لماذا أغلبية الكورد مع استقلال كوردستان؟
التاريخ: الثلاثاء 07 تشرين الثاني 2017
الموضوع: اخبار



جان كورد

عوضاً عن أن يسأل العبادي نفسه هذا السؤال أو يتناقش حول طرحه نواب البرلمان العراقي، فإن الطغمة البغدادية فكرت في الرد على الشعب الكوردي وقياداته بالحرب المدعومة من قبل ميليشياتٍ تأتمر بأوامر دولة أخرى. وكان يجدر ببغداد أن تفكّر مليا، لماذا صوت شعب بأكمله للاستقلال؟ أما اتهام السيد البارزاني بارتكابه "جريمة ضد الدستور" فهذا غباء فعلاً، لأن كل أحزاب كوردستان شاركته الموقف وأثبت شعب كوردستان ولاءه لقيادته بكلمة "نعم للاستقلال"، إلاّ أن الطغمة البغدادية قد صارت أداةً بيد جنرالٍ إيراني منذ أمدٍ بعيد واختارت العدوان على إرادة هذا الشعب.


قبل الانتقال إلى موضوع استفتاء الاستقلال في جنوب كوردستان، يجدر بنا التأكيد على أن "الاستقلال" هو هدف كل شعوب الأرض، وهو حق مشروعٌ وعادل، حسب الشريعة السماوية وحسب المواثيق الدولية التي توقّع عليها كل دولة حينما تنتسب إلى منظمة الأمم المتحدة، ولا يُعقل أن تكون ثمة بنود سرية لهذه المنظمة تستثني الأمة الكوردية التي تزيد عن 40 مليوناً من النفوس من التمتّع بهذا الحق الدولي.
ولا يخفى أن هذه الأمة المظلومة قد عانت في تاريخها الطويل من شتى صنوف التمييز والاضطهاد وتعرّضت للمجازر وحروب الإبادة، وتم حرمانها من الاستفادة من خيرات أرض وطنها، وهذا يتعارض كلياً مع مبادئ العدالة وحقوق الشعوب في العيش على أرضها في حريةٍ وكرامة، فلماذا يقف أدعياء الحقوق والإنسانية ضد حق الأمة الكوردية في الاستفادة من ثرواتها وتحسين ظروف حياتها وتنظيم أمورها كيلا تصبح عالةً على غيرها من الأمم؟
كما أن الحدود المصطنعة التي رسمها المستعمرون الفرنسيون والانجليز، دون أي اعتبار لجغرافيات التوزّع الاثني للشعوب في المنطقة، وعلى أساس صون مصالح الاستعماريين في المنطقة، قد مرّ عليها مائة عام، ولا يمكن أن تظل هذه الحدود "مشروعة" لمائة عامٍ أخرى، وهي تضر بوجود الأمة الكوردية وباقتصادها وتطورها الاجتماعي وتفاعلها الإيجابي كأمةٍ ذات مميزات خاصة بها، ومعلومٌ أن سائر الأحزاب القومية والوطنية، اليسارية والمحافظة، العلمانية والإسلامية في كل الشرق الأوسط كانت تعتبر حدود سايكس – بيكو خيانةً لإرادة شعوب المنطقة وبهدف استغلالها وبث الصراعات فيما بينها ولنهب ثرواتها، فلماذا تنقلب كل هذه الأحزاب والقوى على مبادئها ومناهجها وسياساتها عندما يتعلّق الأمر بالأمة الكوردية التي تكافح من أجل إنهاء المذلة التي نجمت عن تلك الاتفاقية المجرمة؟ وتصبح هذه التيارات المختلفة فكرا وسياسةً إلى داعمةٍ لسايكس – بيكو، فماذا في الأمر؟ هل يعني أنها تكذب على شعوبها أم على نفسها؟  فهل من العدالة الإلهية أن يسيطر العرب القادمون من جنوب العراق أو الفرس من بلادهم أو الترك من غرب الأناضول على منافذ الحدود المرسومة على صدر كوردستان، ولا يحق للكورد أبناء المنطقة ذاتها إزالة تلك المنافذ أو السيطرة عليها؟ ألا قولوا لنا بأي شريعةٍ تحكمون؟
منذ سقوط صدام حسين في عام 2003 وإلى ما قبل دعوة القيادة الكوردية المواطنين في جنوب كوردستان للإدلاء بأصواتهم بصدد استقلال الإقليم أو عدمه، كانت المشاكل بين أربيل (هولير) تتراكم، إلى درجة أن الشعور لدى القيادة الكوردية تحوّل من إيجابية العمل مع الحكومة المركزية إلى سلبيةٍ واضحة ودامغة، وهذا التحوّل من حيز الموجب إلى حيز السالب ترك آثاره العميقة في الحياة الاقتصادية للإقليم، لأن الحكومة الاتحادية رفضت لسنواتٍ متتالية دفع الرواتب لموظفي الإقليم الكوردي، وهذا بحد ذاته جريمة أخلاقية قبل أن يكون خرقاً لمواد الدستور العراقي.  وهذه المشاكل ازدادت بشن الحكومة العبادية الحرب على الإقليم وستزداد مع الايام تراكماً لأن هذه الحكومة غير مستعدة أصلاً لتنفيذ مطالب الكورد المنصوص عليها في الدستور العراقي.
هذه الحكومة لم تنفذ العديد من بنود الدستور المتعلقة بالمناطق المحتلة من كوردستان التي تسمى تلطيفاً ب"المناطق المتنازع عليها"، وفي مقدمتها المادة 140 التي تم إهمالها حتى من قبل البرلمان العراقي الذي يزعم أنه يدافع عن الدستور ويسعى لإصدار القوانين في إطاره، بل في هذا البرلمان من يقول بصراحة: "هذه المادة ماتت ولا حاجة للجدال حولها." 
وثمة نقطة لابد من التطرّق إليها كسببٍ مباشر لدفع الكورد صوب المطالبة بالاستقلال، ألا وهو التواجد الكثيف لنظام الملالي الإيراني في العراق، حيث هناك عشرات المنظمات المسلحة وغير المسلحة، كلها تتحرك وفق أجندات طائفية ضيقة ومعادية للشعب الكوردي، بل إن تسلل هذه المنظمات والمخابرات الإيرانية مستمر وخطير في مدن كوردستانية هامة مثل السليمانية، كما أكد الخبير الأمريكي ديفيد بولوك من معهد واشنطن، والهدف من هذا التسلل هو محو وإزالة الواقع الكوردي المتسم في تلك المدينة العريقة بكفاحها القومي الناضج وجعل المدينة كأي مدينة عراقية تقع في جنوب بغداد، ليس فيها سوى رايات الطائفة. والكورد في غالبيتهم العظمى مسلمون سنة معتدلون أو يزيديون أو مسيحيون أو من أقلياتٍ أخرى لا تريد أن تصبح توابع لطائفةٍ دينية تسعى لنشر أفكار ولي الفقيه، بل هم يسعون لبناء مجتمعٍ ديموقراطي يتسع للجميع ويؤسسون لحياة سياسية – اجتماعية مشتركة لكل الطوائف والاتجاهات الفكرية والسياسية، أما الذي تمارسه الحكومة العبادية التابعة لنظام الملالي من سياسات معادية لوجود الشعب الكوردي وساكتة عن نشر هذه المفاهيم الطائفية، لدرجة أنه بنفسه لم يعد قادراً على اتخاذ أي قرار دون تدخل إيراني، فهو سبب لدفع الكورد إلى اختيار "الاستقلال"، فلو حقق العبادي الأمن والاستقرار وكافح ضد الفساد بقوة، وصان العراق من التدخل الايراني السافر، لما فكّر الكورد في الاستقلال كبديلٍ للتخلص من المستنقع العراقي الفاسد.
إن لاختيار شعبنا "الاستقلال" فوائد كثيرة، وفي مقدمتها حماية النفس من حياة التبعية للنظم المعادية التي لم يكن لها هدف إيجابي في كوردستان، وإنما نهب الثروات الكوردستانية وإذلال شعبنا وتسخير قواه وموارده لتثبيت حكمها ودوام سلطتها، وهذا ليس في جنوب كوردستان فقط، وإنما في سائر أنحاء الوطن الكوردي.  ولذلك فإن شعبنا الواعي قد أقدم بنسبة 92% أو أكثر على الإدلاء ب"نعم" للاستقلال، وليس لمجرّد أن بعض الشباب ما عادوا يطيقون العيش في القفص الطائفي الذي اسمه العراق. 
لذا برأيي هو أن تعيد كل أحزاب كوردستان النظر في برامجها السياسية وتتحوّل من سياسة "تجزئة كفاح الأمة الكوردية" إلى استراتيجية شاملة تحقق وحدة قوى الأمة الكوردية، سياسياً وعسكرياً وتنظيمياً ومن حيث تنظيم العلاقات الدولية، فالأعداء متفقون على إزالة وجودنا ونحن نضرب على أوتار المناطقية والايديولوجيات والتحزب، بل حتى على أوتار العشائرية مع الأسف.  فمتى كانت تجزئة القوى طريقاً للانتصار على أعداءٍ متحدين ضدنا؟  وليتأكد قادة هذه الأحزاب والقوى التي لا تعد ولا تحصى أن "القوة في الاتحاد عملياً وليس كلامياً" فقط... لابد أن نبدأ بتغيير حقيقي في إدارة الصراع الكوردستاني بعد أن تأكدنا من أن الأعداء لن يرحمونا، حتى ولو طالبنا بقصعة أرز وخبز للاجئين لا أكثر ولا أقل، فلن يسمحوا لنا بأن نتخذ أي قرارٍ بأنفسنا.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22965