بدعة حق تقرير المصير الثقافي
التاريخ: الأحد 02 تموز 2017
الموضوع: اخبار



 زاكروس عثمان

تظل الأزمة السورية أم المفاجآت على كل صعيد حيث تأتينا كل ساعة بهرطقات وبدع ليس لها سوابق في التاريخ، ولعل آخر هذه البدع وليس آخرها هو  ما صدر عن ورشة عمل حول الأقليات في سوريا نظمتها منصة اسطنبول. 
تشير الوثيقة التي أتت بها المنصة  الاسطنبولية  أي التي تمثل رؤية  الحكومة التركية  لملف  الأزمة السورية إلى نقاط إشكالية عدة  تتطلب الوقوف عليها  والتدقيق في نصوصها  كونها صيغت بشكل مدروس يستهدف ملف غربي كوردستان وتفقده مضمونه الأساسي و تختزله في حقوق ثقافية. 


وهذا واضح من عنوان عمل الورشة سابقة الذكر(حقوق الأقليات في سوريا) إذ طالما تنظر المنصة الراعية للورشة إلى الشعوب السورية نظرة اكثريات وأقليات فهذا يكفي للتوجس من أهدافها ومراميها، لأن تصنيف الشعوب و القوميات والهويات الدينية  إلى اكثريات وأقليات بناءا على المعيار  العددي ما هو الا تصنيف متخلف - عنصري  فالشعوب متساوية  في حقوقها  بغض النظر عن الفارق العددي بين شعب وآخر، كما أن فكرة الكثرة العددية لا تليق بالدول المعاصرة بل هي فكرة قبلية - عشائرية صرفة تسوق حتما إلى استعلاء الكثرة على القلة وبالتالي الظلم والعدوان أي عودة النزاعات والحروب  إلى نقطة الصفر، وكان الأجدر بالقائمين على الورشة - لو كانوا صادقين - أن يلتزموا الدقة في استخدام المفاهيم والمصطلحات كأن يذكروا مصطلح الشعوب السورية عوضا عن الأقليات في سوريا، ولكنهم حصروا صفة الشعب بالمكون العربي الاكبر عدديا أما غير العرب فاستكثروا عليهم صفة الشعب بل هم مجرد أقلية" إثنية" وبالتالي فإن ثلاثة مليون كوردي لا يشكلون شعبا بل هم اثنية ثقافية تعيش في ضيافة الشعب العربي  وهذا يعني تحويل الملف الكوردي من قضية شعب وأرض إلى مسألة ثقافية لا اكثر ولا اقل.
 واضح  ان  من قام بصياغة البيان قد استعان بخبراء قانونيين ومستشارين من استخبارات الدول الصديقة!! لنزع الصفة السياسية عن ملف غربي كوردستان في وقت يشهد هذا الملف صعودا بوتيرة عالية قد يفضي الى انجاز كبير تحققه بعض القوى الكوردية، وتأتي وثيقة منصة اسطنبول استكمالا لمحاولات أخرى تستهدف تقزيم وتشويه ملف غربي كوردستان بغية الإتيان بحلول وهمية  ترضي الأطراف المناوئة للشعب الكوردي .
وفي الواقع فإن الورقة التي قدمتها ورشة اسطنبول لا تحتوي على مشروع حل ملموس بقدر ما تكون دراسة تخيلية ناقصة، حيث تشير إلى أن نظام الحكم  في سوريا نظام شبه رئاسي ونحن نعلم بأن هناك شكلين من أنظمة الحكم النظام الرئاسي والنظام البرلماني أما شبه رئاسي أو شبه برلماني فلم نسمع به وربما تم تمرير مفردة نظام شبه رئاسي تماشيا مع رغبة الرئيس التركي الذي يعمل على تحويل النظام التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي إذ يجب أن تتبع سوريا الغد تركيا الشقيقة! وفيما يتعلق بالعمل النيابي فإن ورقة الورشة الاسطنبولية تقترح برلمان من غرفتين الأولى تضم ممثلي المكونات السورية وتكون نسبة ممثلي كل مكون حسب قوة توزعهم  أي حسب العدد بمعنى آخر ضمان تفوق ممثلي المكون العربي على ممثلي باقي المكونات اما الغرفة الثانية يتم فيها تمثيل الأقاليم بشكل متساو بين  نواب كافة المكونات، ولكن الوثيقة لم تشر إلى الصلاحيات التشريعية لكل من الغرفتين ولم تحدد أيهما تملك سلطة رفض أو قبول تمرير مشاريع  القوانين والقرارات المقدمة من السلطات التنفيذية فإن كان ذلك من اختصاص الغرفة الاولى فهذا يعني ان التحكم بتمرير مشاريع القوانين سيكون بيد الكتلة النيابية الاكبر عددا اي النواب العرب ولا أظن أن نائب عربي واحد في البرلمان العتيد  سوف يقبل بتمرير مشروع قانون واحد ينصف الكورد. 
ورغم أن الوثيقة الاسطنبولية ليست ذا قيمة إلا أن خطورتها تكمن في تورط اطراف وشخصيات كوردية لهم صفة رسمية  بالمشاركة في الورشة  والتوقيع على الوثيقة الصادرة عنها، سوف أقف على هذه النقطة لاحقا، ولكن بعد الحديث عن المغالطات المتعمدة التي أوردتها الورشة في بيانها، إذ أنها تحاول تذويب الملف الكوردي في ملفات ثانوية دينية وثقافية وذلك  بالخلط بين مسائل متعلقة بالهوية القومية والمسألة الدينية ما  يوحي بأن مسألة الكورد  مسألة جانبية لا تتعدى القضايا المتعلقة بالمسائل الدينية والثقافية متناسية الاختلاف الكبير بين الملف الكوردي بصبغته السياسية" القومية"  الناصعة وبين الحقوق الدينية لدى اتباع الطوائف والمذاهب - غير الإسلامية -  متجاهلة عن قصد  بأن  غالبية  المواطنين السوريين غير المسلمين  ليست لديهم قضية قومية ولم يتعرضوا للاضطهاد على الهوية القومية كونهم مواطنون عرب  فالمسيحيون بالداخل وكذلك الدروز والإسماعيليين  ليست لهم مطالب قومية باعتبارهم عربا أما حقوقهم الدينية فهذه مسألة ثانية ، ولهذا لا يصح مطلقا  إسقاط حالتهم على الحالة الكوردية فالكوردي يعاني اضطهاد قومي - سياسي وليس اضطهاد ديني ومن يحاول خلط هذه القضية بالمسائل الدينية إنما يريد تمييع القضية الكوردية، ومن يدري غدا قد تتحفنا منصة ما وتقول إن جوهر المسألة الكوردية هو ديني، كما اتحفتنا المنصة الاسطنبولية بمقولة الاثنية واشارت الى الكورد بحذر وخوف مبالغ فيه، وليت الامر توقف على توصيف الشعب الكوردي بالاثنية بل انهم تمادوا الى درجة الاتيان ببدعة "نهفة" حق تقرير المصير الثقافي للاقليات يعني ايها الكوردي يحق لك الرقص والغناء بلغتك الام وتداولها في الاعلام والمدارس كما يحق لك العزف على الطنبور وارتداء الشال والشابك ولا يحق لك ان تطلب اكثر من ذلك واحمد ربك كاقلية  اننا وهبناك  كل هذه الحقوق، طيب وماذا عن الارض والشعب والادارة والسلطة لا لا ايها الكوردي انت غير جدير بان تحكم نفسك بنفسك فلا تحلم بحكومة وبرلمان محليين فهذا من اختصاصنا اما انت تعال اجلس في برلمان العاصمة واستغرق في نومك الى انتهاء الجلسة.
في الحقيقة لم اجد بدعة تعادل بدعة حق تقرير المصير الثقافي سوى بدعة الأمة الديمقراطية التي أوجدها حزب الاتحاد الديموقراطي إذ كلاهما يندرجان في محاولات تشويه وتمييع وتحجيم مسألة كوردستان الغربية، ومثل هذه البدع تعكس مواقف و نوايا الأطراف السورية والعواصم  المناوئة للشعب الكوردي و نحن لا نعاتب هذه الأطراف إذ من السذاجة معاتبة الخصوم.
ولكن العتب يقع على الأطر والأحزاب والشخصيات المحسوبة على الكورد التي شاركت في هكذا ورشة ووقعت على الوثيقة الصادرة عنها وهي تعلم علم اليقين أن التوقيع يعني القبول بمضمون الوثيقة وبالتالي فان الكورد الذين وقعوا على الوثيقة شركاء في إنتاج بدعة "حق تقرير المصير الثقافي" أي أنهم شركاء فعليين للخصوم في محاولات نفي الطابع القومي - السياسي للقضية الكوردية ، ولا نعلم  الأسباب التي دفعت هؤلاء الكورد الى التوقيع على وثيقة تنسف مسألة غربي كوردستان من أساسها، هل هي جهل هؤلاء بقراءة ما بين سطور الوثائق السياسية التي يوقعون عليها ، ام هي عقدة النقص لدى هؤلاء الذين يتهافتون ويتسابقون على تقديم تنازلات مؤلمة ومجانية إلى الخصوم، ام انهم اطراف واشخاص غير جديرين بحمل ملف القضية الكوردية كونهم لا ينظرون إلى هذه القضية إلا من منظور مكاسبهم ومصالحهم الخاصة فالمسألة بالنسبة لهم ليست منازلة الأنداد والإصرار على انتزاع  نقاط محورية تخدم الشعب الكوردي بل دينهم وديدنهم وضع القضية في خدمة امتيازاتهم الصغيرة وهي الحصول على علاوات مالية  ضخمة والسكن في فنادق فاخرة واشياء اخرى! مقابل اشتراكهم في هكذا أنشطة مشبوهة، ولو كانوا حريصين فعلا على الحقوق المشروعة للشعب الكوردي ما كانوا يوافقون على التوقيع على وثيقة تختزل الملف الكوردي في مسائل ثقافية وتمثيل شكلي في مؤسسات الحكومة المركزية بالعاصمة، من يمثل الكورد لا يرضى بفضلات الغير ومن بمثل مصالحه الخاصة مستعد لبيع كل شيء. 
   







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22364