أول عمل موسوعي عن «جينوسايد الإيزيدية» حتى الآن
التاريخ: الأربعاء 27 اذار 2019
الموضوع: اخبار



  ابراهيم محمود

يمكن اعتبار " جينوسايد الإيزيدية " الذي أعدَّه الباحث الكردي الإيزيدي داود مراد ختاري، أول عمل موسوعي في حدود علْمي عن غزو " تنظيم الدولة الإسلامية : داعش " لسنجار / شنكال الكرد الإيزيديين، والذي أصدره مركز بشكجي للدراسات الإنسانية، بتوجيه من رئاسة جامعة دهوك، وبمراجعة مركز بشكجي وإشرافه، حيث يقع في قرابة " 2500 " صفحة من القطع الكبير، وفي تجليد فنّي أنيق، وضمن علبة فنية بدورها، ولعام 2019، بالشكل التالي:
1-420 ص، 2- 316 ص، 3-204 ص،4- 302 ص،5- 414ص، 6- 516 ص ، 7- 324 ص.
وحيث إن غلاف كل كتب يعرَف ببعض من محتواه الملتهب والكارثي، وبشكل لافت هنا !
لقد تطلَّب هذا العمل الموسوعي الكثير من الجهود المشتركة بين مركز بشكجي والباحث ختاري الذي جمع مادة ضخمة من المعلومات والوثائق والصور والمقابلات والروايات الشخصية، وغيرها مما له صلة بالفاجعة هذه، حيث إن قراءته تفصح عن هذه الجهود المضنية.


إنها جهود ترينا حجم الكارثة المرعبة، أو بتعبير أدق رعب جينوسايد الإيزيدية في آب 2014، أو ما تعرَّض له الكرد الإيزيديون: صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء من أهوال، تمتد بين القتل الفظيع والسبي الذي شمل المئات من نسائهم، تتراوح أعمارهن بين من كُنَّ في عمر الطفولة، ومن تقدَّم بهن العمر، وما يعنيه هذا السبي بدوره من همجية الذين خططوا لغزوهم للمنطقة، وسنجار في الواجهة، ونفَّذوه بأساليب دموية رهيبة، يجد له أكثر من هيئة أو صورة، أكثر من خاصية إبادة، فجَّرت في ذاكرة الكردي الإيزيدي تاريخاً طويلاً من الفرمانات، وكان الفرمان " الداعشي " هو الأوغل في الرعب والهمجية، سيمتد حديث من عاشوه إلى أجيال وأجيال أجيال في المستقبل، لهذا السبب، حيث إن فظاعة الواقعة كانت صارخة وملحوظة من خلال تعابير ذاتية اعتمدها الباحث جرّاء تأثره بها، لهذا سعى المركز جاهداً وعلى مدى سنتين إلى تقديم عمل يليق باسمه، وعلى قاعدة علمية ما أمكنه ذلك. ولقد تابعت طريقة إعداده للطباعة، إن من خلال القراءة أو المناقشة فيما بيننا، أو مع الباحث بالذات، ليكون للعمل حضوره العلمي والفني .
وإذا كان لي أن أوجِز في الحديث عنه، فإن ما يمكنني قوله بداية، هو أنه سيكون لدينا قرّاء متعددون في توجهاتهم، أو طرق فضولهم وحتى أهوائهم أحياناً في التعامل مع محتوياته، حيث إن العناوين الداخلية، وهي موجزة أو سريعة، وحسّية، لا بد أنها ستثير الذاكرة المكانية والزمانية للقارىء. قارىء سيتابع المسرود في رواية معينة تهمه مباشرة: جرّاء علاقة أهلية أو شخصية أو وجدانية ما، وآخر سيتابع المثار من خلال لقاء معين، وكيف تم التعبير عن حدث معين، ومن قبل باحث يعرفه، وقارىء ثالث سوف يقلب الصفحات بحثاً عن أسماء معينة: أسماء أهل، أو من العائلة ذاتها، أو من المعارف، وكيفية التعبير عما جرى، فليس من إيزيدي إلا وعاش هول الحدث، مع فارق مستوى الكي أو رعب المتحصّل، وقارىء سوف يتنقل بين الصور، وإمعان النظر فيها، فهي صور الضحايا، والضحايا أهل أعزَّة، وذوو قرابة ومعرفة، والضحايا بشر مثّل فيهم " داعشياً "... بمعنى أن العمل الموسوعي هذا، وسواء تنبَّه الباحث لهذه النقطة أم، جاء، أو يجيء مستجيباً لحالات فضول كثيرة، وفي الحالات كافة، يعني أنه في حدود معطياته، وما هو مطبوع حتى اللحظة، يثير مشاعر شتى، وهذا يمنحه حضور قيمة !
جاء العمل في مجموعه كما تقدَّم، وبعد تداولات، تحت عنوان " جينوسايد الإيزيدية : آب 2014 "، وموزعاً على عناوين سبعة،حيث حمل كل عنوان ما يعبّر عن مسار بحثي: سردي روائي مسموع أو جرّاء مقابلات، أو إحصائي، أو موسَّعة تضم " صور الضحايا "، وهو الجزء السابع من العمل.
الأول: الطريق إلى الجبل في أيام المحن: حيث إن قراءة كلمة المركز تسلّط الضوء على الموضوع وكيف بُدء به، وفي الفصل الأول: الأيام الأولى للجينوسايد...وعلامات الاستفهام حول كارثة شنكال. وهي ذات صلة بهول الحدث( ما الذي جرى ويجري الآن؟ في أي عصر نحن؟...أين كان المتنبئون من الإيزيدية، الذين كثروا في الآونة الأخيرة؟ ..هل بالإمكان نسيان الماضي...ص61 ). وما يتعلق بخيانة الجار وابن المنطقة : الكريف الخائن، ..وحرق " العجوز " مع دارها، ومعركة تل قصب.. وقوة قنديل شنكال..وآل شيخ خدر ومعنى التضحية والفداء، ومنذ البداية ( كان هدفنا هو مقاتلة العدو لأن أجدادنا كانوا يدافعون عن الأرض منذ القدم ولنا تاريخ في هذا المجال.ص 364 )....
حيث إن الصورة الشخصية تترافق مع العبارة، ليتعمق الأثر أكثر.
وليشكّل للجاري في قرية " كوجو " أي: مجزرة قرية كوجو، عنواناً للجزء الثاني، وفي الداخل" مآسي أهلها كما يرويها الناجون "، حيث نتعرف على سردية تاريخية عن المكان والزمان، عن القرية وجغرافيتها وأهلها، وكيفية حصول الكارثة، وكيفية سَوق الأهالي إلى نقطة تجمع، وما يخص شهادات الناجين: طاردونا ساعة كاملة..نجا بالمشي على الركبتين...سأعالجها...لو ماتت سأخسر ثمنها..وفاء في زمن الغدر...شرب الشاي كان حيلة منها...الخ. إنها عناوين تتنوع في بنائها الفعلي والاسمي، كما تتراوح بين زمن ماض وحاضر ومستقبل، وما في ذلك من تلوين للذاكرة وتأثير فيها.
كما في تعبير إحدى الضحايا " الفرائس " وهي تصف سلوك أحد أفراد " تنظيم الدولة " الهمجي ( كان وحشياً في ممارسة الجنس، وبقيت معه عشرة أشهر..ص203 ).
و" المقابر الجماعير " عنوان الجزء الثالث، حيث الأرض لغّمت بالضحايا ودمائها، وكل مقبرة مشهد لمجزرة، حيث إن عنوان " واشنكالاه " صارخ، وجداني الطابع جرّاء رعب الجاري، وعبارة عن مقطوعة أدبية " شعرية ":
واشنكالاه!!!   عودي إلى تلك الشمس المشرقة....أروي بدمائنا جبالك الشاهقة...ووحدي صفوف أبنائك الممزقة..ص27.
و" ورود في الصحراء / عنوان الجزءالرابع، ويتضمن " جوانب من مآسي أطفال الإيزيدية في قبضة داعش "، كما في هذه العناوين:الطفل الجريح، الصراخ من الألم، عاد الروح إلى جسده..أبكي على من؟..كنت عبداً لرجل جزراوي...إلى هالة...صور توثق مآسي أطفال الإيزيدية..إن قراءة هذا الجزء تثير عنف المكبوت، وتحيل مشاعر القارىء من منظور إنساني إلى جمرة متقدة من الغضب والسخط تجاه مشاهد مروعة مما يقرأ عنها ويتابعها.
ذلك ينطبق على القسم المتعلق بالنساء في الجزء الخامس " ناجيات من جحيم داعش "، مثل: أولى الناجيات شقيقتان.. مازال أثر الجرح في رأسي...أجبرني على نحر شخص فرفضت... تظاهرت بالجنون فلم ينفعني..وثيقة بيع وشراءالسبايا...حوار بين مخطوفة وانتحاري...حوار بين داعشي وزوجته...ثم الملاحق والصور..إن كل شهادة مشهد رعب مختلف عن الآخر، وفي كل حالة ما يعبّر عن مدى تفنن أفراد " تنظيم الدولة: داعش " في التعذيب والتعبير عن تلك السادية ذات الطابع الديني المكوَّن كما يشتهون .
ولا بد أن الجزء السادس " إحصائيات الضحايا " يثير تساؤلات كثيرة: كم العدد، وكيفية الفرز بين الرجال والنساء، الصغار والكبار بدقة، وأين هم الضحايا..الخ. هناك جداول بالأسماء والجنسية، والعمر...الخ، وهي تفيد العاملين بالمقابل في إطار حقوق الإنسان بصورة خاصة.
وليكون الجزء السابع " صور الضحايا " ربما على منوال" ختامها رعب مضاعف "، إذ إن الصور تتحدث إلى الناظر، وربما تحاسبه إن لم يمض بنظره إلى مخاطبة وجدانه، واتخاذ موقف صارم من المجرمين الذين ارتكبوا جرائم جماعية في حق أناس أبرياء، أو عزَّل تماماً، صور ملونة، كما لو أنه أريدَ منها أن تزيد في إيلام الناظر تماماً، وهذه الصورة تتقاسم أمكنة وجهات، ولكل منها " نصيبها " من الموت المرعب، والفاجعة الأهلية، والإنسانية ": قرية كوجو..قرية حردان...قرية النسيرية..قرية رمبوسي الغربية... الملف الخاص بالمسلمين والمسيحيين...الملف الخاص بالمناطق المتفرقة..
إن هذه الصور المتتالية والمتجاورة، وهي بطرق إبرازها تشكّل شهادات حيّة لا تحتاج إلى ترجمان، لأنها بخاصيتها الملونة تعمّ الجسد بقواه الحية، ومساءلة مشاعره، ومن نقاط أهميتها أنها، وكما جاء في التقديم ( الركيزة الحقيقية التي يعتمد عليها الباحثون عن الحقيقة والتوثيق ينمي المعرفة، عبر زيادة المعلومات وتراكمها وتبويبها. ص 8 ).
ما أتوقعه هو أن كل كردي إيزيدي سيسعى إلى اقتناء نسخة من هذا العمل، لكي يثبت أنه الشاهد والشهيد معاً، وليقرأ آلامه، أو سفر مواجعه وفجائعه بين سطور كل كتاب، وداخل خطوط كل صورة، وكل شكل هندسي بأسمائه ,وأرقامه.
إن ما حاولت القيام به، كما نوهتُ بداية، هو التعريف بالعمل، ولو بإيجاز شديد، من باب الواجب المعرفي والإنساني وكوني كردياً في آن طبعاً.





















أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24784