شعوبٌ شاردة لأوطانٍ مفقودة
التاريخ: الأحد 04 حزيران 2017
الموضوع: اخبار



آزاد عنز*

يُرمَّم مكان إقامة الإنسان و مقره في الوقت الذي يهبه المنسوب إليه النفخ المُدرج في صلصاله صدقةً جارية ، و يُنقّح أيضاً عندما يزرع آدميته في يقين ترابه منحةً خالية من الضرائب لينتفع به ذاك المكان دورياً كي يبقى حياً أزلياً مدى الحياة ، تُرمّم الأوطان و يصلح رأبها متى فاضت بالانتماء و الانتساب ، فالوطن : هو تحصيل الجماعة رقعة ممتدة من التراب على البسيطة متى غَلظ و احتدّ حبل الربط بينه و بين المنسوب إليه أي الوطني و تهيأت نواة الجماعة أن تقدم سرّ  الله أي روحه و ما يطوّق هذا السر  معاً قرباناً خالصاً في سبيل المحافظة على إبقاء مزاولة عبور الهواء غريقاً إلى رئته، رئة الوطن ، هكذا تُرمّم الأوطان ، رمّمْ الوطن كي تُرمّم و تحيا بحضوره و جوده .


طاب نهارك سيدي:
رددها الكُرديّ بلسانه المُعرّب قسراً في دُور تلاوة العلم و المعرفة على أرضه الملحقة ، استحضر اللفظ المجازي بلسان الجدل العربيّ المُحتل للحنجرة الكُردية و المستولي على النطق و المنطوق الكُردي ، هكذا يستورد الكُردي الحروف المنطوقة عربياً إلى حنجرته الشاردة كوطنه الشارد بعد أن تُصدّرها الحناجر العربية إلى الألسنة الكفيلة بإبلاغ المسامع الكُردية نطقاً فصيحاً بليغاً لا لبس فيه .
و نهارك أيضاً :
تبسّمت شفاه العربيّ في رد التحية قبل المصافحة على أرضٍ ليست بعربية ولا كُردية ، أرض ما خلف البحار ، أرض المنفى المتأرجح بين البارد و الرطب ، الأرض المتواطئة في صياغة الخديعة قبل تقديمها للعربيّ و  للشريك الكُردي ، أرض المكائد الكبرى . تُحاك المصيدة المُعمدة على موائد الغرب بفطنة الزعيم الجالس في أقصى الغرب بتدبير منسّق قبل منحها لتزرع في أرض العربيّ و غير العربيّ ، أرض الكُرديّ و غير الكُرديّ ، الأراضي الخصبة ، أرض المصائد الكبرى . و لا تزال ابتسامة العربيّ معلّقة على شفاهه ، قاطعه الكُردي قائلاً : أريد وطناً مُشرق الجبين كوطني المفقود . تفوه الشريك بالرد : لكنني لا أهب الأوطان المفقودة أنا أيضاً مثلك منفيّ من وطن شارد إلى هذه الأرض الرطبة . أنا أيضاً سليل بلد مُنهك من الطعنات بعد فشل أداء الطعنة الأولى ، نحن كلانا نتمّم نسج الخدائع و كأننا صانعوها ، مهّدت حنجرته العربية خطاباً لتلقينه و لكن اللسان الكُرديّ المُعرب سبقها إلى بتر تلك الحروف قبل ترجمتها جُمَلاً و بدأ اللسان بالنطق : إذاً انحت لي وطناً على حجرٍ أخرس و لكن جُد عليه بلسانٍ كُرديّ لا تعريب فيه ، حجرٌ ينطق الكُردية فصيحاً .
تسلّل العربيّ النحات إلى غرفة المزاولة و بدأ الإزميل بلسع الحجر الأملس بتحريض من المطرقة بعد أن قام النحات بالرسم على الحجر الأصم الأخرس، الحجر الذي سيتصدق عليه العربيّ النطق لاحقاً لإشباع رغبة و توصية الشريك الكُردي الذي اشتهى نطقاً كُردياً فصيحاً لو لا أن الإزميل نكث العقد المبرم بين الشركين المنفيين في الغرب الواسع و بدأ بالنحت على ما يشتهيه اللاوعي الشرقي برمته ، لازالت المطرقة تحرّض إزميل النحت على أكل الحجر الذي كان سيؤول إلى المجسم الوطن على غرار الطعنات التي تأكل البلد الأصل ، كل مجسم نحت هو ظلّ وطن لمنفيّ تائه إلى أن يصلح الوطن الأصل من نزفه ، كل مطرود هو سجين الصور المعلّقة في مخيلته إلى أن يتعافى البلد من جُرحه السحيق ، و بينما الكُرديّ يتكفل بأسر دخان لفافة التبغ في رئته أحضر العربيّ المجسم النحت بعد تدليكه بورق الصنفرة ليكون أكثر أناقةً و تلاه نفخٌ من أعماق جسده لنفض الغبار و وضعه على الطاولة و قال بأعلى صوته لنلّعق معاً هذا الحذاء العسكري الجميل ، نخب الشعوب التي تُرمّم الأحذية بلسانها .
* كاتب كُردي سوري






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22256