عفرين في مفترق الطرق (1-2 )
التاريخ: الأربعاء 02 ايار 2018
الموضوع: اخبار



جان كورد

كان المواطن من جبل الكورد " جيايى كورمينج – كورداخ" يسير بين السوريين مرفوع الرأس، مفتخراً بأصله وانتمائه إلى تلك المنطقة الجميلة حقاً والمنتجة والآمنة المستقرة، جيلاً بعد جيل، منذ تحررها من الاستعمار الفرنسي، وعلى الرغم من كل محاولات الأنظمة "الوطنية!" المتعاقبة لتعريب المنطقة، على غرار تتريكها من قبل في ظل الدولة العثمانية لقرونٍ من الزمن، فإن هذه المنطقة ظلت كوردية بغالبية سكانية تفوق ال 98%، وظلت ذات ثقافة كوردية، وتطورت في أرجائها الحركة القومية لشعبنا، حتى صارت معروفة بميلها الصارخ لحرية واستقلال كوردستان، وبسبب تقسيم وطننا من قبل المستعمرين في عام 1916 بموجب اتفاقية سايكس – بيكو، فإن هذه المنطقة قد سميت لدى الكورد مع كلٍ من منطقتي كوباني والجزيرة العليا ب"غرب كوردستان"، وذلك تعريفاً وتفريقاً عن الأجزاء الأخرى من أرض الأمة الكوردية (شمال وجنوب وشرق كوردستان)،


 إلاّ أن القوميين العرب الذين حدد آباؤهم أو أجدادهم سابقاً الحدود الشمالية لسوريا بنهر الفرات وطالبوا لدى عصبة الأمم بسوريا مستقلة على ذلك الأساس، صاروا يعتبرون فيما بعد كل خريطة دولة (سوريا) التي أعلن عن استقلالها في 17 نيسان 1946 أرضاً عربية، وما المواطنون الكورد في المناطق التي ذكرناها سوى "لاجئين، مهاجرين" أو "ضيوف!" على الأرض العربية حسب رؤاهم، في حين أن التاريخ القديم يثبت لنا بلا شك أن العرب قد جاؤوا غزاةً و"فاتحين بعقيدة دينية!" من نجد وحجاز ويمن، في حين أن جيران سوريا من ناحية الشمال (أي الأتراك) قد جاؤوا غزاةً بدائيين من صحارى آسيا الوسطى، دون أن يحملوا معه أي ثقافة أو حضارة، ليدكوا الكيانات ويحرقوا المدن ومنها بغداد ودمشق، وفي الحقيقة فإن هذه الأرض كانت مسكونة، بدليل أن عاصمة الميتانيين "من أجداد الكورد" كانت في واشوكاني "سرى كانيى" المعرّبة إلى "عين العرب!". 
في عام 1962، بعد أن حكم سوريا عدة رؤساء ورؤساء وزراء كورد، قام عنصر من غلاة القوميين العرب يدعى محمد طلب هلال بكتابة تقرير عن "محافظة الجزيرة والحسكة" تطرّق فيها بعنصرية مشحونة بالحقد والكراهية إلى الوجود القومي الكوردي في "شمال سوريا" وبث بتقريره السم الزعاف وأحدث شرخاً عميقاً في البلاد بين المكونات القومية والدينية، وطالب بتهجير الكورد باستخدام سائر أساليب القسر والعنفـ، والاستيلاء على ممتلكاتهم واستخدام كل الاجراءات التعسفية، ومنها توطين العشائر العربية في القرى الكوردية في أكثر من 40 (كيوبتسات) عنصرية مسلحة ومنع اللغة الكوردية والتجريد من الحقوق المدنية وسحب الجنسية السورية من مئات الألوف من المواطنين الكورد، وذلك لانهاء الوجود القومي لشعبنا الذي يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين، فتلقّف البعثيون دراسته بترحاب، ومنحوه منصب وزير تموين، وطبقوا مشروعه الخبيث بحرفية وإصرار، إلاّ أن المشروع لم يطبّق في منطقة جيايى كورمينج "عفرين"، ولكن تم ضم قرى منها إلى مناطق عربية مجاورة مثل منطقة (اعزاز) كما تم محاربة اللغة الكوردية بحزم ومُنِعَت منعاً باتاً في التعليم العام والخاص، إلاّ أن كل الاجراءات القمعية ومتابعة سياسة سلب ونهب خيرات المنطقة عن طريق إفشاء الفساد وحرمان المنطقة من سائر المؤسسات الهامة والمعامل والمصانع، وتركها لقمةً سائغة في أفواه رجال الأمن والموظفين، لم يتمكن من اعاقة النضال السياسي للحركة الكوردية في المنطقة ودفع بها يوماً بعد يوم إلى صف الثورة الكوردية التي كان يقودها الرئيس الخالد مصطفى البارزاني، مما جعل مواطني المنطقة من خلال الاحتكاك مع الحركة السياسية القومية التي تعتبر المنطقة بذاتها من مهادها يميلون إلى سائر الموضوعات المتعلقة بكوردستان أكثر من ميلهم نحو المجتمع السوري الذي بدا أنه لا يختلف في شيء عن نظرة النظام السياسي لهم، وكأنهم فعلاً لاجئون أجانب أو مواطنون من الدرجة الثانية، وعلى الرغم من تعرّض الثورة المسلحة في اقليم جنوب كوردستان إلى نكسة خطيرة بسبب الاتفاق الذي تم بين الحكومة العراقية والشاه الايراني في عام 1975، فإن انتعاش الوعي القومي الكوردستاني في منطقة جبل الكورد شهد طفرة كبيرة، كردّ فعل على تلك الهزيمة الأليمة، حيث لم تعد النعرات المحلية والمناطقية تسيطر على وعي الشباب الكوردي، وإنما بدأ الناشطون السياسيون يقولون في حلقاتهم الضيّقة، بل في مؤتمراتهم الواسعة أيضاً: "نحن مستعدون للذهاب من عفرين لقتال نظام صدام حسين، حتى وإن لم يبقَ ثائرٌ كوردي واحد في جنوب كوردستان." وقد ذهب بعض الكورد حقاً، فلقد أثّرت الهزيمة عميقاً في المجتمع العفريني برمته، وأقصد في مواطني جبل الكورد جميعاً.
وفي تلك المرحلة بالذات، انساق الشيوعيون الذين كان من المفترض بهم الوقوف إلى جانب الأمة الكوردية المُضطهَدة للعمل الطوعي الشامل مع نظامي حزب البعث العربي الاشتراكي في كلٍ من العراق وسوريا، وهذا ما أدّى إلى شقاق كبير في صفوف اليساريين الكورد الذين وجدوا أنفسهم متعارضين تماماً في مبادئهم التي صارت تتناقض مع سلوكيات وممارسات ومواقف الحزب الشيوعي في كلا البلدين، فشرع كثيرون منهم في تأييد ما ظهر فيما بعد تحت اسم حزب العمال الكوردستاني الذي تمكّن من الاستيلاء على مساحةٍ واسعة من وعي الشباب وجذبهم إلى صفوفه بذريعة أنه جاء ليحررهم طبقياً وقومياً في الوقت ذاته، فصار وا كمن هرب من الرمضاء إلى النار، إذ استفاد هذا القادم الجديد من خارج الحدود من ظروف الجفاء الكبير بين الحكومة التركية ونظام البعث في البلدين بسبب الخلافات العميقة على حصص كلٍ من العاق وسوريا من ماء الفرات، لتنظيم الشباب الكورد وإعدادهم للقتال حين تحين الظروف، وكان تأثير المغني الشهير شفان برور بصوته القوي وأصالة فنه الكوردي والشعر الذي اعتمد عليه من الشاعر الكبير جكرخوين أشد وقعاً على عقول الشباب الكوردي مما كانت الأحزاب السياسية تنشره من بيانات وصور وفيديوهات، واستطاع الحزب نشر نفوذه في منطقة جبل الكورد بسبب سماح النظام البعثي بالعمل له بحرية شبه تامة، ودعمه في منافسته للأحزاب الكوردية القومية، ومن ثم تصفيتها سياسياً مع الأيام بشكل شبه نهائي لتسخيره كورقة ضغط سياسية على الحكومة التركية التي شرعت في بناء العديد من السدود على نهري دجلة والفرات، وهذا ما خلق شرخاً واسعاً بين الحركة الوطنية الكوردية التي ظلت منذ تأسيس أوّل حزب لها في عام 1957 تطالب بالحقوق القومية المشروعة ضمن إطار الدولة السورية وبين قيادة حزب العمال المتمثلة بشخص زعيمها السيد عبد الله أوجلان الذي كان لا يحيد قيد أنملة عن السياسة المرسومة له من قبل الأجهزة الأمنية السورية الممارسة للقمع ضد الوطنيين الكورد ذوي المطالب القومية المتواضعة في حين أنها شجعت الانتساب إلى حزب العمال الكوردستاني الذي كان يطالب في برنامجه بنظام شبه فيدرالي في تركيا، إلاّ أن إعلامه القوي كان يظهر تلك المطالبة على أنها ليست إلاّ "الحرية والاستقلال" للشعب الكوردي ولوطنه كوردستان، والذي يتتبّع مؤلفات السيد أوجلان وبيانات حزبه يلاحظ على الفور الاختلاف الوارد بين البرنامج والمادة الإعلامية، وبعد اعتقال واختطاف السيد أوجلان في نهاية القرن الماضي ثبت بالتأكيد أنه تبرأ من تهمة العمل على انشاء دولة كوردية، وأن أحاديثه عن الفيدرالية بعد انطلاق الكفاح المسلّح لحزبه في عام 1984 لم تكن مجرّد "تمويه إعلامي" على حقيقة العمل السياسي له، وإنما كان بالفعل مضمون سياسته وهدفها بشكل عام، بل رفض حزب العمال ولا يزال يرفض إلى الآن اعتباره حزباً قومياً من أحزاب كوردستان كما يرفض رفع العلم القومي الكوردي الذي أعلنه ناشطون كورد في استانبول منذ أيام معاهدة سيفر الدولية وحملته سائر الثورات الكوردية بعد ذلك، حتى أنه رفض تسمية قواته القتالية ب"البيشمركة – الذين يجابهون الموت"، واستخدم عوضاً عن هذه التسمية الكوردية المحبوبة المصطلح الاسباني "الغريلا"، إلاّ أنه بعد وقوفه لسنواتٍ عديدة ضد مشروع "المجلس الوطني الكوردستاني" بدأ بالدعوة بذاته إلى هكذا مجلس يضم كل أحزاب كوردستان التي يرفضها ويتهمها بالخيانة والتواطىء مع الأعداء، بشرط أن يكون السيد أوجلان رئيس المجلس لأنه في نظر أتباعه "الرئيس الوطني" الوحيد، بل هو "رئيس الرؤساء" و "لاحياة من دون الرئيس آبو". 
دخلت منطقة جبل الكورد ومركزها مدينة عفرين في دوامةٍ دموية، منذ إعلان حزب العمال هذا عن الكفاح المسلّح في عام 1984، بدفعٍ ودعمٍ من قبل نظام حافظ الأسد، إذ تمّ الزج بالآلاف من شباب الكورد في القتال ليس ضد نظام الأسد والبعث لينال شعبهم حقوقه القومية المشروعة، وإنما ضد الدولة التركية.
وهنا بدأ الشرخ يتسع بين الخط الوطني الكوردي الذي يسعى للحصول على الحقوق القومية لشعبنا ضمن إطار السيادة السورية و"الوطن السوري" الذي تعتبره بعض التنظيمات الكوردية "الوطن النهائي!" وبين الخط "الكوردستاني" الذي يتنكّر لهذه الحركة الواسعة كلها ويقاتل الدولة التركية دون الاهتمام بمطالب الشعب الكوردي في سوريا، وتحوّل الخصام أحياناً إلى اعتداءات على الأرواح والممتلكات من قبل أنصار حزب العمال بإيعازٍ من الأجهزة الأمنية السورية ومن قيادة الحزب التي كان لها موقف "القبضاي" في كل الساحة الكوردستانية لتمتّعه منذ إعلانه الكفاح المسلح بدعمٍ واسع من إيران وسوريا وعملائهما في المنطقة وفي داخل الحراك الكوردستاني أيضاً مع الأسف.
(( يتبع))   2 / 2
          ‏02‏ أيار‏، 2018

facebook:kurdax.net                          kurdaxi@live.com           







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=23673