الكفاح التحرري الكوردستاني مستمر (2- 3)
التاريخ: الأربعاء 30 كانون الثاني 2019
الموضوع: اخبار



جان كورد

جاءت ثورة حزب العمال الكوردستاني التي لقيت في البداية دعماً بالسلاح من الحزب الديموقراطي الكوردستاني ومن الحكومة السورية على حدٍ سواء، في مصلحة كلٍ من نظامي البعث العراقي والسوري، وكذلك الإيراني أيضاً، وذلك بسبب ماء نهر الفرات الذي شرعت تركيا في بناء سدود عملاقة عليه، فانخفض منسوب مائه المتدفق صوب سوريا والعراق، وبالنسية لإيران، فإن تركيا كانت دولةً من حلف النيتو، إضعافها داخياً من جراء "اندلاع ثورة" يجعل إيران في موقفٍ أفضل من تركيا في المنطقة. ووجد الشعب الكوردي في هذه الثورة بريق أمل له للتحرر من طغيان الطورانية التركية التي أذاقته الويل طوال عقودٍ طوبلة من الزمن، 


إلاّ أن العقيدة الشيوعية التي حملها حزب العمال وستالينية رئيسه ومحاولته التفرّد بمصير ومستقبل شعبه، إضافةً إلى الشكوك التي حامت حول تأسيس الحزب ومعاداته لمعظم فصائل الحراك السياسي – الثقافي في كوردستان، كل ذلك أفضى إلى تراجع الكورد عن دعمه وإلى توجيه النقد المستمر له، رغم التضحيات الجسيمة التي كان قدمها منتسبوه ومؤيدوه على الدوام في ساحات القتال والمعتقلات والنشاطات خارج البلاد على حدٍ سواء. 
 وبسبب العنف الذي اتسم به الحزب تجاه الكورد أنفسهم، تمكنت الحكومة التركية من تشكيل قوى "حماة القرى" مما يقارب الثمانين ألفاً من الفلاحين الكورد وزجتهم في صراعها ضد الحزب، الذي تمكّن  رغم ذلك من تحقيق نجاحات كبيرة في القتال ضد ثاني أكبر جيشٍ من جيوش النيتو، وحشد طاقاتٍ عظيمة للشعب الكوردي في النضال، وبخاصة من جنوب – غرب كوردستان، وبسبب سياسة حرق الأخضر  واليابس من قبل الحكومات التركية المتعاقبة وممارسة شتى صنوف القمع والوحشية تحوّلت كوردستان إلى مستعمرة شبه مقفرة توسّع الشرخ بين الحزب والجماهير التي أصابها الأذى وتشردت من جراء الحرب، بحيث أخليت آلاف القرى الكوردية من ساكنيها، فوجد الحزب ذاته معزولاً تماماً في كوردستان وعلى صعيدي الشرق الأوسط و المجتمع الدولي، وبخاصة بعد انهيار المعسكر الشيوعي، ولأن المجتمع الكوردي المحافظ لم يتقبّل أفكار الحزب الماركسية  والممارسات التي كان يمارسها حيال القوى والشخصيات الوطنية في عموم كوردستان، وبخاصة لأنه سمح لحافظ الأسد وإيران أن يزجا به في القتال ضد الحزب الديموقراطي  في جنوب كوردستان، بالتحالف مع الاتحاد الوطني الذي كان يترأسه السيد جلال طالباني ذي العلاقات الوثيقة مع إيران والذي تمكّن من كسب الحزب الأممي إلى صف ملالي الشيعة الطائفيين عن طريق نظام الأسد، ومع طرد رئيس الحزب من سوريا في عام 1999 بموجب اتفاقية أضنة السرية بين الحكومتين السورية والتركية في عام 1989، وهروبه إلى أوروبا أولاً ثم إلى كينيا عوضاً عن الالتحاق بكوادر وقيادة حزبه في جبال كوردستان، خفت حدة تنامي الحزب بين الشعب الكوردي، وتغيّرت استراتيجيته كلياً، من التحرير  إلى الارتماء في أحضان الكمالية بإيعاز ٍ من رئيسه المعتقل، فتضاءل نفوذه مع الأيام، إلى أن أصبح فيه ثلاث تيارات تعصف به: التيار القنديلي (نسبة إلى جبل قنديل الذي تختبىء فيه القيادة) الذي تسيطر علية فئة علوية تسعى للجمع بين  العلاقة مع إيران الشيعة والأفكار اليسارية، والتيار الخاضع للدولة السرية التركية الذي هو  مستمرٌ  في النبعية لرئيسه الذي صار  جندياً مخلصاً لأفكار الطورانية في السجن، ثم التيار الكوردستاني الذي يؤكد على ولائه لرئيسه رغم اختلافه معه في قضايا ومسائل محددة، إلاّ أنه يرفض الاستسلام للدولة التركية كما يطلبه الرئيس باستمرار  في رسائله ومناجاته عن طريق زواره. وعلى الرغم من عدم تفكك الحزب وعدم انهياره، وبخاصة بعد الضربة الماحقة التي تلقاها أنصاره في منطقة عفرين على أثر التدخل العسكري التركي في عام 2017  في شمال سوريا  واحتلال عفرين وقراها في عام 2018، إلاّ أن الحزب يتعرّض كل فترة إلى عراقيل ومعوقاتٍ جسيمة لأن أفكاره وسياساته ليست على المسار الصحيح الذي يجب أن يكون عليه الحزب في خدمة القضية القومية للشعب الكوردي. وهذا يتجلى في تذبذبه بين نظام الأسد والحلفاء الجدد: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، تلك العلاقة التي تتعارض كلياً مع النهج الآيديولوجي للحزب. وإن كلّ محاولات الحزب الأوجلاني للتقدّم خطوة واحدة عن طريق تأسيس حزب ديموقراطي سلمي في تركيا لم تنجح جيداً بسبب الإصرار التركي العام على مواجهة كل حراك قومي كوردي مهما كان متواضعاً في مطالبه ومهما كان سلمياً وديموقراطياً، وذلك في الوقت الذي خسر فيه الحزب الأوجلاني معظم المناطق التي كان يدير فيها العمليات القتالية وانهارت مشاريعه الواحد تلو الآخر، ومنها: تحرير منطقة ديرسم والإعلان عن "حكومة بوتان" و  "جمهورية الزاب" و "محاولة القضاء على البارتي الديموقراطي"  أيضاً، ودخل الحزب جراء أخطائه الفاحشة في قائمة "المنظمات الإرهابية" في العالم الحر، وهذا الموضوع لتشعبه ندعه لمقالٍ خاص إن شاء الله. 
 أما في جنوب كوردستان، فإن الكفاح التحرري الكوردستاني لم يتوقف منذ أن ضم المستعمرون البريطانيون هذا الجزء من كوردستان إلى الدولة العراقية المستحدثة بعد الحرب العالمية الأولى وجلبوا لها ملكاً من خارج العراق، فقد ثار الشيخ محمود الحفيد البرزنجي على البريطانيين وأعلن نفسه ملكاً على كوردستان، وبعث برسالةً إلى عصبة الأمم طالب فيها بحق شعبه في الحرية والاستقلال، إلاّ أن المصالح البترولية لبريطانيا واستراتيجيتها في الشرق الأوسط حالت دون تحقيق أهداف الشيخ الطموح الذي تعرضت عاصمته السليمانية للقصف الجوي وتم إحضاره إلى بغداد في طائرة مكشوفة الغطاء، ثم تم نفيه إلى الهند، ومن ثم إعادته نظراً لتمتّعه بتأييد الشعب الكوردي له على أمل القضاء على حركته على نارٍ هادئة.   ولقد ثار  البارزانيون الشجعان على الحكومة المركزية عدة مرات، وبتأسيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي بدأ إطار الكفاح الوطني الكوردستاني يتوضّح في جنوب كوردستان، ألا وهو النضال من أجل حلٍ ديموقراطي عادل للقضية القومية الكوردية ضمن حدود الدولة العراقية الديموقراطية الموحدة، إلاّ أن الحكومات العراقية المتعاقبة رفضت فكرة منح الكورد حكماً ذاتياً على الدوام، على الرغم من أن الكورد ثاروا في عام 1961-1975 برعاية قائدهم الخالد البارزاني مصطفى الذي عاد من الاتحاد السوفييتي بعد اثني عشر عاماً  من اللجوء إليها، على أثر انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد عام 1947  وكان فيها البارزاني مصطفى قائداً عسكريا.  لقد  مارس حكام بغداد ممارسات قمعية ووحشية لا توصف ضد الشعب الكوردي، وبخاصةٍ بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في العراق،  وشرعوا في تعريب المناطق الكوردية من خلال التهجير القسري لأصحاب الأرض واستبدالهم بمواطنين عرب من مناطق أخرى في البلاد، وركزوا اهتمامهم على تحويل محافظة كركوك الغنية بالبترول إلى محافظة عربية، رغم زعمهم بأنهم ضد الطائفية والعنصرية وبأن الكورد والعرب إخوة في الوطن وتجمعهم رابطة الدين والكفاح المشترك ضد الاستعمار.  وبموازاة سياسة القمع وقصف الأرياف والقرى والحصار الاقتصادي وسائر أشكال الخروقات لحقوق الإنسان و حملات الإبادة الجماعية بهدف القضاء على العشيرة البارزانية الثائرة أبداً واسكان الكورد في صحارى العراق وضرب القرى والأرياف  الكوردية بالنابالم والفوسفور وغاز السارين كما حدث في مدينة حلبجة، حيث راح ضحية ذلك الآلاف من المدنيين أيضاً، كان حكام العراق يطرحون بين الحين والحين مشاريع هزلية تضليلية لحل القضية الكوردية مع السعي المتواصل لتأليب الكورد بعضهم على بعض وتأجيج نار العشائرية والتفرقة والاختلاف بين الكورد، وصرفوا من أجل ذلك الكثير  من الأموال والطاقات، وبخاصة في عهد الدكتاتور الدموي صدام حسين الذي أعلنها "حرب أنفال" على الشعب الكوردي وأقام مجازر رهيبة راح ضحيتها الآلاف من المواطنين العزل، وذلك بدعمٍ متواصل وتام من الاتحاد السوفييتي وبمؤامرة دولية صارخة شاركت فيها أطراف عديدة، كانت ذروتها اتفاقية الجزائر المشؤومة بين الشاه الايراني وصدام حسين، بهدف القضاء معاً على كفاح الحرية للشعب الكوردي في كلٍ من العراق وإيران، حيث نجمت عن ذلك هجرة الملايين من الكورد إلى إيران، مما أدى إلى انهيار الثورة الكوردية في عام 1975، إلا أن كفاح الكورد لم يقف، بل تابعوا نضالهم بألوانٍ وأشكالٍ مختلفة، ومنها الكفاح المسلح، إلى أن اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية التي أراد بها صدام تمزيق اتفاقية الذل الموقعة مع الشاه في الجزائر ، وهو يظن أنه مستمرٌ  في التمتّع بدعم الاتحاد السوفييتي ورضا الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحرب التي وجد فيها الكورد ظرفاً ملائماً لفتح جبهاتٍ عديدة على جيش النظام الصدامي الذي أضطر في النهاية لإنهاء الحرب ضد إيران والقبول بتقديم تنازلات خطيرة للعدو الإيراني، ومن ثم  ليقع من جديد في خطأ آخر، ألا وهو  "غزو الكويت". ولكن على الرغم من تدمير جيشه نتيجة حرب التحالف الدولي بقيادة واشنطن عليه وتحرير الكويت، فإنه أراد إظهار قوته كعادة الدكتاتوريين الفاشلين، فوجه مروحياته العسكرية الباقية إلى كوردستان لتدك مواقع الثوار أمام أعين قوات التحالف الدولي وتسبب نتيجة تهديده باستخدام الغازات السامة ضد المدنيين من جديد بأن هرب ملايين المواطنين الكورد من جنوب كوردستان في الشتاء القارس، حيث مات آلاف الرضع والأطفال والعجائز على أطراف الممرات الجبلية، وحلت بذلك كارثة عظيمة بالشعب الكوردي وحركته من أجل الحرية والحقوق في هذا الجزء من كوردستان.  ورغم المآسي تطور الكفاح التحرري الكوردستاني في اقليم جنوب كوردستان مع الأيام ليصبح الكورد قبل اسقاط نظام صدام حسين قوة سياسيةً هائلة في العراق، رغم التحديات الداخلية والانهيار الاقتصادي بسبب الحصار على العراق وكذلك التحديات الخارجية والمحاولات المستمرة من قبل حزب العمال الكوردستاني لفرض ذاته على الاقليم الذي تحوّل إلى قاعدة صلبة للمعارضة العراقية ضد نظام البعث الصدامي الوحشي، وبسبب جعل شمال الخط 36 منطقة آمنة لا يستطيع الطيران العراقي التحليق في سمائها تبدلت الظروف العامة لهذا الكفاح، وبسقوط نظام صدام حسين، تمكن الكورد من تقوية مكانتهم تحت الشمس، وتثبيت حقوقهم في الدستور العراقي الجديد، إلاّ أن الحكومات التابعة لإيران، الواحدة تلو الأخرى، وفلول العنصرية البعثية مع بعض عملاء وجحوش تركيا في العراق تضامنت فيما بينها  واجتمعت هذه القوى على رفض تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي وهي المادة التي تنص على إجراء احصاء سكاني في محافظة كركوك لتحديد تبعيتها الإدارية، كما سعت على الدوام لتعطيل مختلف المواد الدستورية والتوافقات العراقية السياسية المتعلقة بحقوق الشعب الكوردي، ولكن رغم ذلك الغبن والاجحاف، استطاع الكورد الشروع في عملية إعادة إعمار الاقليم وبناء السلطة الوطنية وتحقيق انجازات عظيمة في مجال الإدارة والحياة الديموقراطية والحريات السياسية والعمران، وصار الاقليم محط أنظار الرأي العام العالمي وساحةً جيدة لاستثماراتٍ مختلفة في شتى المجالات، وذلك في ظروف قطع رواتب الموظفين وقوات البيشمركة وتخفيض حصة الاقليم من الميزانية العراقية، حيث استشرى الفساد وسرقة الأموال العامة في بغداد، وتم نتيجة ذلك إهمال كوردستان وحق شعبها في العيش الكريم، وعندما فشلت حكومة نور الدين المالكي في معظم مخططاتها لضرب الاقليم وشق صف الحركة الوطنية الكوردية سلّم المالكي مدينة الموصل لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بأموالها وإعلامها وسلاحها وإدارتها من دون قتال، وذلك للاستفادة من (داعش) للهجوم على كوردستان بهدف احتلالها وطرد القوى الكوردية منها، فكانت حرباً شرسة، قدّم فيها البيشمركة تضحياتٍ عظيمة، إلاّ أن الكورد تمكنوا من دحر الإرهابيين بالتعاون  مع قوات التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، واضطر أعوان إيران للبحث عن طريقةٍ أخرى للنيل من كوردستان وقيادتها الوطنية المخلصة لشعبها، فإذا بالحكومة العراقية في ظل رئيسها حيدر العبادي تجنّد مئات الألوف مما يسمى بقوات "الحشد الشعبي" وتسخّر فئةً ضالةً من الاتحاد الوطني الكوردستاني، حليف البارتي الديموقراطي الكوردستاني في حكم الاقليم، لضرب الاقليم والهجوم على مدينة كركوك، وذلك عقب قيام الحكومة في كوردستان بإجراء استفتاء شعبي ديموقراطي عما إذا كان الشعب الكوردي يريد البقاء ضمن الدولة العراقية التي لاتهتم حكومتها بمصالحه وترفض مطالبه أم إعلان الاستقلال المشروع في القانون الدولي، فكانت نتيجة الاستفتاء ما يقارب 93% من أصوات الكورد، ومنذ ذلك الحين تجلّى لهذا الشعب تماماً بأن الدول الغاصبة لكوردستان متفقة فيما بينها لضرب كل طموحات الأمة الكوردية ولن تتوانى عن شن الحرب ضد الاقليم وتصفية وجوده واغتصاب أرضه.
ومنذ الاستفتاء الظافر، الذي لم يتم تنفيذ نتيجته (الاستقلال) لأسبابٍ عديدة، عراقية واقليمية ودولية، منها وقوف شركات البترول البريطانية والأمريكية مع الحكومة العراقية ضد الطموح الكوردي المشروع، دخل اقليم جنوب كوردستان في مرحلة جديدة من مراحل الكفاح التحرري الشرس... 
وهنا نتطرّق في الجزء الثالث من مقالنا إلى قضية شعبنا الكوردي في غرب كوردستان.  
((يتبع))  







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24580