في حوار مع السياسة.. إبراهيم اليوسف: الأحلام “شيك” مفتوح برصيد لاينتهي
التاريخ: الأربعاء 13 شباط 2019
الموضوع: اخبار



القاهرة – أحمد الجدي 

يرى أن" الشعر أكثر من جسَّد الحرب في سورية... والمثقفون صُودِر دورُهم"
جسدت آلام الإيزيديين في رواية “شنكالنامه” ومعركة سنجار سبب تفكيري في هذه الرواية
 
لاقت رواية “شنكالنامه” للكاتب والشاعر السوري إبراهيم اليوسف صدى واسعاً، باعتبارها لامست جرحاً نازفاً، هو جرح الكرد الإيزيديين في سنجار بعد غزو “داعش” لمناطقهم، وسبي آلاف النساء والأطفال، وقتل الرجال من شيوخ وشباب. في الرواية رصد المؤلف بطولات بعض السبايا وهن في الأسر، في وجوه من سبوهن، وفيها مشاهد أليمة جداً لبعض ما تعرضن له من معاملة وحشية، الأمر الذي جعل الرواية من الأعمال الأكثر قراءة.
إبراهيم اليوسف في حوار خاص جدا لـ “السياسة” فإلى نص الحوار.


بعيداً عما أعرفه عن تجربتك الكتابية والحياتية، يفرحني، أن تكون وجها إلى وجه مع القارىء الكريم:

من هو إبراهيم اليوسف؟
 
أثناء الحوارات التي تجري معي، من قبل الإعلام، أشعربحرج أمام سؤال كهذا: من أنت؟، إذ قد أكون أقل من أعرف ملامح تجربتي الكتابية، وذلك لأن ما أنجزته خلال عقود  استطاع أن يعطي صورة عن نفسه لمتابع تجربتي، وهوعبارة عن رقم بياني محكوم بحركية محددة: صعوداً كما أرغب، وهبوطاً كما لاأريد. لكن هذا المشروع الكتابي يظل أسير هذين القطبين المتنافرين، وهنا يأتي دورالنقد الأدبي في تسليط أضوائه على تجربتي المتنوعة، ضمن إطاري السرد والشعرفي آن. إذ إنني، ومنذ وقت مبكربدأت بالكتابة ضمن هذين المحورين، لتكون الكتابة هواء بالنسبة إلي. لتكون رسائل إلى المحيط، والعالم، وبدوت غيرمعني بالكثيرمما كتبت، لأن كثيراً مما نشر ورقياً أو إلكترونياً تعرض للضياع، وفي هذا مايعني أنني كنت أعول على النص. على المدونة. في إحداث فعلهما. أي أن الفعل هوما كنت أرومه، ومن هنا، فإنني لم أقدس ماكتبت، ولو أن هذا التقديس المقصود يقع ضمن حدود الذات، ولاأعني به ماهو خارجها.
عندما فتحت عيني على الحياة، كان يهمني أن أعطي. أن أنتج. أن أترك أثراً. كانت الكتابة لدي أهم من الاسم الذي انفصل عن النص في أكثرمن برهة، وفي هذا ما أستطيع التنظيرله، من خلال خط سيرالتجربة ذاتها. لقد رسمت، وأولعت بالتخطيط، كما اشتغلت في المسرح: تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً. كانت هناك طاقات مكمونة في داخلي. طاقات تبحث عن متنفس لها، وسط تلك البيئة المليئة بشواخص منع المرور. منع الاقتراب. منع التفكير. منع الحديث، ولذلك فقد عنيت بمهمة أراها رفيعة وهي الذود عن إنسانية الإنسان. عن كرامته. عن حقه في الهواء والحرية والحياة.
ما أعرفه أني هوأنني امرؤ حالم. حالم وأنا في ذروة يأسي وألمي. لربما هذا الحلم جعلني أعيش. لربما هذا الحلم جعلني أتحمل كل خسارات حياتي، بل لربما هذا الحلم كان سبب خسائري. حياتي بهذا المعنى سلسلة متتالية من الأحلام. الأحلام التي هي-شيك- مفتوح، برصيد لاينتهي.
 
لماذا الكتابة عن الإيزيديين، وأنت لست إيزيدياً؟
 
تعرضت لمثل هذا السؤال أكثر من مرة، لذلك فإنني أرغب بالتوضيح في هذا المجال، إذ إن كتابتي هذه عن الإيزيديين ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقد كتبت عنهم منذ حوالي ربع قرن، فقد أعددت عنهم مخطوطين، كما نشرت  العديد من المقالات، بالإضافة إلى أكثرمن قصيدة، من بينها قصيدة"باتزمي". وكصحفي،وقفت معهم في أكثر من محنة، ومن بين ذلك فإنني قد كنت من أوائل-إن لم أكن الأول- ممن سموا فرمانيهم الأخيرين.
غزو شنكال هزني من أعماقي، لذلك فقد تناولته في العديد من المقالات التي نشرتها في الصحف العربية، وأبديت موقفي مما تم في أكثرمن حوارمرئي أو مقروء. كتبت عن الإيزيديين باعتبارهم جزءاً من الشعب الكردي، وأنهم معرضون للمحو بسبب: كرديتهم، ومعتقدهم، وقد دفعوا لقاء ذلك ضريبة كبرى.
 
حدثنا عن روايتك الأخيرة، ولماذا قررت كتابتها؟ وما الذي جذبك في القضية الإيزيدية؟
 
الآن، يخيل إلي أن الرواية هي التي فرضت نفسها. الواقع المريرالذي عشناه بعيد غزو سنجار، وسبي الحرات الكرديات الإيزيديات كان وراء كتابة هذا العمل. لقد كنت في تلك الفترة أعمل في دولة الإمارات في إحدى كبريات صحفها: جريدة الخليج. كنت أتابع الأخبار على نحو يومي، عبركل وسائل الإعلام، بما في ذلك الاتصال اليومي مع المعنيين في إقليم كردستان: من مثقفين، وحتى بعض مسؤولي الخط الأول. خيل إلي، ولأول مرة في حياتي أن أذهب إلى الإقليم، وأعمل مراسلاً حربياً، أغطي المعارك التي كان يقودها البيشمركة ضد تنظيم داعش. اتصلت من أجل ذلك بالدكتور فؤاد حسين- مديرمكتب الرئيس مسعود بارزاني- عرضت فكرتي. ثمة أكثرمن ذلك مما قمنا به، ناهيك عن كتابتي العديد من المقالات. كتبت قصيدة بالعنوان نفسه"شنكالنامه" تمت قراءتها، على نطاق واسع، إلا أنني أدركت أن  هذه القصيدة، بالرغم من ملحميتها،  ودراميتها، فإنها لاتستطيع أن تصل كخطاب جمالي إلى أكبر دائرة ممكنة، من المتلقين، لذلك فقد أعدت وفي عمل سردي إعادة صياغة بعض تفاصيل يوميات الحدث الرهيب، لتكون صوت أولئك الحرات وهن في أصعب مرحلة يمررن بها، لاسيما وإن من آل على نفسه أن يكون في موقع المسؤولية في هذا العالم، آثرلعب دور المتفرج، المحايد. دور من يترك الضحية بين يدي وحش، يتبع إشارات أصبعه على خريطة الطريق. طريق القاتل، وهونفسه طريق نهايته كقتيل. ضمن لعبة لاتخفى على أحد.
أخذت هذه الرواية الكثيرمن الوقت مني، لاسيما في تدقيقاتها. إذ قال لي بعض أوائل من قرؤوا مسودتها: عليك أن تنأى عن تلك المشاهد الأليمة، المستفزة، بالرغم من أني لم أكن سوى ناقل لها. ظلت الرواية مدة لابأس بها، بعد الانتهاء من كتابتها، وتدقيقها، لدى إحدى دورالنشر، إلا أن عدم التزام الداربأكثرمن موعد لنشرها دعاني لأنشرها لدى دار صديق لي، طالما تبنى طباعة أعمال لي.
 
كمثقف، كيف تنظر إلى تنظيم داعش؟
 
لافرق في تقويم المجرم، من قبل كل من يحمل ذرة ضمير، سواء أكان مثقف، أو غيرمثقف. المرء يميز القاتل والضحية من خلال فطرته، فحسب، وإذا كان هناك من سيقول: إن المثقف يستطيع معرفة أسباب الظواهر، وأن غيرالمثقف قد ينخدع، فإن-في المقابل- ثمة مثقفاً يقف مع القاتل، ويزور الوقائع، ويستمرء دم الضحية. من هنا، فإنني وبحكم تربيتي الأولى. بحكم موقفي الإنساني الذي تنامى في أكثرمن محطة رؤيوية، بدءاً بالبيت، ومروراً بالمدرسة الفكرية التي أجدني منتمياً إليها، لطالما وقفت مع كل مظلوم، ضد ظالمه، بكل ماهوممكن، ولعل في العودة إلى منجزي الكتابي مايبين أنني لطالما اتخذت مواقفي من أعداء الإنسانية، سواء أكانوا حكاماً، أو أفراداً، على حد سواء..!
 
معاناة الأقليات تشدك، فهل سنرى أعمالاً تجسد  الاضطهاد الذي يعانيه الايغور في الصين والبورميين في ميانمار؟
 
كما أكدت، أينما كانت هناك مظالم فإن على كل ذي ضميرأن يقف مع المظلوم ضد ظالميه، وهذه قاعدة عامة، لا استثناء فيها البتة، وإذا كنت ككاتب أركز على من هم قربي، وأتابع تفاصيل معاناتهم، فإن ذلك يأتي نتيجة  لإطلاعي على تفاصيلها أكثرمن غيرها. لطالما تمنيت لوأنني عبرخطابي الجمالي أن أقف مع كل مظلوم في العالم. وثمة ما أريد أن أضيفه هنا، فإن الكرد ليسوا أقلية، وإنما هم شعب مقسم بين خرائط دول عدة، كما أن هذه القضية نعرضت للكثيرمن الإهمال، حتى من لدن الأخوة. أخوة التاريخ. أخوة الدين الذين طالما كان الكرد أنفسهم سبباً في تعزيز حضورهم، ووضع حد أمام محوهم الجغرافي التاريخي، ليكونوا بذلك على مشرحة المحو والزوال، كما يحدث الآن..!
 
يرى البعض أن مثقفي سوريا  قصروا في التعاطي مع الأحداث في بلدهم، فهل هذا صحيح؟
 
قبل كل شيء، لابد من أن نعرف أن هناك نموذجين للمثقف السوري، أحدهما وقف مع الطاغية، والثاني قد وقف مع أهله. العوام. البسطاء، الذين ثاروا عليه. كما أن  المنتمين إلى هذا النموذج الأخير، أو الثاني، نفسه، هم درجات، إذ نجد مثقفاً كرس كل مالديه لمواجهة آلة الاستبداد، والقتل، وأن هناك من هو رمادي، أو بين بين. وبالرغم من هذا التشتيت لصفوف المثقفين، إن جازت التسمية، إلا أن المثقف السوري الأصيل.، ذي الموقف استطاع أن يلعب دوره، ويكون صوته مدوياً محلياً، وعربياً، وعالمياً، بأكثرمن أصوات مثقفي أية حرب عالمية. قد يرى بعضهم مبالغة في مثل هذا الحكم، إلا أنني مصرعلى ماأقول، لأن ماجرى ويجري في سوريا، بل والمنطقة إنما هي حرب عالمية مصغرة، استمرت حوالي ثمانية أعوام، ومدتها تكاد تزيد عن مدتي الحربين العالميتين: الأولى والثانية، وثمة أعمال كبيرة كتبت عن هذه الحرب ضد السوري. ضد ابن المنطقة، بما يتراوح بين التوثيقي المباشر، وغيرالمباشر، بما يجعل لذلك الكائن البروميثيوسي صوته المجلجل، عبرخطاب إبداعي، يعد المرجع الأكثر تأثيراً، في مدونة الثورة والحرب.
 
هل سنرى عملاً يجسد الحرب في سوريا؟
 
هناك عشرات الأعمال الأدبية في مجالات الرواية والشعروالقصة التي  كتبها مبدعون سوريون واستطاعت أن تحافظ على مستوييها: الجمالي والرؤيوي، من دون المجازفة بأحدهما، وهومايجعلني أن أتفاءل بأن يكون للسوريين تولستويهم في الرواية، وقس على ذلك بالنسبة للمجالات الإبداعية الأخرى: القصة- الشعر- المسرح-المقال.
الحرب كانت هائلة. ماجرى كان زلزالاً مدوياً، ولذلك فقد تطلب إمكان تناوله في أعمال سردية لافتة مدة زمنية ما، ومن هنا فإننا لم نرالكثيرمن الأعمال في السنة الأولى من الثورة السورية، بل كان المقال هوالمتسيد، إلا أننا لاحظنا الخط البياني للأعمال الروائية قد بدأ في العام2012، وإن كان بعضها قد دون أصلاً مع بدايات الثورة.أما الشعر، فقد كان الأكثر حضوراً، إلا أنه كتب بطريقة مختلفة عما كان يكتب عليه، في فترة ماقبل الحرب، وذلك لأن مفردات الحرب-لاسيما الدم- كانت حاضرة، على نحو غيرمعهود.
 
ماالدور الذي يجب أن يلعبه المثقف السوري في مواجهة الوضع الحالي لبلده؟
 
هذا السؤال مهم، برأيي، وذلك أن السياسي- وأكاد أقول من دون أي استتثناء- إما أنه كان فاشلاً، أو متواطئاً مع الفاشل، وإلا فلما قبل أن يكون في موقع المسؤولية، وإنسانه ومكانه يذبحان، وينخعان، ويباعان في أسواق المزاد،هنا وهناك، مع ملاحظة سريعة أدونها في هذا المقام، وهي أن بعض من ترك سدة المسؤولية، إنما فعل ذلك نتيجة معادلات لاعلاقة بالموقف الصحيح.
أعود إلى متن السؤال، وبعيداً عن هذا الاستطراد الذي رأيت أن لابد منه، فإن المثقف صودردوره في بداية الثورة، وإن أي دور منح لبعض المثقفين، فإنما كان نتيجة تزكية-السياسي- كما أن المثقف الذي دخل اللجة السياسية فقد خسركل أوراق حضوره، وجدواه، إلى الدرجة التي تمت خلالها المساومة على الركائز الرئيسة للثورة، وأخلاقياتها، بل هناك من وقف إلى جانب مموله، مهما كان موقف هذا الأخير، على حساب من أؤتمن لتبني قضيتهم.
 
من وراء خراب ودمار سوريا؟
 
ماجرى ويجري في سوريا واضح لكل متابع. أستطيع أن أقول: شهوة التشبث بكرسي السلطة، وراء كل الدمارالذي تم في بلدنا. لوأن الدكتاتورترك كرسيه، في اللحظة الأولى، ولم يتغطرس، ويتفرعن، وهوذو الإمكانات المتواضعة في كل شيء، لولا أصابع-الريمونت كونترول- التي تسيره، لكانت سوريا بخير. وهنا، لا أنفي أن كثيرين من معارضيه الذين ارتدوا ثوب الثورة نفسها، كانوا تلامذة في المدرسة نفسها. المدرسة التي تحدرمنها طاغية سوريا
 
رحل كثيرون من الكتاب العرب الكبار: من ترى سيحل مكانهم؟
  
دورة التاريخ متواصلة. هؤلاء الكتاب الكبار جاؤوا بعد جيل من الكتاب الذين سبقوهم، إلا أنهم أثبتوا حضور خطابهم الإبداعي. ثمة كتاب يحثون السير بخطى الكبار ذواتهم، محققين سمة المبدع الحقيقي: تجاوز الذات والصوى السابقة، في آن واحد، وهوما يدعونا أن نفتح نوافذ الأمل بأن معين الإبداع لاينضب.
 
كيف ستبنى سوريا ومن جديد؟
 
لي رأيي الخاص-هنا- إذ أرى أن سوريا الدكتاتور لاعودة لها البتة، كما أن هذا المخاض الدموي العسير سيكون له تأثيره على خريطة السوري، ومكانه، ولايمكن لهؤلاء الذين يريدون أن يكونوا بدلاء عن النظام من جهة، وأمناء على رسالته في تكريس مظالم النظام أن يستمروا في مخططهم. ثمة مولود جديد سيظهر. مواليد جدد سيظهرون، لربما تحت راية جديدة، يرتأى على صياغتها، لتكون سوريا  للسوريين جميعاً، وهذا في أفضل لحظات تفاؤل المتابع لدراما المشهد السوري الأليم.
 
ماذا عن أعمالك الأدبية القادمة؟
 
انتهيت من كتابة عمل روائي جديد، عن السوري في مغتربه، وصدمته بحضارة الآخر. بحضارة الأوربي. هوعمل عن الشرق والغرب، في صميمه، وكيف ينظركل من الطرفين إلى الآخر؟، وهل يمكن أن يلتقيا. الأسئلة طرحت في القرن الماضي، مع أول الهجرات، المختلفة، وهاهي تثارالآن، بعد أن اتخذت الهجرة طابعاً آخر. بعد أن تحولت الهجرة من مشروع فردي إلى مشروع عام.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24628