الشخصية الكوردية وداء الشعور بالمظلومية
التاريخ: الأربعاء 17 نيسان 2019
الموضوع: اخبار



شاهين أحمد

تعرض شعبنا الكوردي عبر مراحل تاريخية مختلفة ومازال لشتى صنوف الظلم والقهر والاضطهاد من جانب الأعداء والغزاة والطامعين في أرضه وخيرات وطنه ، تحت شعارات وحجج واهية ، أخطرها على الإطلاق كانت تلك الشعارات الدينية التي ارتكبت في ظلها الكثير من المجازر بحق شعبنا وآخر فصولها لم تنته بعد ( غزوة تنظيم داعش الإرهابي ).وقضية الغزوات والهجمات والحملات التي استهدفت شعبنا ووطنه بالرغم من أهميتها ، إلا انها ليست موضوعنا بقدر مايهمنا منها مايتعلق بآثار وتبعات ونتائج تلك الغزوات والمجازر على شعبنا  والتي تركت آثاراً سلبية في شخصيته ونفسيته ، مازالنا نعاني منها حتى اليوم . إن مظاهر الإنفعالية والإضطرابات التي تظهر بسرعة على الإنسان الكوردي ، تعود في جزءٍ كبيرٍ منها إلى الظروف التي تعرض لها هذا الشعب على مر الزمن ، مما كون لدى نسبة لابأس بها من هذا الشعب معتقدات فكرية خاطئة عن نفسه ودوره وتاريخه وعن المحيطين به. 


وبما أن العلاقة بين العقيدة والسلوك هي علاقة ذات فعل وتأثير بإتجاه واحد حيث تعمل العقيدة فعلها في صناعة السلوك وتصرفات الأفراد وتؤثر أيضاً في مستوى وشكل الإدراك لدى الفرد وبالتالي المجتمع . وهنا لابد من الإشارة إلى أن العامل الذي كان سبباً مباشراً في إثارة فضولي للخوض في هذا الموضوع هو ما لاحظته ومن خلال صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة ،النقاشات الساخنة أحياناً بين اللاجئين في المهاجر والشتات بشكل عام ومخيمات البلدان الأوربية على وجه الخصوص ، عندما يشتكي الكوردي اللاجىء من سلوك زميله العربي اللاجىء - وكان يجمعهما بلد واحد قبل النزوح - ويسكن بجواره وفي نفس هذه المخيمات ، ويعبر هذا الكوردي عن بعض صور معاناته من قبيل بأن زميله أو جاره اللاجىء من المكون العربي يطلب منه التحدث باللغة العربية أو يمنعه من التحدث بلغته الأم ( اللغة الكوردية ) ، ومدى المرارة والمظلومية التي يعبر عنها الكوردي المذكور والذي يسكن في ذات المخيم ويعيش نفس الظروف في ظل سلطة غريبة على كليهما !. مما يثير الاستغراب ويتطلب التوقف عند هذه الظاهرة ، والوقوف على أسبابها ، والبحث عن جذورها ، وبالتالي تأمين مقومات معالجتها . وبالعودة إلى علم النفس والإجتماع ورواده الذين بذلوا جهوداً مضنية في مجالات البحث عن الأسباب المؤدية إلى حصول الشرخ وعدم التوافق مع النفس والمحيط  وبالتالي وصولاً إلى حالة من الاضطراب في السلوك وعدم الانسجام مع المحيط الإجتماعي، وتكوين رغبة جامحة لدى الفرد المصاب بالإنسحاب من العمل الجماعي ، والتشكيك الدائم في الآخر المقابل حتى في أبسط الامور الحياتية اليومية . والملاحظ أن أكثرية الباحثين والرواد في هذا الجانب ربما كانت المساحة المشتركة بينهم  تلتقي في محصلتها حول العلاقة بين المحددات الثلاثة المتلازمة " التفكير والإنتقال والسلوك " ، ومن هذه العلاقة الترابطية الوثيقة بين هذه المحددات ، وتأكيدهم بأن أي تغير في إحداها سيؤدي بالضرورة إلى تغيرات في الباقيتين . ومن هنا ندرك مدى خطورة ماتخزنه ذاكرتنا التي تراكمت فيها فصولاً من المظلومية عبر مراحل تاريخية وتأثيرها على سلوكنا ، وربما نلاحظ أن الشعور بهذه المظلومية في بعض الحالات قد تحول إلى نوع من المغالاة في مستوى التقدير والتفسير السلبي للمواقف والمسائل الإيجابية ، والانتقال الى الإستنتاجات البعيدة عن الواقع تماماً  وقراءة المستقبل قراءة سوداوية ، وإطلاق أحكام قطعية بدون توفر الأدلة ، ومن الجدير ذكره أن هذه الحالات المرضية تنتج أنماطاً  فكرية محبطة للنفوس وهابطة للمعنويات تؤدي بأصحابها إلى حالات من الإضطراب والإرباك والتردد والانغلاق والعزلة وصولاً إلى نوع من الإنسحاب من الحياة الاجتماعية ، وبالتالي التشكيك بالنفس ، والشعور الدائم بغياب إمكانية التعامل والشراكة مع الآخرين . ومن هنا ربما نستطيع القول بأن ذاكرتنا التي تختزن في أعماقها الكثير من الأحداث والمواقف المحزنة ، والتي بدورها تحولت إلى عوامل فكرية باتت ترسم وتؤثر بشكل حاسم في مسارات سلوكنا وأنماط حياتنا واتجاهات عملنا . لايمكن لنا كحركة تحررية كوردية ، وبالتعاون مع النخب الفكرية والثقافية لشعبنا أن نتجاهل هذه الظاهرة المرضية الخطيرة ، وبمساعدة الأصدقاء أن نبحث عن السبل الكفيلة بمعالجتها – ظاهرة الشعور بالمظلومية - في الإنسان الكوردي ، وذلك من خلال دراسة منظومة معتقداته الفكرية ، وتشريح ذاكرته للتعرف على مكوناتها ومكنوناتها ، ومن ثم الإبقاء على العناصر الإيجابية فيها ، وإزالة واستئصال كل ما بناه الأعداء في ذاكرة هذا الشعب المكلوم والذي من شأنه دفع هذا الإنسان نحو حقول اليأس والنظرة السوداوية للامور والتشكيك في جدوى التعامل مع المحيط  من ذاكرته . ومن بين الأسباب التي جعلت شريحة واسعة من أبناء شعبنا تشعر بالمظلومية ، وتعاني من بعض العقد النفسية وكذلك الشعور بـ " الدونية " ،هي وجود حالات الفقر والجهل والأمية ، وكثرة الحروب والصراعات الدامية على أرضه ووطنه ، والقتل والتهجير القسري الذي تعرض له ومازال ، وفقدان الأقارب وغياب برامج التوعية والتنمية وانتشار الأمراض وغياب الأمان والشعور المستمر بالخوف والقلق والتوتر ...إلخ . ولكي نحاصر هذا المرض ، ونوفر مستلزمات ومقومات معالجته ، علينا أن نعيد كتابة التاريخ ، ونقوم بتصحيح المراجع التاريخية التي زورها الأعداء ، ونعتمد على المراجع التاريخية التي كتبها المؤرخين والمستشرقين الغربيين ، ونستحضر منها الصفحات الناصعة في تاريخ شعبنا ودوره في الحضارة العالمية ، والبطولات والملاحم التي سطرها أجدادنا في صد الغزوات والدفاع عن المنطقة، وتأسيس العديد من الامبراطوريات ، وأن شعبنا أنجب العشرات من القادة العظام والمئات من كبار الكتاب والمفكرين ،كي نضع تلك الشريحة المصابة بالمرض المذكور أمام إعادة النظر في معتقداتها وتتحرر من تلك العقد ، وتحرر ذهنيتها المرضية المشوهة التي بناها الأعداء ،وتنضم إلى الكتلة الفاعلة لشعبنا ، وتساهم في بناء إنطلاقة جديدة لشعبنا كي يستعيد دوره القيادي من جديد ويساهم في التفاعل الإيجابي مع الجوار ، ويساهم بصورة فعالة في شؤون الحياة بطريقة سليمة ومنهجية علمية ومنطقية ،نحو حياة طبيعية هادئة ، ومن خلال توجهات سلوكية خالية من السلبيات والاضطرابات النفسية . وكذلك لابد من توفير عوامل الراحة النفسية، وخلق مناخات الأمان والإستقرار وتأمين فرص عمل ومستوى معيشي مقبول والخدمات الأخرى الضرورية من غذاء وكساء ومسكن وتعليم ...إلخ . ومن المفيد هنا العودة إلى ماكتبه علماء النفس والاجتماع في هذا المجال وخاصة الطبيب النفساني النمساوي المعروف " ألفرد أَدلَر " الذي يقف على الأسباب الحقيقية التي تجعل الإنسان يشعر بالدونية و الغاية من إيصال الإنسان إلى هذه الحالة ، والتفاصيل التي تقف وراء تحول الإنسان من خلال دراسة الأنماط وتأثيرها في السلوكيات ...الخ . وأيضاً ماكتبه الطبيب والعالم النمساوي " سيغموند فرويد " صاحب نظرية فرويد المشهورة في التحليل النفسي ، والذي خاض دراسات كثيرة في مايسمى اليوم " بالعقل الباطني " حيث شبه العقل الباطني بالبئر المليء بالذكريات والأحاسيس والمشاعر الجياشة التي تنازع غرائز الإنسان .وفي الختام هناك جملة أسئلة ستطرق على الدوام أبواب المهتمين بأوضاع شعبنا ، وسبل القضاء على هذه الظاهرة السلبية التي تدفع نسبة لابأس بها من شعبنا خارج حقول الفعل الإيجابي والإنتاج المفيد ومنها : لماذا يشعر الكوردي بالمظلومية ، ويشعر أحياناً بالدونية ؟ . وماهي الأسباب التي جعلت من هذا الشعور – المظلومية - متلازماً لشريحة لايستهان بها من أبناء هذا الشعب العريق ؟ . كيف السبيل إلى محاصرة هذا الظاهرة وصولاً إلى معالجتها واستئصالها نهائياً ؟.هل هناك إمكانية حقيقية للقضاء على هذا المرض ؟.مالمطلوب من الحركة التحررية الكوردية في هذا الجانب ؟.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24845