المرجعية الكردية في سوريا بين الطرح والطموح
التاريخ: الأربعاء 11 تموز 2007
الموضوع: اخبار



عـبداللـه إمام  (*)

    ازداد الحديث في الآونة الأخيرة حول ضرورة تشكيل مرجعية كردية تحتضن مختلف فصائل وقوى وتعبيرات العمل القومي الكردي في سوريا، لتشكل أداة موجِّهة وممثِّلة لنضال الشعب الكردي في سوريا من أجل إيجاد حل ديموقراطي لقضيته القومية.


عود على بدء :
   ليس هذا الموضوع بجديد ، بل هو يعود من حيث الفكرة إلى بداية نشوء الحركة القومية الكردية في سوريا، إذ تجسدت الفكرة من خلال تأسيس الپارتي الديموقراطي الكردستاني في سوريا عام 1957م كجهة ممثلة للكورد السوريين، ثم كان للقائد القومي الكردي مصطفى بارزاني دور ومساهمة في لم شمل الحزبين الكرديين السوريين وإعادة توحيدهما في حزب واحد في مؤتمر ناوبردان عام 1970م. ثم طغت مرحلة من الانقسامات الحزبية الكردية التي لم تخل من حالات تأطيرية، كالتحالف الديموقراطي الكردي في سوريا الذي ضم ثلاثة أحزاب في عام 1986م، ثم تأسس في عام 1992 إطار آخر بنفس التسمية وضم غالبية الأحزاب الكردية في سوريا.
   وقد أفرزت انتفاضة آذار عام 2004م الكردية في سوريا إطاراً ارتجالياً ضم مجموع الأحزاب الكردية في محاولة منها لمواكبة أحداث الانتفاضة والتعبير عنها ومحاولة توجيهها بالوجهة التي تريد. وقد انفرط عقد هذا المجموع بعد انتهاء الانتفاضة ليعود الوضع إلى ما كان عليه.
   وكان لنشوء حزب آزادي الكردي في سوريا من خلال اندماج حزبين تحت رايته وانضمام مجموعات وأفراد آخرين إليه أثر بالغ على الساحة الكردستانية السورية، وكان ذلك تعبيراً عن مدى حاجة هذه الساحة إلى إطار يستطيع تمثيلها وتوجيهها وقيادة العمل القومي الكردي في سوريا بذهنية معاصرة وآليات عمل جديدة ومبدعة من خلال الأدوات النضالية التي تلبي حاجة المرحلة وحاجة الساحة السياسية الكردية والسورية.
   إلا أن الحدث الذي أعاد إثارة النقاش حول موضوع المرجعية الكردية هو مؤتمر بروكسل الذي انعقد في شهر أيار عام 2006م، ولعل هذا هو الفضل الوحيد لذلك المؤتمر، حيث أنه ادعى محاولة تأسيس مرجعية كردية من خلاله، إلا أنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً بل أضاف إلى الأحزاب والحزيبات الكردية في سوريا أسماء جديدة لم تكن الساحة الكردية تحتاجها، بل كانت هذه الساحة – ولا تزال – تئن تحت وطأة بعض الأسماء السابقة.
في ماهية المرجعية :
   لا يزال البعض يعتقد بأن المرجعية الكردية المنشودة هي مجرد إطار يغلق الباب على المنضوين تحت لوائها لـ «رفع العتب» وإيهام الناس بأن المراد قد تحقق، ويعتقد البعض الأخر بأن إثارة النقاش حول هذا الموضوع هو لمجرد إشغال الساحة الكردية وقواعد أحزابها بمثل هذا الموضوع الحساس حتى تغض النظر عن أخطاء قياداتها وذنوبهم والفراغات التي يخلفونها، أما البعض الثالث فيعتقد بأن الهدف من تشكيل المرجعية هو الحفاظ على الحالة القائمة والأطر والأدوات النضالية العقيمة وحمايتها من السيل الجماهيري المحتقن..
   وبغض النظر عن مدى صحة أو خطأ الاعتقادات المذكورة أعلاه ، فإن المرجعية الكردية المنشودة يجب أن تختلف عن تلك الاعتقادات وتدحضها، من حيث ماهيتها ودواعيها؛ فالمرجعية ليست مجرد  إطار عقيم يكتفي بجمع الأحزاب والقوى والتعبيرات الكردية من سياسية ومدنية واجتماعية وثقافية ..الخ تحت راية واحدة، بل هي جهة تمثيلية وتوجيهية (تشريعية) للعمل القومي الكردي، ترجع إليها الفصائل الكردية في ثوابتها القومية وخطواتها المصيرية، سواء تلك التي تعلقت بموضوع الديموقراطية للوطن السوري عموماً أو التي تعلقت بحل القضية الكردية خصوصاً، وذلك من حيث الأهداف القومية والوطنية وتحديد أسلوب أو طابع النضال من أجل تحقيق تلك الأهداف، والجهات التي ينبغي التعامل معها وإقامة العلاقات الاستراتيجية معها، أما النضال نفسه من حيث تكتيكاته وأشكاله وحجمه وتوقيته وطرق أدائه وسبل إدارته.. فهي مسائل تخص الفصائل المناضلة سواء انضوت تحت مظلة المرجعية أم لا. علماً بأنه من المفضل – وليس من الضروري – أن يكون هناك اتفاق أو وفاق بشأن ذلك.

في ضرورة المرجعية :
   إن الوضع الراهن للحركة القومية الكردية في سوريا – وخاصةً في شقها السياسي – لم يعد مقبولاً لا من حيث الذهنية ولا من حيث الأداء؛ إذ أن غالبية الفصائل السياسية الكردية ما تزال تتعامل بعقلية ما قبل 12 آذار 2004م – وبعضها بعقلية ما قبل 1990م حتى – مع الواقع الحالي المختلف محلياً وإقليمياً ودولياً عما قبل التاريخين المذكورين.. ولعل جميع ممثلي هذه الفصائل باتوا قريبين من الاقتناع بأن الوقت قد حان – إن لم يكن قد مضى – للتأقلم مع الواقع الجديد، إلا أن ذلك الاقتناع لم يترجم عملياً إلا لدى قوى معينة ودون المطلوب، وبناءً على هذه المقدمة لا يمكننا استبعاد التشاؤم من جهة النتائج التي ستتمخض عن المداولات الجارية بشأن تشكيل المرجعية، ولكن هذا لا يعني بأن الأمل مفقود أو ضعيف جداً، بل ينبغي أن نبعد حياتنا عن الضيق من خلال التمسك بفسحة الأمل.
   ورغم قناعتنا ببعض السلبيات التي يمكن أن تنجم عن إيجاد المرجعية بعد إنجازها، إلا أن فوائد تلك المرجعية ستكون أكثر من سلبياتها إذا ما تم التعامل معها بروح من المسؤولية التاريخية القومية والوطنية وليس بدافع حفظ الذات الحزبية أو الشخصية. فلا ضير إذاً من أن تنضوي الأطراف السياسية الكردية المتواجدة على الساحة الكردية في سوريا في ظل إطار تمثيلي كردي أو مرجعية كردية، ولكن ينبغي أن يكون الهدف قائماً على مقدمات صحيحة وأركان سليمة.

أين بلغت جهود بناء المرجعية :
   إن بناء المرجعية الكردية المنشودة يمر عبر مراحل يجب التركيز على كل منها والعمل لها :
1- الميثاق النظري (السياسي) للمرجعية : ويعلم كل متابع للشأن العام أن كلاً من الجبهة الديموقراطية الكردية في سوريا والتحالف الديموقراطي الكردي في سوريا وحزب آزادي الكردي في سوريا وحزب يكيتي الكردي في سوريا (وهؤلاء يشكلون الجسم الأساسي للحركة السياسية الكردية في سوريا وهي بدورها تشكل الجسم الأساسي للحركة القومية الكردية في سوريا)، قد اتفقوا منذ عدة أشهر على قبول الرؤية المشتركة للجبهة الديموقراطية الكردية والتحالف الديموقراطي الكردي كمسودة نقاش للوصول إلى رؤية كردية سياسية مشتركة، كما اتفقوا في بندٍ ثانٍ على أن يعملوا من أجل بناء مرجعية كردية في سوريا.
   وقد أدت النقاشات و المداولات بين هؤلاء إلى التوافق والاتفاق على رؤية سياسية مشتركة فيما بينهم ما تزال حبراً على ورق وتنتظر تواقيع الموافقين عليها. وهنا برز إشكال الإعلان من عدمه؛ فلجنة التنسيق الكردية تطالب بالإعلان عما تم الاتفاق عليه ونشره من خلال وسائل الإعلام ومن ثم العمل على إيجاد المرجعية المنشودة، أما الباقون (التحالف والجبهة) فلا يوافقون على الإعلان ويصرون على عقد ما يسمونه بـ «المؤتمر الوطني الكردي» الذي سيقر الرؤية المشتركة المتفق عليها كما سيفرز مرجعية كردية حسبما يعتقدون.
    وإذا كان من رأي لنا هنا، فإننا نجد في موقف الجبهة والتحالف إصراراً لا مبرر له، فهو من جهة يصر على سرية ما اتفق عليه وكأن أصحابه – من أطراف التحالف والجبهة – محرجون أمام الرأي العام، وخاصة حلفائهم في «إعلان دمشق»، أو هم غير واثقين من أو مقتنعين بالصيغة المنجزة ويريدون تحميل مسؤولية تبنيها للمؤتمر الوطني الكردي الذي يتمسكون به. وكذلك نراهم بعيدين عن التعامل الديموقراطي عندما يفرضون قالباً أو آلية لتشكيل المرجعية وبشكل مسبق – وهو ما يسمونه بـ «المؤتمر الوطني الكردي» - ودون إعطاء حق المناقشة في ذلك لأطراف لجنة التنسيق.
2- العناصر التي تدخل في تشكيل جسم المرجعية، ويقصد بها القوى والأحزاب والفعاليات التي تلتئم تحت لواء المرجعية : وهي بحد ذاتها ستكون محل أخذ ورد. فالاتفاق الأولي بقبول الرؤية المشتركة للجبهة والتحالف تم بين الأطراف المذكورين (التحالف، الجبهة، آزادي، يكيتي) ثم تمت الموافقة على إشراك تيار المستقبل تحت اسم لجنة التنسيق الذي يضمه مع حزبي آزادي ويكيتي. ولبعض لم يوافق على المشاركة.. أما الآن فهناك رأيان:
- رأي يدعو إلى إشراك المستقلين كممثلين عن الفعاليات المجتمعية مع الأحزاب من خلال جمعهم تحت خيمة «المؤتمر الوطني الكردي» الذي سيفرز مرجعية كردية. وهذا الرأي يتبناه كل من التحالف والجبهة.
- رأي يدعو إلى الالتزام بالاتفاق المشار إليه وذلك بإنجاز الرؤية السياسية المشتركة وإعلانها للرأي العام ومن ثم البدء بالمرحلة الثانية: مرحلة العمل على تشكيل المرجعية الكردية وذلك بالتداول معاً في سبل ووسائل وأشكال وآليات إنجاز هذه المرجعية، وليكن «المؤتمر الوطني الكردي» أحد الخيارات لا الخيار الوحيد. وهذا الرأي تتبناه لجنة التنسيق.
3- آلية تشكيل المرجعية والأرضية التي ينبغي أن تبنى عليها وتنطلق منها: وهذه المرحلة لن تتم إلا بإنجاز المرحلة الثانية بحيث تتمخض المداولات والمناقشات عن اتفاق على سبل ووسائل وأشكال وآليات إنجاز هذه المرجعية. وبذلك يتم التحضير السليم المؤدي إلى المرجعية المنشودة.
4- الأداء النضالي الذي ينتجه جسم المرجعية وعناصره، ويتوقف مدى قوة هذا الأداء على مدى مساهمة العناصر المذكورة في البند الثاني أعلاه وكذلك على الآليات التي تتفق عليها هذه العناصر لإخراج المساهمة المطلوبة بصورتها الناجزة. وهذه المرحلة تلي إنجاز المرجعية بجسمها المادي الذي لن يكون كافياً بل سيكون عقيماً ما لم تساهم الأطراف والأعضاء المنضوون تحت راية المرجعية المنجزة بكل ما أوتوا من إمكانيات وقوة وبروح من إيثار هذه الحالة وتفضيلها على الخصوصيات والأنانيات الحزبية أو الشخصية.
    إن المرجعية الكردية المنشودة تعتبر ضرورة قومية كردية، وكذلك ضرورة وطنية سورية.. وإن إنجازها يعد مسؤولية تاريخية تقع على عاتقنا جميعاً: القيادات باعتبارها صاحبة القرار، والقواعد باعتبارهم قوة ضاغطة على القيادات، والجماهير – وخاصة النخبة – باعتبارها قوة مؤثرة في الأحزاب.. فهل نكون جميعاً على مستوى هذه المسؤولية، أم نستمر في البحث عن ذواتنا وأنانياتنا دون الاكتراث بما يمليه علينا الواجب؟؟..
30/6/2007م
ـــــــــــــــــــــــــــــ







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2286