تنبَّهوا تنبهوا أيها الكتّاب الكتّاب
التاريخ: الثلاثاء 27 حزيران 2017
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود

ما أكتبه هنا، له صفة العمومية والخصوصية معاً، وله أيضاً صلة بتلك الكلمات التي نكتبها أحياناً على الكتاب المهدى أو المقدّم لشخص ما، وما في ذلك من طابع بروتوكولي، وتبعاً للشخص والموقف منه. وثمة أكثر من سبب لكتابة هذه الكلمات، سوى أن المشكل يبدأ عندما يحاول البعض ممن يستشعرون نقصاً في نفوسهم، ويتحينون فرصة لتأكيد هذا النقص، لحظة مواجهة كاتب ما، كان قد أهدى لأحدهم، أو قدَّم له كتاباً، أو ربما هو من طلبه منه، مع إمكان تسطير بعض الكلمات عليه من باب الذكرى، ليعتبر ذلك اعترافاً به من جهة، وسلاحاً في يده يشهره في وجه مهديه  من جهة ثانية،إن أفصح عن موقف نقدي منه تالياً، وهذا ما نألفه لدى كم لافت من " الكتاب الكُرد " ممن يعرّفون بضآلتهم بالطريقة هذه ..!


والحال هو أنه يمكن النظر في الكلمات المودعة على الكتاب" في إحدى زوايا أو جانب من صفحته الداخلية "، ليس على أنها تمثّل شهادة تبريز من قبل الكاتب، وهي تقدَّم للآخر، كما يتوهم، إلا إذا تسطَّر القول عن طيب نية، ورغبة في تحفيز ذائقة المهدى إليه، لكي يمارس المزيد من القراءة ويقبل على الكتابة، وهو يثني عليه، ويطربه بكلماته هذه، وهذا ما ينبغي التنبه إليه والحذر منه، من جهة هؤلاء الذين لا يكادون يلوحون بالمهدى إليهم، لا بل والتمادي إلى درجة الوقاحة، حين يزعم أحدهم بأن مؤلف الكتاب هو من عرض عليه كتابه هدية له، وربما يستخف به، من باب التعالي من جهة، وما أن يحصل موقف ما كما تقدَّم، بعد أن يصبح هو في عِداد الكتاب خاصة، موقف نقدي، حتى سرعان ما ينبش في " مكتبته " ويشهر تلك الكلمات إثباتاً إلى لاسوية ناقده وتشديداً على أن طفيليّ الكتاب هذا هو الصائب كتابةً من جهة أخرى، وبالكرد والكردايتي هذا هو البلاء الأعظم وغير المحتسب ولا أكثر منه استفحالاً .
طبعاً يدخل، في سياق هذا النوع من التعامل، ما تسطّره من كتابات لها صفة المجاملة اليومية، في رسالة " ميسيج " على الموبايل، أو عبرالإيميل، وما في ذلك من ملاطفة واستحسان قول، وحسن تقدير، في موضوعات عامة، حتى تلك الكلمات ذات الصلة بمقال أو كتاب منشور من نوع " سلمت يدك، أحسنت، جميل، مع المزيد من التقدم ...الخ "، وهي عمومية، طالما أن ليس من بينها عبارة تسمي محتوى النص حرفياً، إنما تكون إنشائية...
 وإن توقفنا عند هذا النوع من العلاقات، نجد أن هناك مستويات من التعامل، وكما قلت، فإن الكاتب المهدي كتابه لشخص ما، قد يصبح ضحية بساطته وحسن نيته في الآخر:
ثمة أشخاص يُهدَون كتباً، كونهم يستحقونها، أو لأنهم كتاب، ويكون الإهداء تعبيراً عن تقدير من جهة، ورغبة في التواصل الثقافي من جهة أخرى. ولعل هذا النوع قد ينطوي على غبن يلحق بالمهدي لاحقاً، حين يستهين الآخر أحياناً بكتابه أو يعبّر عن تعاليه، وهنا ينكشف أمره، أي ما هو عليه حقيقةً، وكأن الكتاب المهدى إليه اعتراف بمرتبة إضافية له، أو تمايزه، وما أكثرها من حالات من هذا القبيل، وهذا يتطلب الحذر في التعامل والتقدير معاً.
ثمة أشخاص آخرون يلحُّون عليك بأن تهديهم كتبك، وهم يتحركون على خط الكِتاب، أو يسعون جاهدين لأن يصبحوا كتاباً، وإلحاحهم عليك بأن تهديهم كتبك، قد لا يستند إلى علاقة ود، وإنما إلى ما هو مبيّت، وتحديداً حين يزداد الطالب إلحاحاً بأن تكتب له بعض الكلمات التي تفرحه، وعلى طريقته، والمقصد يكون في سياق تحين الفرصة، كما هو الجاري بين كثيرين " معي في أكثر من حالة وغيري، فما أكثر الذين كانوا يلحون علي بهذا المطلب، لا بل يحصّلون نسخاً من كتبي ومن باب الاستعارة وتذهب دونما رجعة، ليتباهى هذا " الحرامي " أو ذاك، أنها كتب مقدّمة دون رد، وفي الطرف الآخر، حين تتحول كلمات الإطراء أحياناً إلى تشهير بكاتبها، وهأنذا أشدد عليها ثانية إبرازاً لخطورة هذه النقطة .
أي حين يتحول الإلحاح في الطلب، والحصول على الطلب إلى لعبة بغيضة يجري تحضيرها لحالة لاحقة، سواء جهة استخدام الكلمات تلك ضد طرف ما، أو ضد كاتبها بالذات، وهذا ما يمكن تلمسه في أوساطنا " الثقـ"ـخـ"افية، بجلاء، ومن خلال شكاوى " الكردي الفصيح " من معارف وأصدقاء أعرفهم عن قرب، أو أسمع بهم هنا وهناك، تجاه هذه العدوى المستشرية، وكيف أن المهدى إليه في لحظة يشعر أن فرصته قد سنحت، فيتثعلب ويتبعض ويتقرض ويتضفدع...الخ، تأكيداً على خلوه من أي أثر من أثريات الثقافة الجادة.
وثمة أشخاص، وهم قلة قليلة، يحافظون على ود قائم، ويعتبرون الكتاب المهدى جديراً بالرعاية والاحتفاء به، لأن فيه عصارة حياة كاتب، وهم أناس عاديون وودودون ولهم ملَكة ثقافية لا صلة لها بعالم الكتابة إنما متنورون اجتماعياً، وهذا ما ينبغي الاهتمام به، وأشخاص يقدّرون الكتاب وكلما يكتب عليه، لأنهم يعلمون نوع الجهد المبذول في ذلك مهما اختلفت المواقف، ومعهم بعض الكتاب الذين يعيشون مأساة الكلمة، وضعف موقعها، وكثرة المتسلقين خلالها.
هنا أشير إلى غياب عنصر رئيس في بنية العلاقة هذه، هذا إذا كانت علاقة، وهو عنصر البلادة والخبل والخبث معاً، لدى الذين لا يعيرون عامل الزمن أي قيمة، تأكيداً على أنهم لا يمتلكون أدنى معرفة بفعل الزمن ومستجداته، فالزمن هو المحك لأي علاقة، والمواقف لا ترتَسم على الورق، ولا كانت عبارات التثنية والمديح ببعيدة عن تقدير نفسي وزمني مؤقت، يظهر أن المهدى إليه قد خيَّب الآمال، ولم يكن في مستوى العبارات تلك، بقدر ما أفصح عن تشوهه النفسي من الداخل، وهذا يدفع بي إلى وجوب التزام الحذر في كتابة عبارات توقع بكاتبها ذات يوم، رغم أنها لا تمثّل مستمسكات لإثبات تناقضه، إن دققنا في الجوانب الاجتماعية والقيمية في هذه النوعية من العبارات، ولا بد أن هذا مستجداً كهذا يدفع إلى المزيد من التنبه إلى ذلك .
إذ إن الفاعل الأولى في تعزيز الأخلاقية الثقافية، هو كيفية الفصل بين سلوك اجتماعي منفتح، يُبتغى من ورائه إفادة الآخر، وتقوية الرابط  الاجتماعي إلى جانب استنهاض الملَكة الثقافية،  أما في مجمل الحالات التي نتشكّل ظاهرة عامة وخاصة" أي ليست كردية حصراً"، فمن السهل تبيُّن تلك الضحالة الفكرية، والضمور الثقافي وليس حضوره، ولو كان لأحدهم عدة كتب وعشرات المقالات المنشورة طالما يفتقر إلى أخلاقية احترام الذات والآخر قبل كل شيء، وهي حدود لا بد أن تراعى في مثل هذه المواقف وتعرضها لمؤثرات شتى بالتأكيد.
أيها الكتاب الكتاب، تنبهوا إلى هؤلاء الذين يخالطونكم في بيوتكم، يطأطئون رؤوسهم على عتبات بيوتكم، يصغون إليكم إصغاء المريد إلى شيخه، يلتزمون الصمت تبجيلاً لمتحدثه، هؤلاء الذين يخاطبونكم بعبارات التوقير والتقدير والتبجيل والتعظيم، ويهنئون أنفسهم لأنهم رأوكم أو جالسوكم في مكان عام، ويكون يوم سعدهم إن احتسوا كأس شيء بصحبتهم، وما هي إلا ومضة زمنية، حتى يفاجئوكم بما هو مخبأ، وأدلته: تلك الكتابات العامة والمجاملاتية المسطورة على الكتاب، أو ما هو مسجل في مكان ما، أو الصورة المشتركة في موقف ما...الخ، ناسين أو متناسين أن العبرة ليست في التلويح بما آل إليه أمرهم، إنما في المواقف التي تكون محكاً لتقدير نوع رجولتهم، إنسانيتهم، جرأتهم في التعبير عن وضع ما، وثمن الثقافة المدفوع.
دهوك ، في 27-6-2017 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22342