من عامودا الى مملكة الظلم في صيدنايا
التاريخ: الثلاثاء 03 نيسان 2018
الموضوع: اخبار



عدنان شيخموس 

طقس بارد وملوث بالغبار ، طريق عامودا وقامشلو تتحدث بصمت وخشوع للمارة عن وجع الإنسان وخيباته . بخلاف الطريق المؤدي إلى الشام وإلى صيدنايا فهو سليم ونظيف وأنيق . 
تقرأني السماء بعمق كل مساء عن عواصم العالم إلا دمشق ! حيث دمشق عاصمة دافئة لأهلها فقط وقاسية وباردة لنا ، فالياسمين وردة ذابلة لم أشم أريجها بعد.
كنتُ أشرب الشاي مع والدتي ، نتقاسم الأحاديث الجانبية الدافئة وهموم الآخرين وإذا بطارق يطرق باب الحوش ويتكلم الكوردية بطلاقة مع أختي و يسأل إن كنتُ موجود في البيت، في هذه اللحظة انتابني شعور بأنهم خفافيش نظام الأسد يطرقون الباب ، فخرجت إليهم وإذا بشخص طويل مرتبك يتحدث معي متوسلاً بأن هناك مشكلة بسيطة لديهم في فرع الأمن العسكري . 


بالمختصر هناك شخص موقوف عندنا بالفرع إسمه يشبه إسمك وهناك تشابه بالأسامي على الأغلب و الكلام للعنصر الكوردي في المخابرات السورية عبد السلام (الملقب بـ عبد السلام باب خيريه)، لذا يطلب مني الذهاب معه بهدوء لحل هذه المشكلة التي لاتستغرق أكثر من خمس دقائق كما يدعي العنصر الأمني من خلف الباب طبعاً ،اعترضت على كلامه جملة و تفصيلا.
قلتُ له: لن أذهب معك للفرع 
وإذا بدورية مسلحة مختفية في الشارع الخلفي توجهت واقتحمت البيت وعلى رأسهم رئيس الفرع حميدكو (ابو محمد) وبعض عناصره المدججين بالسلاح هنا اكتمل المشهد الأمني بكل عناصره ومكوناته القذرة البوليسية .
حاول حميدكو السيطرة على الموقف بشكل خبيث ولئيم دون أن يسمع ما يقال له والإصغاء للشتائم والسباب ،حسم الأمر بقوة السلاح ليأخذني نحو سيارته الجاثمة في شارع من شوارع عامودا نحو مفرزة الأمن العسكري .

وصلت سيارة الأمن للفرع العسكري بعامودا بعدها أخذوني الى غرفة مظلمة تبعد عن الباب الرئيسي فيها الشباب (برزان شيخموس- ابراهيم زورو- عمران السيد ) معتقلين قبلي بساعات وتفاجأت بتواجد أخي برزان معتقل بنفس توقيت إعتقالي مع بقية الشباب في غرفة الإنتظار.

من هنا بدأت رحلة الإعتقال و العيش في عالم الصغائر واُنقطعت العلاقة مع الحياة العادية بكل تفاصيلها وذلك بتاريخ 1987-12-07.

بعد ثلاث سنوات من الإعتقال زارتني والدتي ووالدي رحمهما الله في معتقل صيدنايا الأسدي ،فحال الشباك المزدوج بيني وبين والدتي دون ان تلمس يدي يدها الممدودتان نحوي ؛ بسطتُ يدي لأ لمس شغاف أصابعها فعاندتني شباك الجلاد عن كيد وعن حقد ، فاُردتعت واُرتعشت قسمات وجهها واكفهرت ملامحها وانهمرت دموعها رقراقة مثل جدول في معارج الجبال.
ومن شروط الزيارة عدم التحدث باللّغة الكردية!! ومصافحة الأهل ممنوعة أيضا . 
هذا كيد من كيد ..! : فوالدتي لم تكن تجيد التحدث إلا باللغة الكوردية الممنوعة وهذه الأخيرة كانت ممنوعة من التداول في مملكة البعث .
كلما تفوهت أمي بكلمة كردية يرد عليها الجلاد البغل : ولك أنتِ 
أما قلتُ لك ممنوع الحكي باللسان الأعوج . ..؟! يقصد اللغة الكوردية .

وباُختصار شديد و دون الدخول في تفاصيل الحياة اليومية وعن فظاعتها فقد كانت خمس سنوات و قرابة السنة الكاملة منها بفرع فلسطين أشبه بالعيش داخل قبر مظلم . حيث كان يشرف على إدارته المساعد بسام السادي صاحب الصوت المعجرف ومشوه الخلف و الانتماء.
فالنوم أشبه بعقوبة جماعية لخمسين فرد داخل غرفة مساحتها لاتتجاوز 25 متر مربع
الجرب و القمل و الأمراض الجلدية المُعدية صفة دائمة و مرافقة لكل سجين لا يتسع المجال للحديث عنها والتعبير عن معانتها المتداولة .
بعد الإنتقال من سجن صيدنايا عبر محطة أكثر شؤما من سابقاتها و أدنى مرتبة من كل مايتسع للحفاظ على كرامة الانسان - المسمية بفرع التحقيق العسكري.
اُستقر بنا المقام في سجن صيدنايا أربع سنوات .
وكان حفل الإستقبال في ذلك المُعتقل الرهيب أكثر إفصاحا عن نهج التمييز العنصري و الطائفي للنظام السوري.
أثناء الإستقبال بمجرد ما يقرأ إسمك المعبر غالباً عن إنتمائك القومي والنطق بإسمك الكردي ، ينهال عليك السجان بالسياط والركلات والشتائم من كل حدب وصوب . 
وإذا كشف إسمك لاُنتماء شوفيني طائفي يرحب بك وكأنك مدعو لحفل ساهر .

السجون السورية تختلف عن سجون العالم وهي لاتشبه إلا نفسها متميزة بالتفرقة الطائفية والشوفينية.

ففرع التحقيق محطة مركزية في تاريخ السجون في سوريا ، من وإلى بقية السجون الظاهرة والمخفية أو إلى خارج أسوارها . 
بعد إحالتنا إلى فرع التحقيق بغرض الإفراج عنا 
ألقى علينا رئيس الفرع حسن خليل محاضرة عصماء مجردة من المعنى حول الوطنية و الممانعة و الوحدة والإشتراكية والمتغيرات الدولية لتبرير أسباب الإعتقال السياسي التعسفي .
خرجت من السجن حاملاً حقيبة زرقاء مصنوعة من الأثواب البالية داخل السجن فيها بعض الحاجيات و بعض الأوراق الذابلة .
لا أعرف أين أنا؟! بعد خروجي من السجن
و بإي منطقة في الشام أقف وجدت نفسي أمام حائط وباب كبير 
لا أعرف توقيت الساعة ولا إلى أين سأذهب 
كأنني خارج للتو من مغارة أهل الكهف؟
وأنا في حيرة من أمري داخل غربتي و خطواتي المرتبكة لا اعرف أي خطوة سأخطوا نحو الأمام أم نحو الوراء .
فجأة مرت من أمامي إمرأة جميلة وأنيقة ، ما وجدت إلاعيوني ترافقها ، اُبتسمت بداخلي واُتجهت نحوها لأسألها إن كان بإمكانها أن تقدم لي يد المساعدة أوأن ترشدني عن إسم المنطقة المتواجد بها وعن التوقيت الى غير ذلك .
لكن بمجرد ما اُلتفتت اليَّ و ما ان وقع نظرها علي حتى بدت عليها علائم الاندهاش و الحيرة و الاستهجان،و لم تهتم بيّ ،بل غادرت المكان على الفور.

وبعد برهة من التأمل اوقفت سيارة تكسي للوصول الى اقرب كراج للباصات
دار حوار قصير وعميق بيني وبين السائق 
لوين رايح يا إبني
عمو وصلني لكراجات القامشلي 
من وين جاي يا إبني
جاوبته بطريقة جافة
من السجن
ليش يا إبني شو عامل حتى دخلت السجن
كنت معارض لنظام الاسد عمو
هنا توقف الحاج دون أن يسألني عن اصلي وفصلي،بقي صامتاً طيلة المسافة تلك، وبعدما وصلنا الى الكراج واذا بالشفير يحتضنني بلهفة متحدثاً بالكوردية معي هربجي يا بني.

غادرتُ دمشق ولم تغادرني ومازالتُ سجيناً لسجنها الكبير، فذكرياتها حاضرة ومؤثرة دائماً.

ومن هنا أدركت أنها انطلقت رحلة حياة داخل سجن سورية الكبير !!! .







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=23586