رسالة الخزنوي لنا في حاضرنا 3 : الهروب من المسؤولية
التاريخ: الأحد 11 حزيران 2017
الموضوع: اخبار



الدكتور مرشد معشوق الخزنوي
 
عندما نستذكر شيخ الشهداء معشوق الخزنوي ، نستذكر انتفاضته وطوفانه على مدى سنتين منذ اللحظات الأولى لانتفاضة قامشلو إلى يوم اختطافه في العاشر من أيار عام 2005 ، ويدرك الجزريون جيداً  كيف كان شيخ الشهداء صوت هادراً لا يخشى شيء ، وغير مخفي عن العارفين نشاط الشيخ الفردي والمجتمعي الذي كان في الاطار التوعوي من خلال خطبه ومحاضراته قبل ذلك ، كيف انقلبت الى واقع عملي منذ إطلاق أول رصاصة ، وقد كان باستطاعة شيخ الشهداء ، أن ينأى بنفسه عن تلك المحرقة ، أو أن يتلاعب بها ، أو يتاجر بها كل ذلك كان باستطاعته ، لكنه تحمل الأمانة ، ولم يكن سلبياً ، استشعر شيخ الشهداء المسؤولية واخلص فيها،


وهذا أول درس وموعظة وعبرة تستلهمها من سيرة شيخ الشهداء معشوق الخزنوي ، وهي المرض الثالث الذي أشار إليه شيخ الشهداء عند تشخيصه لحال الأمة عندما قال : أن المسلمون عامة والكورد خاصة مصابون بخلل في التفكير ، فقدنا النظرة الوسطية والموضوعية وبتنا بين الغلو والإفراط ، ارحنا عقولنا أمام هزائمنا وأخطائنا بعدم خلو امة من الخطأ ، وحملّنَا وزرها للساسة والعلماء ، تحرجنا من النقد والنصح ، ضخمنا اجازتنا ، وحجبنا الحقيقة عن امتنا .
 
حملّنَا وزرها للساسة والعلماء : تلك هي موضوع مقالتنا هذه، ونظرة سريعة للواقع المعاش نجد أننا كشعب كردي نعيش عيشة فوضوية لا مسؤولية فيها ولا مبالاة ، ولنخصص غربي كردستان في ذلك حيث يتفق الجميع أن ما نعيشه وما نشاهده اليوم ما هو إلا فوضى ، فوضى في الدين ، فوضى في المجتمع ، فوضى في الاقتصاد ، فوضى في السياسة ، فوضى في الأمن ، فوضى في الاخلاقيات ، فوضى في كل شيء ، فأنتم ترون بأمّ أعينكم التاجر المحتكر، والموظف المقصِّر، والعامل المخالف، والسياسي الأناني الذي يجعل كل شيء قربان لمصلحته ، وصاحب التجارة المتجاوز، والذي يقوم بما يقوم به لا يأبه بقانون أو شريعة أو نظام، ذو المال يشتري النفوس و يعتدي، ذو القوة يعتدي، وذو المنصب يقمع، وذاك الذي في منصب عالٍ يستعلي ويستكبر، والذي لا حول له ولا قوة مداس بين الاقدام ، والشيخ والملا الذي يتاجر باسم الله ليستنزف ما في جيوب الناس ، عنوان ما نرى وما نسمع وأنتم الذين تقولون ذلك: "فوضى".
 
وما ذاك إلا لأننا نسينا العهد والأمانة ، نسينا العهد الذي في رقابنا، وأهملنا الأمانة التي على كواهلنا ، والميثاق الذي في صدورنا، أولستم من يقرأ قوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب : 72 ]، فهل قمنا بحمل الأمانة ؟ الامانة الدينية ، الأمانة السياسية ، الأمانة الاقتصادية ، الأمانة الاخلاقية ، الأمانة المجتمعية .
 
بل يظهر جلياً ما أشار إليه شيخ الشهداء بأن حملنا وزرها للساسة والعلماء وكبارية المجتمع وتهربنا من المسؤولية ، مع أن من أكبر المهمات،  ومن أعظم الركائز،  وأهم الدعائم في نهوض أي أمة من الأمم ، وفي تقدمها ، وظهور حضارتها أن تتحمل مسؤوليتها ، ولا يمكن لأمة من الأمم أن تتقدم أو أن تبرز حضارتها أو أن يكون لها دور في هذه الحياة ما لم يكن كل فرد من أفرادها متحملاً للمسؤولية التي أنيطت به .
 
وعندما يتحدث شيخ الشهداء عن هذا المرض الخطير في أحدى خطبه بعنوان سفينة النجاة القيت في جامع قاسمو ، يروي حديثاً عن الامام البخاري من حديث النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: { مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا } .
 
يقول شيخ الشهداء في تعليقه على هذا الحديث : المجتمع كله هو هذه السفينة ، ونحن جميعاً مسافرون عليها ، هذه السفينة الباحرة في المحيط  لا تكاد تسكن لحظة حتى تضطرب من جديد ، فتهتز مرة ذات اليمين ، ومرة ذات الشمال،  وقد تعلو فوق الموج ، وقد يسترها الموج  ، ولن يكتب لها السلامة والاستواء فوق الموج المضطرب حتى يكون كل شخص فيها على حذر مما يفعل ويقظة لما يريد ، وللأسف كثيراً من الناس ينسى هذه الحقيقة ، وينسى أن سفينة المجتمع تتأثر بأي حركتنا منا .
 
يخرق المتاجرون واللامبالون سفينة الأمة ، و تغرق بسكوت الآخرين ، فكل ثورات الارض التي أطاحت بالعروش وأطارت الرؤوس وأجرت الدماء ، وكل الحروب المدمرة التي اكلت الاخضر واليابس وسممت الحياة لم تكن غير نهاية طبيعية للخرق المخروق في السفينة .
 
وفي تمثيل هذه الصورة العجيبة يستكمل شيخ الشهداء صور الهروب من المسؤولية فيقول :
فحين قال الاقطاعيون نملك الارض وكل من عليها عبيد خرقت السفينة ، وحين سكت الفلاحون غرقت بالفلاحين .
وحين قال الرأسماليون نملك المصانع والعمال فيها عبيد خرقت السفينة ، وحين سكت العمال غرقت بهم .
 وحين قال الشيوعية نحن نملك البلد والرعايا عبيد خرقت السفينة ، وحين سكت الشعب غرقت بهم السفينة .
وحين قال أدعياء الدين نحن الناطقون باسم الله وما على البشرية إلا السمع والطاعة خرقت السفينة ، وحين سكت المثقفون والقانونيون والكتاب غرقت بالبشرية السفينة .
وحين يقوم شيخ او ملا ينصب نفسه ناطقاً باسم الله يمص دماء الفقراء والمحتاجين ، ويتزلفون الى الاغنياء وأصحاب النفوذ ، ويحرفون الكلم عن موضع يخرق السفينة ، وحين يسكت الناس ويتأطئون الرؤوس تغرق السفينة .
 
حين يقوم سياسي او ثوري باسم الوطن والقضية يتاجر بالآلام الناس ، يجعل من كل شيء قربانا لمصالحه ، ويتبجح ان هذه هي السياسة ، فن الخدعة والكذب على الناس ، ويتركه الناس ويسكتون ، تذهب القضية في مهب الريح ويخلق ويصنع الدكتاتور
 
ويستشهد شيخ الشهداء بمثال صارخ في القرآن الكريم كيف أن المجتمع بتهربه من مسؤوليته يصنع الديكتاتور فيقول :
 
القرآن الكريم يضرب لنا مثالاً واضحاً كيف يعربد السياسي فيخرق السفينة ويسكت الشعب فتغرق السفينة ، يضرب القرآن ذالك المثال الواضح في شخص فرعون الطاغية حين جمع قومه وقام فيهم خطيباً يقول لهم : ﴿  وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ أيها الناس حسب مبلغي من العلم لا يوجد لكم رب ولا إله ولا معبود غيري ، فخرق السفينة ، لكن الناس سكتت ، ولكن الناس طأطأت الرأس ورضيت ، وعندها جاء الخطاب الكفري العظيم الذي به غرقت السفينة ودخل الناس في عهد الدكتاتورية ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾، عندما قال لهم حسب علمي أنا ربكم لو خرج الشعب ثائرين ، ولو خرج مثقفوا المجتمع وعلمائه معترضين ، ربما تراجع فرعون ، ولربما قال لهم عفواً ، اعتذر منكم ما كنت أعلم ذلك ، رحم الله امرؤ اهدى لنا عيوبنا ، ولكن لما وجد الشعب نائماً ، لما وجد الشعب مستسلماً قال أنا ربكم الأعلى ، ومن ذلك يقول المثل الشعبي ، قالوا لفرعوا إيش فرعنك قال ما لقيت حدى يردني .
 
إن كل الامثلة التي أوردناها تدور حول محور واحد ، تدور حول منكر وشر بدأ فسكت عنه الناس ثم انتشر حتى عم المجتمع وهلك الناس جميعاً ، إنها تقول في النتيجة صدق رسول الله فنحن لسنا إلا ركاب سفينة تتدافعها الأمواج ، والمسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة لكل المسافرين ، فإما أن يحسوا بوحدة المصلحة فيأخذوا على يد المسيئ والمفسد فينجوا المجتمع كله ، وإما أن تتركوا الأمر خوفاً أو طمعاً أو استهتاراً أو تهاوناً وحينئذٍ يتسع الخرق على الراقع وتتدفق المياه الى سفينتكم فتحدث الطامة الكبرى التي تغرقكم جميعاً .
 
وفي سبيل حث الأمة على تحمل تلك المسؤولية يقول شيخ الشهداء : ولا أقل من أن نكون كنملة شعرت بمسؤوليتها فحذرت قومها وبينت لهم ، ذكرها الله عز وجل في كتابه وخلد ذكرها الي يوم القيامة وهي حشرة صغيرة  حين قال : ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [ النمل : 18 ] نملة لم تدخل بذرة السلبية الى عقلها فقامت بواجبها .
 
وقد ذكر شيخ الشهداء مثلاً صينياً فيقول : - والواقع أن هذا المثل يجب أن يكون كردياً في الظرف الحاضر- حيث يقول المثل الصيني : (إن المشكلات التي نعانيها الآن من صنع الأجيال السابقة، وسوف تحل بواسطة الأجيال اللاحقة) ، أما نحن فصرنا خارج الأقواس، ليس لنا دور في صناعة هذه المشكلات، ولن يكون لنا دور في حلها، وهذا هروب غريب من مواجهة المشكلات التي نعانيها، فنتنصل كثيراً من المسؤولية، ونلقي بالتبعة على الآخرين، فتجد أي فرد منا لا شعورياً، لو يرى انتهاكاً أو عيباً ، ينطلق بصورة عفوية ويقول: أين فلان؟ أين الأحزاب أين المشايخ؟ أين الحركات السياسية  ؟ وأنت ما هو دورك؟  وهل كردستان واجب وحمل غيرك !! أنت واحد من الكرد ، وكان يجب أن تشعر أنك مسؤول مثلما غيرك مسؤول، وبدلاً من أن تقول: أين فلان وعلان؟ وما دور الجهة الفلانية؟ وما دور العالم الفلاني؟ ينبغي أن توجه السؤال إلى نفسك: ما دوري أنا؟ وماذا فعلت أنا؟ لا بد أن يكون تفكيرك تفكيراً علمياً عملياً، تفكيراً إيجابياً، وليس سلبياً همك أن تخرج من المسؤولية وتلقي بالتبعة على غيرك.
 
رسالة شيخنا لنا عزيزي: حين يظهر الذئب من بعيد يتجمع افراد قطيع الغنم ويتراص الجميع ، ولا تقول غنمة واحدة أنا إيش رايحلي ، فمن وحدة المصلحة ينشأ الترابط بين أفراد المجتمع الواحد ترابطاً لا يتخلخل ولا تنقطع عراه ، إنكم ركاب سفينة واحدة ناجية أو غارقة .
 
رحمك الله شيخنا معشوق الخزنوي وأعلى الله مقامك في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، سلام عليك يوم ولدت ، وسلام عليك يوم استشهدت في سبيل ما تؤمن به ، وسلام عليك يوم تقف امام الرب القادر تقتص من ظالميك .

-------------------







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22283