داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي: تكامل وظيفي وتناقض ظاهري
التاريخ: الجمعة 14 ايلول 2018
الموضوع: اخبار



عبدالباسط سيدا

علينا أن نعترف بأن العقلية التي خططت وعملت على إدخال كل من تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي (ب.ي.د) إلى الداخل السوري، لديها اطلاع واسع معمّق على طبيعة خصوصيات وتناقضات ومظلوميات المجتمع السوري، ومجتمعات المنطقة بصورة عامة.
كما أنها تمتلك في الوقت ذاته بعدا استراتيجيا يتجلى في قدرتها على فهم طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية، ومحددات السياسة الدولية، وماهية الأولويات. هذا إلى جانب إلمامها بمواطن نقاط الضعف، ودورها في صياغة توجهات الرأي العام ورسم السياسات.


فالمشروع الداعشي هو في أصله حصيلة التعاون الاستخباراتي بين النظامين الإيراني والسوري في المرحلة التي أعقبت إسقاط نظام حكم صدام حسين في العراق. فقد استغل النظامان في ذلك الحين المظلومية الطائفية من جهة، والمظلومية القومية من جهة ثانية، من أجل التأسيس لمشروع أساسه نشر الفوضى الشاملة، وخلط الأوراق جميعها بعضها ببعض، وذلك بهدف المصادرة على البديل المنشود شعبيا ووضع العالم أمام بديلين سيئين هما: الاستبداد والإرهاب.
وفي الحالة السورية، أسندت إلى داعش، وضمناً جبهة النصرة، مهمة الهيمنة على المناطق المحررة من سيطرة النظام، الذي لجأ إلى عملية إعادة نشر لقواته من أجل الاحتفاظ بالمناطق الأهم بالنسبة له، لا سيما دمشق ومحيطها، ومنطقة الساحل.
أما بالنسبة إلى الرقة ودير الزور والقسم الجنوبي من الحسكة وبادية حمص، وغيرها من المناطق، فقد ترك أمرها لداعش وجبهة النصرة.
ونحن هنا لسنا بصدد الوقوف عند التفصيلات الميدانية التي كانت، وما زالت، وإنما نود تناول العوامل التي أسهمت في بروز داعش، وانتشاره، إلى جانب الوظيفة التي تم تكليفه بها.
فداعش استند أولاً إلى المظلومية السنية في سوريا، وهي المظلومية التي تشكلت نتيجة التراكمات السلبية لحكم البعث على مدى عقود، هذا الحزب الذي عمل تحت شعار “العلمانية” على إبعاد الأكثرية السنية عن مراكز القرار، ليجعلها سواء، ضمن حزب البعث نفسه أو ضمن الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى، مجرد واجهة تضليلية، تستفيد من الامتيازات وتتشارك مع صفقات الفساد. ولكنها ظلت تابعة خاضعة لإرادة المتحكّم الفعلي بالقرار، خاصة في المرحلة الأسدية.
وبدلاً من معالجة هذه المظلومية ضمن إطارها الوطني، وفي سياق معالجة سائر القضايا الأخرى التي تهم السوريين جميعاً من دون استثناء، جاء مشروع داعش ليحوّل هذه المظلومية إلى ذريعة للإمساك بالمجتمع السني نفسه، واستخدام أساليب دموية قروسطية في فرض نمط من العيش لا يستقيم أبدا مع وقائع التاريخ، وتطورات العصر والآفاق المستقبلية.
واللافت في المشروع الداعشي قوته المادية على صعيد العتاد والأموال، وقوته الإعلامية. وجميعنا يتذكر الطريقة الهوليوودية التي كان يسوّق من خلالها أفلام الرعب عن جرائمه إلى العالم بالدرجة الأولى، ليؤكد بأنه يبقى بكل المقاييس البديل الأسوأ عن نظام لم يتورع عن ارتكاب أي جريمة ضد شعبه.
كما تميّز داعش ببراغماتيته، وقدرته على عقد الصفقات، وتبادل الأدوار مع من يفترض أنه يقاتلهم، وعلى عداوة مستدامة معهم. وهذا ما فعله مع النظام في أكثر من موقع ومع حزب الله.
ولممارسة المزيد من التهويل لدوره الوظيفي، أعلن داعش عن الدولة بوزاراتها وجيشها، وإعلامها وعملتها، ولم يبقَ له سوى العلاقات الدبلوماسية.
وإذا قارنا بين دور داعش في الساحة السنية، وبين دور حزب الاتحاد الديمقراطي -الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني- فإننا سنلاحظ أن المهمة كانت ذاتها، والمقومات كانت عينها. ولكن مع فارق من جهة الرسالة الأيديولوجية.
فداعش قد تبنى الإسلاموية السياسية بأكثر أشكالها تطرفا وعنفا؛ في حين أن حزب الاتحاد الديمقراطي سوق نفسه برسالة هجينة، متعددة المقاصد. فعلى الصعيد الكردي أوحى للناس بأنه يعمل من أجل ضمان حقوق الأكراد، ورفع الظلم عنهم، عبر المحافظة على مناطقهم، وإبعادهم عن الصراعات والأعمال القتالية. وادّعى في أكثر من مناسبة بأنه يلتزم الخط الثالث الذي لا يتقاطع مع خط النظام أو خط المعارضة.
وعلى المستوى السوري، فقد حرص على عضويته في هيئة التنسيق، معلنا أنه حزب سوري، وأن المشروع القومي قد بات بالنسبة إليه جزءا من الماضي. ونادى بفكرة الأمة الديمقراطية الهلامية التي تحمل كل تفسير، ولا تلزم صاحبها بأية مسؤولية.
أما على المستوى الدولي، فقد روج نفسه بأنه حزب علماني، يحترم كل الخصوصيات. وأنه حريص على حرية المرأة، وإشراكها في كل المهام، وتمكينها من أن تكون شريكة في كل القرارات.
والجدير بالذكر في هذا المجال أنه قد أخذ فكرة الرئاسة المشتركة من حزب البيئة السويدي، ولكنه استخدمها فقط من أجل الدعاية الإعلامية، لأن الجميع يعلم أن القرارات الأساسية تتخذ من قبل مجموعة محدودة جدا من الكهول الذين قد اتخذوا من جبال قنديل قاعدة لهم.
وقد تمكن كل من داعش و”ب.ي.د” من تحقيق أهداف النظام على صعيد الربط بين الثورة السورية والإرهاب، وإبعاد المكونات السورية من غير المكون العربي السني عن الثورة. وكان ذلك بعد تصاعد نفوذ كل من داعش وجبهة النصرة، وتناغم العديد من القوى والفصائل ذات التوجه الإسلامي معهما، على أمل الاستفادة من “إنجازاتهما”، وقلة خبرتهما في الميدان السياسي. ولكن تبين في ما بعد أن المشروع الإرهابي الذي اتخذ من الإسلاموية ستاراً كان مجرد طعم تلقفته بعض القوى ذات التوجه الإسلامي ضمن المعارضة السورية، ولم تتمكّن من تحديد الموقف النهائي من ذاك المشروع إلا مؤخّراً، الأمر الذي أفقدها المصداقية والقدرة على امتلاك زمام المبادرة.
أما كردياً، فقد تمكن “ب.ي.د” من الهيمنة على المناطق الكردية التي كانت قد تفاعلت لأسباب وطنية موضوعية مع الثورة السورية منذ اليوم الأول. واستخدم في ذلك خطابا تضليليا متعدد المستويات والتوجهات، كما أنه اعتمد على القوة العسكرية والإمكانيات المادية وسلطة التصرف في المناطق الكردية، وكل ذلك حصل عليه من جانب النظام.
ورغم التناقض الذي قد يبدو بالنسبة إلى الملاحظ الخارجي غير المطلع على تفاصيل الأمور بين المشروعين: الداعشي والآخر الخاص بـ”ب.ي.د” نرى أنهما متكاملان في نهاية المطاف، وذلك من الناحية الوظيفية. وقد تمثّل في إضعاف الثورة السورية، وإلصاق تهمة الإرهاب بها، وإبعاد المكونات السورية خارج نطاق دائرة المكون العربي السني عنها. وكل ذلك كان لمصلحة النظام بطبيعة الحال.
مشروع داعش أدّى وظيفته، لكنه لم ينتهِ بعد، وربما يأخذ أشكالاً جديدة في المستقبل. أما مشروع الـ”ب.ي.د” فما زال فاعلا، لا سيما بعد أن بات موضوعاً لصراع بين القوى الإقليمية والدولية من أجل الاستفادة من إمكانياته العسكرية على الأرض، وهي إمكانيات يوفرها على حساب الأكراد السوريين الذي باتوا، مثل كل السوريين، ضحايا مشاريع لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
------------
المصدر: العرب






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=24093