يظهرون ناطقين وضاحكين وواعدين بالمأمول، وبياقات افرنجية، يشرّف من يا ترى ؟". ظاهرة في عمر عقود فرّخت ما ينسجم مع سلوكياتها في الدجل والمراءاة ، إنما أيضاً في التعبير الدقيق عن مدى الشغف بالكذب، واعتماده في بورصتها المسلكية الجمعوية والفردية، وتجاهل كل ما يعنيها في المعطى السياسي أو السلوكي اليومي وما يلحقه بكرده من أضرار تدفع بقرائها، وأنا قارىء هنا، إلى اليقين شبه المطلق، بأنها بلغت مرحلة متقدمة من وعي العبودية، وليس الحرية، ليكون في مقدورها نقل هذا الخراب المنتعش إلى الآخرين، كما هو حال الكرد منذ عقود وعقود من السنين، ولا أسهل من قول عن أن تاريخ ما يُسمى بـ" الحركة السياسية الكردية " هو تاريخ تدشين هزائم ومآس مخزية، يتشعب ويتنامى إلى هذه اللحظة، ويعِدُ في ضوء المتحصل بما هو أكثر وبالاً. إنه تاريخ وعي العبودية، واحتضانها. نعم، احتضان العبودية، كما هو الحمْل الفعلي والذي تتنوع " أجنّته " في مناطق مختلفة من الجسد الاجتماعي، الفردي، والسلوكي في القول والفعل، وتعطيل أو تعطيب المتبقّى مما هو ممكن التفاؤل بها وقد جرى، كما يجري تسميمه، أي ما يجعل الكرد أهلاً لعبودية من خلالهم، وليس الحرية التي تتطلب ارتقاء بما هو ذاتي، وتنويراً للشخصية وهي تدرك حقيقتها وأهدافها، وتقف عندها، وتمارس نقداً لها، لتحسّن أداء المطلوب، ومن ثم وهي تهذّب " الوحشي " فيها، وما في ذلك من بلورة فكرة القدوة وتعزيز حب الحياة الحرية في نفوس " الرفاق " وغير الرفاق. أليس الكل كرداً ؟
نعم، ليس بالحرية وحدها يحيا الإنسان! ففي وسعي، وتبعاً لمعطيات الواقع في أهواله وأحواله، أن أتحدث عما يقابل حاصل قسمة الثروات الموجودة على أفراد مجتمعها، عما يقابل الكثافة السكانية " العددية " جغرافياً في الكيلو متر الواحد، وكيف أن النتيجة هي أكثر من هزيلة ومخيفة، أي ما يكون محبِطاً، جرّاء سلوكيات من يتشدقون بالكردايتي، أو انقسام الحركة السياسية الكردية، أو أحزابها، كما لو أنهم خارجها، ولم يكونوا، أو لا يكونون هم أنفسهم عبر ما يمارسونه اجتماعياً و" ثقافياً " بيوضاً تفقس فساداً، وتنعش كذبات/ أكاذيب هي ما تحتاجه العبودية لتستطير في النفوس والرؤوس.
قابلية احتضان العبودية، إذ ينعدم النقد الذاتي لتاريخ شخصي أو جماعي، هي قاطرة هذه السلسلة من الموبقات، من المخاتلات، وعرّابتها المحورية، المعتبَرة والمعتمدة، بصيغ شتى لدى هؤلاء، ومن يتنفسون فساداً محتفىً به هنا وهناك خلفهم، أمامهم، حولهم...الخ، فتكون العبودية وليس الحرية ما يتم تجسيده أو تمثيله، عبر اجتماعات تخدمها، العبودية واستمراء الظهور بها، والتفاعل معها، والتلبس بها، ومن ثم مواجهة من هم تطاله لوثاتها بعد، باعتبارها المهدّد لمحميتها أو الخطر على وجودها في طرق نسلها وإنسالها، ليس لأن الكرد أهل عبودية وليس حرية، إذ يصعب الحديث عن كِبَر الضحايا المقدَّمة والكِلَف المدفوعة وما يُدفَع دورياً، وأن تاريخهم هو تاريخ نزيف دمائهم وانجراحاتهم وخيباتهم في الغالب الأعم، وهذا ما يقرّبهم من خلال من يزعمون تمثيلهم، من حافة العبودية، وتثمين هاويتها، كما هو مستخلَص مما يعاش فيها، أي دربتهم ومرانهم، وأهليتهم لأن يكونوا خير ضامن لهذه العبودية، ومقارعة الحرية، ونقل هذا الذي بات في مقام الموّرث إلى أولادهم وقد شبّوا عن الطوق، وأحفادهم، وقد صاروا في مقام يليق بهم لأن يحملوا " رسالة آبائهم وأجدادهم " في هذه العبودية التي ترينا الكرد منقسمين، مستهلِكين ومستهلَكين، ومفيدين أعدائهم، وهم يخفّفون عنهم أحمالاً، أو أثقالاً، ومؤكدين لهم أنهم قادرون على لعب دور ما يبقيهم متحكمين بهم وفيهم، مأخوذين بالعبودية وملذاتها، أو أطايبها التي تعزّز مواقعها فيهم باضطراد، وإلى أجل غير مسمى، ثملين بما هم فيه وعليه، وهذا ما يدفع بأعدائهم أنفسهم، أو من يهتمون بأمرهم إلى المزيد من الثقة فيما ينظّرون فيه بصددهم، أو في انتقادهم لهم، وتشريح الكردية تاريخاً وثقافة في هذه المسلكيات التي تعنوَن عبودياً، وليس حرياتياً.
ليس بالحرية وحدها يحيا الإنسان. نعم، فثمة حياة بالعبودية، ثمة حياة بالتكيف مع عدّتها وعتادها، ثمة الإدمان على كل المغذيات، الفيتامينات النفسية التي تحافظ عليهم، في إنماء هذه العبودية، وتكون لها مناسبات، وكتّاب يتحدثون باسمهم، وهم يعرّفون بأنفسهم مستقلين، ويناورون على خلافهم، يعتّمون عليهم، وما أقلهم، ليكونوا هم أنفسهم موالي عبودية تأكيداً على هذا المستوى " الرفيع " من العبودية المختارة، بتعبير أحدهم، وما تتطلبه هذه من أفنانين الكذب، النفاق، فقر دم المروءة، تدني الإحساس بشكل مريع بالجاري والتعلم منه، التبرير المعتاد لكل نقيصة أو انقسام، تزييف الواقعة. لنكون إزاء أوركسترا العبودية بدمغتها الكردية الفصيحة!
لا يلام الذئب في عدوانه   إن يكُ الراعي عدوَّ الغنم
ذئاب تتكاثر، و" قطيع الغنم " يتناقص، وربما في هذه الحالة، في هذه الحالة الواحدة حصراً، يمكن لأمل ما أن يتشكل، ولو في غد غير منظور، وهو أنها قد تواجه بعضها بعضاً، جرّاء التناقص العددي، والهزال المعدي في " القطيع ". فتتذاءب، وتتحارب، وتتهارش، وتتفاحش، وتتناهش، حتى يقضي أجلها، ويدخل الكرد- حينها فقط- في التاريخ من جديد...!







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24867