المدرسة النظامية (الكورد نموذجا)
التاريخ: الأربعاء 07 اذار 2018
الموضوع: اخبار



الأمازيغي: يوسف بويحيى

هنا سأقف على مقولة العالم الألماني "ألبرت إنشتاين" <إنسى كل ما تعلمته في المدرسة فتلك ثقافتك> ،معناها ان كل ما يدرس فيها إن لم نقول معظمه ليس لنا بل ضدنا و ضد وجودنا و ثقافتنا ،إنسى الشيء هنا بمعنى تخلص منه و اطرده من عقله و إيمانك ،فلن يتبقى بحوزتك أنذاك سوى ثقافتك فذلك أنت الذي يجب ان تكون ،عبارة من بعض كلمات لكن معناها بحر و خير مثال على  تفسيرها يكفي أن يقرأ الإنسان عن قصة "البرت إنشتاين" و صراعه مع العالم الخارجي نتيجة إرثه الثقافي اليهودي و إضطهاده سياسيا لأسباب اخرى تنصب في الأول في آخر المطاف.


عبارة لم تقف على هذا الحد بل تجاوزها عالم الإجتماع المغربي "المهدي المنجرة" بمقولة "إنسى كل شيء ثم ابدع" ،الإبداع لا يتحقق إلا إذا كانت الذات حرة و متحررة ،أما عكس ذلك فلن يصل المرء إلى الإبداع كما يزعم الفيلسوف "هيغل" في تحليلية الذات و علاقتها بالوعي و الرؤية الإبداعية ،الإنسان كائن لا يقتصر فقط على التجربة المجردة بل من الضروري أن يتعامل مع العالم الخارجي او الظاهرة أو الفكرة وفق تجربة عملية ،والتي حتميا تتطلب العقل و الشك و الحدس و الإحتمال ،إذن فالإنسان عقلاني تجريبي على حد نهج الفيلسوف "كانط" حيث المعرفة تنتج عن طريق فطرة مسبقة غامضة بعدها تتطلب تجربة عملية لإستخراج و إثبات و ترسيخها كيقين في الوعي الإنساني ،مع العلم أن المعرفة لا تبقى ثابتة بل تتغير وفق العوامل و المتغيرات الجارجية التي تؤثر على الذات إما لضرورة ذاتية أو تسلسل نشاط تلك المعرفة الفطرية الخام ،لهذا يسافر بنا الزمن إلى تسلسل العديد من الحقائق شيئا فشيئا إلى لانهاية حسب نظرية التأويل للفيلسوف "نتشه" فكريا و حسب "فيورباخ" ماديا.
لهذا أحببت أن أسلط الضوء عن مفهوم المدرسة النظامية التي تسير عكس العلم و العقل و الحقيقة ،كونها مدرسة يحتكرها اللبي السياسي الحاكم و ليس النخبة المثقفة الشعبية أو التكنقراطية ،شيء يتضح من خلال مضامين مذكرات التعليم بكل أنواعه و مستوياته و أخطرها من الإبتدائي و عليه يجر الحبل إلى النهاية ،علما ان النهاية تجد الذات نفسها صفرية المضمون و المحتوى ،لهذا تموت الذات و ينتحر الوعي و تبرد الثورة و يتقوى النظام ،كما الإعلام النظامي بدوره يقتات من التضليل جنبا إلى ما يدرس في المدرسة النظامية ليتحول المتلقي إلى قطيع يسهل تسويقه في سوق الإنتخابات لصالحه ،و المشكلة ان الحقنة لا تقتصر فقط عن المتعلم بل على كل الشرائح الإجتماعية ،حيث أن الإبن المتعلم يمرر السم للأسرة الغير المتعلمة و منها يمتد التلاقح إلى أن يموت الضمير.
معظم الدول ذات الأنظمة المصطنعة تعمل على هذا النهج لإفراغ الشعب من محتواه الحقيقي ،كما تسلك كل الطرق على ذلك كالتعليم و الإعلام و الأماكن الدينية و المؤسسات الحكومية و الغير الحكومية و الأحزاب و الجمعيات و الحركات ،بمعنى اي شيء لا يكون إلا وفق المعيار النظامي ،ومن يخالف او يختلف أو يعارض المعيار فمصيره لا يحمد عقباه.
إذا تطرقنا إلى تحليلية الشعب الكوردي سنلاحظ جيدا ان كل ماذكرته بخصوص المدرسة و التعليم يعيشه بالملموس ،إذ تعرض عبر مراحل الإستعمار الثلاثي إلى التعريب و التتريك و التفريس ،لهذا لابد أن يعتمد النظام على أدوات و وسائل تسهل هذا التفاعل بين الإنسان و المدرسة النظامية ليخرج لنا إما حمل وديع أو وحش يفترس جوهر ذاته ،أبرز هذه الحوافز تكون دينية كالإسلام السياسي النظامي أو فكرية كالشيوعية النظامية ...،قصدي من إلحاقها بمفهوم النظامية كونها بعيدة عن النظرة العلمية سواء الدين و الشيوعية و غيرها.
فبالإسلام السياسي و مناهج التعليم تعرب الكورد في مدارس الإسلاميين العرب منذ الغزو الإسلامي العربي لأرض كوردستان إلى الآن ،كما تشيع البعض بفعل مناهج الإستعمار الفارسي (إيران) ،حتى بإستعمال القوة و القمع و العنف لأجل كل هذا ،بينما أصبحت الأنظمة الغاصبة اليسارية المعادية للكورد تنهج التحليل الشيوعي الستاليني العقيم ،يتجلى ذلك في سياسات "حزب البعث العربي الإشتراكي" على الشعب الكوردي و منه تأسست الكثير من الأحزاب و الحركات الكوردية بالإسم و البعيدة من حيث المضمون.
بالإسلام السياسي أصبح الكوردي المستلب عربيا أكثر من العرب و تركيا أكثر من الأتراك و إيرانيا أكثر من الإيرانيين ،يلخص ذاته و ثقافته و تاريخه و جغرافيته في عقيدة عمياء طمست جوهره و شلت وعيه بذاته ،بالشيوعية الستالينية اصبح الكوردي يؤمن بلا معنى للقومية و الوطنية و التاريخ و الجغرافية فقط يختصر وجوده في دوامة صراع طبقي متبنيا العنف وسيلة الوصول إلى أهدافه ،خلالها يسلك الكوردي الشيوعي طريقا بعيدا عن المنطق من هذا الصراع ،فالعنف بمعناه العلمي السليم هو "العنف الثوري" حرب نتاج لثورة فكرية ضد النظام الحاكم إن إقتضى الأمر ذلك، وليس عنفا همجيا بلطجيا ضد المساكين و المستضعفين من الفلاحين و العاملين الذين يدخلون ضمن الطبقة المسحوقة من طرف النظام ذاته ،هذا إن كانت قيادات احزاب و حركات الفكر الشيوعي قرأت عن نظريات "ماركس" العلمية ،وليس مقتطفات ستالينية كالتي أدت بإنهيار الإتحاد السوڤياتي كما إنهارت مكتسبات الشعب الكوردي في باكور و روجاڤا.
أخاطب من له بصيرة كوردية حرة أن يتمعن جيدا في هذه النقطة إنطلاقا من تسمية الحزب "حزب البعث العربي الإشتراكي" و القولة المشهورة المرفقة به "الوحدة العربية" و شعاره الذي يتضمن خريطة الشرق الأوسط إلى الخليج العربي إلى بلدان الشمال الإفريقي كأوطان عربية ،حيث كان المراد تسميته في الأول بالحزب الشيوعي دون أن يحمل أي إنتماء عرقي ،لكن في ظل غضب المتحفظين و الليبراليين لم يسمحوا بهذه التسمية فسمي بالحزب الإشتراكي لكنه لقي رفضا هو الآخر ،إلا أن تم التوافق بين الأطراف شريطة ان يكون ذا قاعدة قومية عربية ،لهذا تم تسميته بحزب البعث العربي الإشتراكي مع وضع خط أحمر تحت كلمة "العربي" ،متسائلا في حد ذاتي لماذا ياترى لم يتم نقض مبدأ اللاقومية من الحزب وفقا للفكر الشيوعي وتم إقرارها في التسمية و العمل عليها لوحدها سياسيا؟! ،إذ لماذا لم يهتف البعث العربي بأخوة الشعوب مع البقية كالكورد و الأرمن و الأقباط و الأمازيغ؟! ،ولماذا عمل عن الوحدة العربية و تمجيد القومية العربية على كل القوميات الأخرى؟! ،الجواب ان مؤسسي حزب البعث و المتحفظين و الليبرالين كانوا قوميين عرب بنزعة مفرطة ،منها إنطلقوا وسكلوا إديولوجيتهم السياسية و خذعوا الغير العربي بالشعارات لخدمتها و لمصالحها (القومية العربية) ،من جهة لماذا الشيوعي الكوردي لا يؤمن بقوميته الكوردية أولا كالعربي بعدها يمارس حقه السياسي بٱديولجيته المفضلة دون المس بثوابته الذاتية المقدسة؟؟ ،الجواب هو أن الأحزاب الكوردية الشيوعية المقصودة لم تؤسس إنطلاقا من الذات الكوردية الحرة ،بل كانت فقط إمتداد لحزب البعث العربي الإشتراكي ،نفس الشيء ينطبق على العديد من الأحزاب الكوردية الإسلامية المصطنعة إنطلاقا من الأنظمة الإسلامية الغاصبة لكوردستان.
لا يمكن نكران أن هناك احزاب فهمت معنى الشيوعية بمعناها العلمي الدقيق ك"الحزب الإشتراكي الكوردستاني" في إقليم باشور كونه مؤمن بقوميته الكوردية أولا لذلك يتم إتهامه من طرف البعثيين العربكورد بالحزب المحرف ،فقط لأنه كوردستاني لم ينصهر في بوتقة العروبة رافض لمصيدة شيوعية البعث العربي و الإحتلال ،كما لا يخفى على الجميع أن نظام البعث العربي كان مرجعا و مدرسة لبعض الأحزاب الكوردية التي تسير على فكره و نهجه كمقاربة فكرية و إديولوجية و سياسية ،لدى فٱتهام الأحزاب القومية الكوردستانية ذات الموقق الثابت من الإحتلال بالبعثية تهمة باطلة لأن التجارب و الحقب و المواقف و الممارسات اسقطت الأقنعة عن الكورد البعثيون الشيوعيون و حتى الإسلاميون المواليون لأنظمة الإحتلال للإحتلال.
إن ما أكدناه بخصوص المدرسة النظامية الممنهجة على الشعب الكوردي في إقليم "باكور" الذي أصبح أسير الفكر و الرؤية يمكن إستنباطه من خلال تحليل و مقارنة القسمين التركي و الكوردي في تركيا ،حيث في مدارس "باكور" تمرر فيها دروس التتريك و الأسلمة بينما القسم التركي تدرس فيه العلوم و اللغات و الوطنيات التركية و التاريخ العثماني قصد النهوض بالشعب القومي التركي على حساب الكورد...،إن إقليم "باشور" لو لم يكن مستقلا ذاتيا في إدارة شؤونه لما كان كورديا و لما نجح الإستفتاء بتلك النتيجة الكاسحة لأن ذلك يرجع للمدرسة و الجامعة الكوردستانية التي حررت عقل الشباب الكوردي ،أما بخصوص إقليم روجاڤا فالفضل يرجع إلى الجيل الذهبي القديم الذي حافظ على كوردياتيته التي غرسها في الأسرة و القرية و التراب و الحجر قبل أن يتم زرع السرطان في جسم الكورد ،سموم النظام لا تقتصر على المدرسة فقط بل تدس كذلك عن طريق الأحزاب و الحركات و المنظمات و الجمعيات و غيرها.
إن كل مرجعيات فكر الأحزاب الكوردية التي لا تؤمن بقوميتها و وطنيتها و تاريخها و جغرافيتها و شعبها و ثقافتها و إستقلالها هي أحزاب رديفة ذات مرجعية غير علمية و عقيمة تسير في طريق مسدود و ألف تجربة سياسية اثبتت ذلك ،لهذا يجب على كل إنسان كوردي قبل ان يكون محزبا او تبعيا أن يدرس و يطلع أولا على المرجعية الفكرية للحزب لأنها النواة لنجاحه الشخصي أولا و للمشروع النضالي ،علما أن سر نجاح النضال لا يقاس بالشهرة و الكم بل بالشرعية و العلمية و الإيمان ،فالنضال من أجل المنصب و المقعد و الكرسي يجب ان يكون لأجل القضية الكوردية قبل الشخصنة ،زيادة إلى أن السياسي عامة يجب ان يكون نضاله خدمة و دعما لبلوغ الغاية التي تتمثل في إعادة وطن مسلوب و إستقلاله.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=23440