البحث عن إنسان يبحث عنك «الكاتب والصحافي الكردي: فرهاد عوني نموذجاً» 6- فرهاد عوني المقيم في الحياة
التاريخ: الأربعاء 20 حزيران 2018
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود 

أن يكتب المرء كثيراً، أن يعمل كثيراً، وهو يتحرك في اتجاهات شتى، هو أن يتعرض للمتاعب بمقدار ما يتقدم باكتشافات، والاكتشاف الأكبر هو تميُّز الشخصية الخاصة به. وفرهاد عوني بعقوده الزمنية الطويلة في أحضان الصحف معايشاً زمهرير الوضع ولفح حرارته، لا بد أن يكوّن شخصية تعنيه، وهي تثير الآخرين بتنوع مواقعهم جرّاء هذا التوسع في الكتابات.
والصحافة هي محك الاختبار الأكبر لمزاولها، كونه لا يعود نزيل الزوايا الضيّقة. 
وربما كان الذي أثرناه وفي نماذج معينة، أفصح عن هذه المغامرة الجلابة للفرح والحزن .


لقد حاولت التوسع قليلاً فيما خططت له، بغية إنارة ما سلف القول فيه، سعياً إلى المزيد من الإضاءة لما هو غامض أو يتطلب توضيحاً أكثر، أو استجابة لفضول معرفي على الأقل.
إن قراءة بصرية كرونولوجية" تاريخية " لمجلده اللافت " حياة في صورة- أربيل 2017، في 300 صفحة ونيّف من القطع العريض، والورق الناعم والملون"، يمكن أن يتلمس هذه اللعبة مع الحياة وفيها، أعني: لعبة الصور المدفوعة الثمن، فالرجل دقيق، وبرز دقيقاً وصبوراً، رغم كل المحن التي عاشها كغيره من أبناء شعبه الكردي، وما يخصه يهمه، لأن ما حصَّله لا يقتصر عليه وحده إنما تاريخ قضيته، وسؤال القضية الذي لم يتوقف عن الطرح: كرديته، وكل وثيقة تُتلَف أو تعدَم تترك ثغرة في التاريخ المرسوم.
عندما نتصفح المجلد بدءاً من الصفحة التي ترينا صوراً متدرجة به في العمر " بدءاً من عام 1953 "، وقد كان عمره حينها " 9 " سنوات، إلى الصفحة " 304 " وهي تشير إلى الصورة العائلية، كما لو أن هذه الصورة هي اختتام رحلات السندباد الكردي ليبدأ سرد حكاية العمر.
في كتابات من تناولوه يسهل علينا التعرف إلى البعد الحيوي لهذه الكتابات.
صديقه منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي المؤرخ والباحث الدكتور عبدالفتاح بوتاني، والذي قدَّم لكتابه الغني" ذاكرة الأيام "، ينير ساحة الصداقة العُمْرية والمعرفية .
يربط بوتاني بين كلمة عوني وصورتها، والمحفّز النفسي على المتابعة، ويؤكد جانب الثقافة التاريخية لديه " إلا أن ما يؤخذ عليه، استرساله أحياناً إلى حد ينسى القارىء معه جوهر الموضوع- شير إلى أنه – يعترف بذلك...ص 8 ".
وبالوسع التأكيد على هذه النقطة، سوى أن الممكن قوله هو أننا إزاء تناولين مختلفين للحدث التاريخي أو الواقعة التاريخية الطابع: عوني، ومحاولته تقديم المرصود بلغة أكثر قابلية للفهم وأسرع إيصالاً إلى الذهن، وكون الصحفي مأخوذاً بفكرته، قد تمضي به بعيداً، وبوتاني  المتمسك بالوثيقة، بحسابات الوقائع التاريخية وتوكيداتها، وتتبع مؤثراتها .
يشير بوتاني إلى سبْق صحفي لدى عوني، وهو يتركز على شخصيات سياسية تاريخية، ومن ثم ما يوحد " هوى " الاثنين، جهة التعلق بالمذكرات التاريخية " وربما كان هذا السبب أو الدافع لكتابة ذكرياته وتوثيقه للأحداث التي عاشها.ص 9 " .
ربما هنا أيضاً، تكون وظيفة المذكرات مختلفة من حيث المهمة لدى كل منهما، فبوتاني يمضي بالمذكرات إلى التاريخ ويضيء جوانب محددة منه، وقد يربطها بالراهن، كما هو دأبه، وفي حال عوني، وبصفته محتكاً بالوقائع، فإنه يطل إسناداً مباشراً مما يقرأ ليواجه " مجادله " .
يثمّن بوتاني كتابات عوني عن مدينته " كويه " ص 9 ".
ثمة العديد والمفيد مما توقف عنه بوتاني.
حسبي التوقف عند نقطة حيوية، وهي خلافية نسبياً بينهما، وفي نقد هادىء، والنقطة تخص عملية تعيين سلطة البعث لقياديين كرد في أواسط سبعينيات القرن الماضي، ممن سلَّموا أنفسهم، في مناصب حكومية " انتقاماً منهم ولإذلالهم "، بينما يرى بوتاني أن السلطة عينتهم كونهم " قياديين،  ولكي تربطهم بالوظيفة وتلزمهم بالدوام، حتى لا يفكروا بالعودة إلى النضال.ص12 " وأرى أن وجهتي النظر صحيحتان: أرادت النيل منهم وإذلالهم بمقدار ما شدتهم إلى عجلتها، وهذا يعني من جهة السلطة إذلالاً لهم، ومن جهتهم النسيان التدريخي لما كانوا عليه ذات يوم، وتلك هي لعبة السلطة التي توجّه المصائر بشراً وجماعات وأفراداً .
في تقديمه للطبعة الكردية لكتاب " تجربتي الصحفية " والمترجم إلى العربية، كما نوَّهنا، يفصح الصحفي عبدالله زه نكَه نه ، وهو زميل عوني عن تقديره لمجمل كتابات زميله، وتثمينه لقائمة مجهوداته في سياقات مختلفة، أعني ما ينبغي عليه الكاتب الكردي جرّاء الشروط التاريخية الخاصة التي يعيشها والتي تتطلب منه أن يكون مؤرخاً وناقداً وأديباً وسياسياً وإعلامياً وحتى اقتصادياً وملما بأخبار الطقس وتأثير الأبراج في النفوس....الخ، وثمة نقطة يؤكّد أهميتها زه نكَه نه، وهي قلة وجود المذكرات للنخبة الكردية، حيث إنهم " قصيرو الباع إزاء تسجيل مذكراتهم وذكرياتهم . ص6 "، ليمضي متحرياً لائحة من الكتاب الكرد الذين منحوا مذكراتهم مكاناً واعتباراً لما فيها من وقائع تاريخية تهم الباحثين في هذا المضمار.
في المقال الذي تصدر " حياة في صور " للباحث حسن العلوي، تلوّح الكلمة لديه بطابعها الفكري والثقافي، وما فيها من توصيف وتعريف بشخصية عوني " فرهاد عوني يجتاز الموانع وتصد الأٌقدار عن صدره شظايا القنابل فيرتقي مدارج الجبل مدارج المهنة ويحقق عضوية في وقت واحد.ص16 ".
ولعل الذي يدفع به إلى هذا التوصيف هو ما يتعلق بالكاتب الكردستاني ، فهو " مقاتل وتلك هي حرفة فرهاد عوني، الكتابة والنضال .ص 18 " .
ولا بد أن الذي يتحدث فيه الكاتب فخري أمين يعزّز من مكانة الصورة ودورها الاستثنائي في عصرنا: عصر الصورة بامتياز " كتاب ريجيس دوبريه "، وللكردي حاجة مضاعفة إليها، وقوله يترجم هذه الخطورة " إن إعالدة إنتاج ملاحم التاريخ الكوردي، ورموزه، وأبطاله، في صور مشهدية وأعمال تلفزيونية يبدو الآن ضرورة ملحة لكي يفهم الفرد الكردي نفسه، ويعرف من هو، ومن أين جاء، ومن هم أجداده المنسيين..ص 26 " ....الخ.
تلك ومضات سريعة بصدد موقع الكاتب والصحفي الكردي الكبير فرهاد عوني، وأعتبرها ومضات مقارنة بالمساحة الكتابية والصّورية الكبيرة لعوني وعمره النضالي جسداً وقلماً، ولعلها أقرب إلى " الكافية " للنظر فيما تقدَّم ذكره، وفيما يمكن الحفر فيه عميقاً، وما أكثره .
أتراني قادراً أن أذكّر بنقاط هي أسئلة مطروح دون إجابة، من نوع :
هل ثمة كتابات أخرى لم تبصر النور لدى عوني أقرب ما تكون إلى النقد المباشر لممارسات اجتماعية وسياسية وثقافية على مستوى كردستاني وفي إقليم كردستان بالذات ؟
هل يمكن أن يكون لدى عوني أوراق تحمل بصمات حياة يومية وفيها سجل وقائع مختلفة هي مجموعة السلبيات التي عرِف بها الصحفي الكردي أو من يشتغل في سلك الثقافة ؟
هل سيكشف قادم الأيام عما هو عميق الدلالة ومن صلب المسلك الصحافي والثقافي للشخصية الاعتبارية : عوني، وتألمه من مواقف شخصيات كردية متفاوتة، أقلقته، وأثارت فيه شجوناً، إلى جانب عثرات لها صلة ببنية العلاقات التي تسمّي الكرد وتحول دون تقدمهم المنشود ؟
أتراني قدَّمت ما يضيء معلَم شخصية فرهاد عوني الثقافي وفي المعمعة الصحفية، وما يترتب على هذه اللمامة الكتابية من تغذية دافع الفضول البحثي المعمق لدى آخرين وما أكثرهم ؟







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=23849