حزب أخلص في الاستفتاء، وحزب أخلف فيه
التاريخ: الثلاثاء 02 تشرين الاول 2018
الموضوع: اخبار



إدريس سالم

في الدول الغربية لا توجد أحزاب تُخلص وأحزاب تُخلِف، أمّا في دول الشرق هناك أحزاب تُخلِص لقضايا شعبها وآلامها، وأحزاب تُخلِف وتخون شعوبها وقضاياها المصيرية، بل يتخطّى الأمر أحياناً إلى بيع أوطانها وشعوبها في سبيل الحصول على النفوذ أو السلطة أو المال، وسط التكاثر الخارج عن القانون والفاضح للأحزاب السياسية العقيمة والجدلية في مشاريعها وأهدافها، التي تعتبر التعدّدية السياسية ضرورة إستراتيجية للتداول السلمي للسلطة، إذا سمحت تلك السلطة بالعمل العلني والتنافس الانتخابي فيما بينها، في ظلّ غياب سلطات ديمقراطية في الشرق الأوسط.


وفي كوردستان، وبأجزائها الأربعة، هناك أحزاب تُخلِص للقضية الكوردية وحقوقها الدستورية، وأحزاب تُخلِف وتبيعها مقابل أن تحصل على منصب أو مال، ففي إقليم كوردستان – قضية الإخلاص والإخلاف – واضحة للجميع، فكلّ الكورد ودول الشرق الأوسط والأدنى والأقصى وأوروبا يعلمون علم اليقين مَن أخلص في مشروع استفتاء الاستقلال ومَن أخلف، تدرك كسطوع الشمس مَن كان سبباً في خيانة 16 أكتوبر، ومَن كان سبباً في إخماد المجزرة التي كان ستتعرّض لها مدينة كركوك الكوردستانية، «حزب يُخلِص فيؤكّد أن كركوك منطقة مستقطعة، وحزب يخُلِف فيراها متنازعة عليها!! فما الفرق بين الاستقطاع والاستنزاع؟!».

حزب يملك اثنين وسبعين عاماً من النضال والتضحيات المثمرة، له رجال يصدقون القول ويحسنون الفعل، يمتلك المصداقية والهيبة وتأييد الشعب، يتحمّل دائماً المسؤولية الثقيلة في الحالات المستعصية بالألغام وتشابك المصالح، رفع شعار الديمقراطية للشرق الأوسط والاستقلال لكوردستان، يحمي التركمان والكلدان والأرمن والآشوريين، رمز للنجاح الكوردستاني، يعاني من النزعة التخوينية التي يمتلكها رموز القرار من الطرف الآخر، ذاك الطرف الذي منذ التأسيس ينشر التشرّد ويحارب الاستقرار.

إن خلاص الكوردستانيين في إقليم كوردستان هو بتخلّص الشعب من حكم الإدارتين والحزبين الحاكمين ومبدأي المناصفة والمحاصصة، وربّما لو انتصر حزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) الحاكم بغالبية الأصوات في البرلمان، ستخوّله تشكيل الحكومة المقبلة لوحده، وإن لم يتخلّصوا من نظام الإدارتين، فإن عودة برهم صالح إلى الاتحاد الوطني الكوردستاني قد تشكّل حالة من عدم الاستقرار، خاصّة وموقفه كان متذبذباً من الاستفتاء ورموز خيانة 16 أكتوبر، فأعداء كوردستان اتّجهوا نحو العاصمة هولير ودهوك بعد احتلال كركوك وتهجير مواطنيها، وذلك لإدراكهم أن هزيمة حزب الديمقراطي الكوردستاني والرئيس مسعود بارزاني هي التحطيم الوحيد لإرادة الاستقلاليين الكوردستانيين.

لولا الرئيس البيشمركة مسعود بارزاني وبيشمركته، الذي أحبط كل محاولات تركيع إقليم كوردستان لكان الجيش العراقي وفصائل الحشد الشيعي الإيراني في هولير ودهوك، لكان إقليم كوردستان كلّه مناطق متنازع عليها أو مستقطعة، ولألغت بغداد وواشنطن الفيدرالية حتّى، ومن الضروري ‏أن يوضّح الاتحاد الوطني الكوردستاني، هل أحداث 16 أكتوبر في كركوك خيانة أم ردّة فعل طبيعية من بغداد ضدّ الاستفتاء؟!

العراق عراق الحضارة والازدهار، الذي شهد حربين كبيرتين، حرب داعش مقابل مقايضات سياسية واقتصادية حصل عليها مسؤولون وزعماء رفيعو المستوى في السلطة الحاكمة، وحرب الفساد الذي ينخر في مؤسّسات ومراكز الإدارة في بغداد، أما إقليم كوردستان فشهد معركتين مصيريتين، المعركة الأولى هي التي وقف قائدها ورجاله في وجه كلّ مَن طالب بإخماد الاستفتاء ونثر رماده في نهر الفرات وصحراء العراق، والثانية النكسة التي حُيّكت ضدّ كركوك واحتلالها من ميليشيات إيرانية وأسلحة غربية.
 
الاستقلال سيأتي، إلا أن مرحلة ما بعد انتخابات الرئاسة والحكومة العراقية، وانتخابات برلمان وحكومة ورئاسة إقليم كوردستان ستكون صعبة ومعقّدة، فتركيا تريد التخلّص من أزمة الدولار، وسوريا تبحث عن خيوط لإيقاف الحرب وإعادة قبضتها الأمنية، العراق ربّما يكون على موعد مع عراق جديد لو تخلّصت من الفساد والفاسدين، أما إيران فتريد التصعيد العسكري.

إن لهجوم إيران العسكري في مدينة كويسنجق في إقليم كوردستان، وقصف اجتماع للحزب الديمقراطي الكوردستاني في شرقي كوردستان، له رسائل ودلالات مختلفة؛ الرسالة الأولى والأكثر أهمية هي إطلاع  المجتمع الدولي على ما يبدو حول نواياها وإمكانياتها الإقليمية، حيث أن استهداف مركز تدريب ومأوى للاجئين محميان بشكل ضئيل، بصواريخ قوية سيصنّف على الأرجح من قبل أيّ مراقب موثوق بتحليلاته بأنه قتل مفرط.

الرسالة الثانية، قد تحاول طهران ترهيب بعض المواطنين والسياسيين في العراق، حيث تزايدت المشاعر المعادية لإيران خلال الدورة الانتخابية الأخيرة، خاصّة في البصرة، وبينما زعماء بغداد – في ذهاب وإياب – لمقايضة المسؤولين في هولير، لتنصيب طاقم الحكم الجديد في العراق، يمكن اعتبار الضربة على كويسنجق بمثابة تحذير، بأنه لا يمكن تهميش إيران، وأنها ستفعل ما يلزم لحماية مصالحها هناك.

أما الرسالة الثالثة التي يحملها الهجوم الإيراني، فقد تكون موجّهة إلى المعارضة الكوردية في شرقي كوردستان، التي سعت إلى تعزيز مكانتها من خلال ضرب أهداف تابعة للنظام والحرس الثوري، وسط شعورها بأنه يجري تضييق الخناق على النظام، مع تسبّب العقوبات الأمريكية بتفاقم الوضع الاقتصادي الرديء أساساً في البلاد واستمرار الاحتجاجات في مدن مختلفة، خاصّة وأن بعض قادة حزب الديمقراطي الكوردستاني في شرقي كوردستان قد زاروا واشنطن، لفهم سياسة إدارة دونالد ترامب تجاه طهران بشكل أوضح «مساحة التناغم بين واشنطن وطهران أكبر بكثير من مساحة الصراع».

واليوم يتعيّن على الحزب الذي أخلص لمشروعه الإستراتيجي القومي مواجهة أيّ واقع مُـرّ قد يتعرّض له، سواء في بغداد مؤقّتاً أو في العاصمة هولير مع المعارضين والموالين لجهات مشبوهة، من خلال التفكير الجدّي بضرورة محاسبة مَن سيُخلِف ويقايض حقّ تقرير المصير بمناصب السلطة ومصالح اقتصادية تجارية، إذ يجب على الأحزاب الكوردية الحاملة للمشروع الكوردي اختيار أقوى مرشّحيها، لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وبذل قصارى جهدها للدفاع عن كوردستان. 

حزب وعد فأخلص، وعد بإجراء استفتاء الاستقلال فصدق وأخلص، الاستفتاء الذي بات واقعاً لا مفرّ منه، ومُحال أن يُلغى، إلّا بإجراء استفتاء للإلغاء، وهذا ما لن يسمح به الشعب الكوردي، فلو فعل سيفقد مصداقيته بين الشعوب، ولن يعد أحد يثق به، وكلّ تضحياته ونضالاته في سبيل الاستقلال ستذهب أدراج الرياح، فولاءه الأول والأخير للمشروع القومي الكوردستاني.

وحزب وعد فأخلف، وعد طيلة أربعة عقود أن تكون كركوك "قدس كوردستان"، لكن هذا القدس لم يكن إلا شعاراً إعلامياً، ظلّ يردّده لكسب محبّة الشعب، إلّا أن الحزب نفسه سلّم كركوك دون مقاومة، وسحب قوّاته من الجبهة، ومرّر الحشد الشيعي والجيش العراقي لدخول المدينة، دائماً ما كان يردّد المقولة التي لم يعد الكوردي يؤمن بها «ليس للكوردي إلّا الجبال»، في المقابل عليه أن يدرك أنه «ليس للعراقي إلّا الصحارى».







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24161