الجزيرة وحركة خويبون في دراسات المركز العربي للأبحاث وكتابه
التاريخ: الأثنين 08 ايار 2017
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

 إحدى الإشكاليات التي يركز المركز العربي للأبحاث وكتابه عليها هي: إلغاء كردستانية الجزيرة وتشويه تاريخ حركة خويبون، وذلك من خلال مؤتمراته ومنشوراته العديدة، وكنا وقد بحثنا فيها سابقاً وبشكل مستفيض، وبإسنادات وثائقية، وكتب عنها العديد من الأخوة الكرد، ومن عدة جوانب، نعيدها هنا بشكل مختصر، رداً على ما قيل ثانية ضمن مؤتمره الأخير في الدوحة. 
   وهي أنه وعلى مر القرون الماضية، منذ الإمبراطورية البيزنطية ومرورا بالخلافات الثلاث ومن ضمنها الإمبراطورية العثمانية وحتى الفترة الزمنية التي اتفقت فيها فرنسا مع تركيا الكمالية على رسم خريطة المنطقة، لم تكن لسوريا السياسية وجود، وجغرافيتها كاسم أرامي لم تتجاوز جغرافية الشام. 


وغربي كردستان كانت جزء من جغرافية كردستان الكبرى، وهي كمنطقة إدارية كانت طوال تاريخ الإمبراطورية العثمانية تابعة لولاية ماردين، وكانت تمتد حتى الفرات الأوسط أي دير الزور الحالية، ولم يظهر للعرب وجوداً عشائري إلا بعد الغزوات بقرون، وحضري ظهرت بعد الثلاثينات من القرن الماضي وعلى أطراف خابور وجنوب جغرافية جنوب غربي كردستان، أي انهم ضيوف على أرض كردستان، وجميع مراحل هجراتهم موثقة تاريخيا، ولعدة عوامل لسنا بصدد عرضها الأن، كما وهي معروفة لأبسط مؤرخ، والمصادر التاريخية في هذه عديدة، بدءً من الكتب الصفراء إلى دراسات المؤرخين الأجانب إلى الوثائق العثمانية والفرنسية العديدة، ولدى عائلتي وثائق وسندات تمليك، قوجانات، مختومة من الأستانة وموثقة من ولاية ماردين تؤكد ملكية الكرد للمنطقة حتى الفرات الأوسط حيث مصب خابور إلى الفرات، وملكية العائلة (آل عباس) للأراضي ممتد في العمق الجغرافي حتى أطراف سنجار، ونشرت صورة نسخة من هذه القوجانات في كتاب مارتن فان براونسن( الأغا والشيخ والدولة) وصادرت سلطة البعث والأسد بعضها على خلفية إعادة الجنسية لعائلتنا التي كنا قد فرزنا كأجانب، ولا تزال العديد من أعداد هذه القوجانات موجودة عند أبناء أعمامنا، وهي مؤرخة في القرن الثاني عشر الهجري، قدرناها ببداية القرن الثامن عشر الميلادي، ومثلها موجودة عند آل المرعي وعائلات كردية أخرى، كما ويذكر المؤرخ محمد أمين زكي واستناداً على مصادر  ووثائق تاريخية موثوقة، وجود عشيرة دوركا في منطقتهم الحالية بشكل حضري إلى قرابة 400 سنة، إلى جانب بعض العشائر الكردية الأخرى التي تم ذكرهم، في نفس المرحلة الزمنية، ولا تعني هذا بأن وجودهم بدأت من تلك المرحلة بل الوثائق تؤكد أن أراضي البرية  أي الجزيرة كانت امتداد دائم لمساكنهم في الجبل، والتنقل كان فصلياً، كما ذكرناها سابقاً. وهذه الوثائق تثبت ملكيتهم على جنوب غربي كردستان حتى في ظل السلطات العثمانية وما بعدهم، وبالتالي تزيل احتماليات وجود عشائر عربية في المنطقة وملكيتهم الحالية لمناطق في غربي كردستان مطعونة فيها، مثلما هي فبركة فترات تحضرهم. 
وفي فترة الهجرات التي يدعيها الكاتب، لم تكن هناك وجود لتركيا ولا العراق ولا لبنان ولا الأردن، وكردستان كانت ضمن الحوارات الدولية مثلها مثل الدول الوليدة اللقيطة المسطرة تحت أسم العربية، والمتكونة على مصالح بريطانيا وفرنسا، كما وأن إدراج مصطلح ( مؤتمر في المنفى) على خلفية مؤتمر خويبون، خباثة سياسية، لتغييب مشاركة الزعماء الكرد من شمال كردستان مع زعماء عشائر غربي كردستان (المصطلحين أو الاسمين الجغرافيين الذين لم يظهرا إلا مؤخراً، بل كانت هناك كردستان) وفيه تغييب متقصد لحقيقة تاريخية كتبنا عنها عدة مرات وأوردنا الوثائق حولها، وهو أن المؤتمر الأول لجمعية خويبون جرى في قرية (دوكر) الواقعة شرق مدينة قامشلو، حاضنة آل عباس، وبمشاركة معظم زعماء العشائر الكردية من شمال وجنوب كردستان، ضمن جغرافية كردستان، المنطقة التي لم تحسم مصيرها بين فرنسا وتركيا الكمالية حتى عام 1934م ولذلك كانت شبه مستقلة، لا سلطة فرنسية ولا تركية عليها، وذلك على خلفية ثورتي بياندور ودياري توبي، واللتين أظهرتا عدم قبولهما لفرنسا ورفضهما الانضمام لتركيا، وكانت هذه الأخيرة مبنية على الدعم الذي قدمه آل عباس والعشائر الكردية من جنوب كردستان المؤيدة لثورة الشيخ سعيد بيران، بتدميرهم وحرقهم المخافر التركية المتواجدة في مناطقهم، وطردهم القوة العسكرية الكمالية منها، ومن العشائر التي أتذكر أسمائها (بناءً على أقوال عمي المرحوم شيخموس محمد عباس الذي كان يبلغ من العمر حينها قرابة الثلاثين، وتوفي بعمر قرابة مائة سنة) كوجرا، وهسنا، وعسفاتا، وحاجي سليمانا، والعشائر التي كانت متحالفة مع دوركا، كالجودكا والدلممكا والدومانا وغيرهم، وكانت هناك عشائر أخرى في المنطقة المتنازعة عليها منهم كاسكا وآباسا والمحلمية وشابزني، وكره سي، وعشائر كردية إيزيدية، وغيرهم، ونحن نتحدث عن العشائر المتواجدة ما بين قامشلو وديركا حمكو وجنوبا حتى شنكال، ومساكن ومراعي جميع هذه العشائر كانت تمتد من غربي شنكال وحتى ما بعد طوروس كوحدة جغرافية متصلة. وهذه تنساق مع المناطق الأخرى من جنوب غربي كردستان، شرقاً حتى البحر الأبيض المتوسط مرورا بكوباني وجرابلس ومنبج وعفرين، والوثائق عن عفرين كافية لدحض كل المفبركات التاريخية وتوضيح الإشكالية.
فوجود هذه العشائر الحضرية في جنوب غربي كردستان ما قبل ثورة الشيخ سعيد تدحض نظرية الهجرة المفبركة، والتي استندت عليها السلطات العروبية السورية وكتابها ومؤرخيها، وللعلم، ذكر المرحوم عمي شيخموس محمد عباس، أن تلك المخافر ظلت مهجورة حتى عام الاتفاقية، أي منتصف الثلاثينات. ولهذا كانت نصف منطقة الجزيرة شبه مستقلة، ولا سلطة على منطقة آل عباس وقرى عشيرتهم الدوركا والعشائر الأخرى بدءً من حدود منطقة البريطانيين وحتى قامشلو مركز الفرنسيين، وجنوباً حتى شنكال باستثناء قامشلو ونصيبين والحسجة، فتم عقد مؤتمر خويبون الأول في تلك المنطقة الجغرافية المستقلة أو المتنازعة عليها، عام 1926م وفي قرية دوكر، بديوان آل عباس، وحضرها جميع قادة العشائر الكردية من عفرين حتى قرتشوك وديريكا حمكو، وبزعامة الأميرين جلادت وكاميران والشيخ عبدالرحيم أخ الشيخ سعيد بيران، فقد كانت تلك العشائر تسكن ضمن كتلة جغرافية واحدة.
والخطر الأول لم يكن من فرنسا الاستعمارية بل من تركيا المحتلة ومنذ قرون، لذلك اعتبر التحرير من تركيا الكمالية هو تحرير لكلية كردستان، ولم تكن حينها تسمية جنوب غربي كردستان قد ظهرت، مثلما ذكرنا، سوريا بذاتها لم تكن لها ذكر بين الكرد بشكل خاص، وقد استمرت هذه النزعة، أو إرادة عدم الاعتراف بتقسيم جغرافيتهم بين العشائر الكردية وعلى مدى جيلين وأكثر، حتى نهاية الخمسينات، بل وحتى الأن، لا يعترف به كمفهوم، وكحيز سياسي، بل يدرج كتقسيم لكردستان، ولمناطق العشائر الذين لا يزالون يتنقلون ما بين الطرفين ويزورون بعضهم كلما سنحت لهم الفرص. فكانت القبائل الكردية تنتقل ما بين الجبل والجزيرة بدون إعطاء أهمية للخط الحدودي السياسي، المتشكل بدون إرادتهم. وما يستند عليه كتاب المركز العربي للأبحاث أمثال محمد جمال باروت أو شمس الدين الكيلاني وعزمي بشارة وغيرهم كهجرات خارجية، ما بين تركيا وسوريا، أو كما يقسمها ويسميها بـ(الهجرة الكبرى الأولى أو الثانية)فهي في الواقع كانت من ضمن تنقلات العشائر الكردية الاعتيادية الموسمية، الحاضرة منها أو نصف المتحضرة، والتنقلات الموسمية هذه كانت متبعة وعلى مدى القرون الماضية، وكانت تتأثر بالمواسم، وهذه التسمية( الهجرة الخارجية) اخترعتها السلطات العروبية السورية منذ هيمنة حزب الشعب، وفيما بعد البعث والأسدين المقبور والجزار وسخرت لها كتاب وإعلام، مطعونة في مصداقيتهم لأنهم يستندون على مصادرهم المفبركة والمكتوبة حديثا في أقبية المربعات الأمنية، وفيها تلاعب بالمصطلحات لتمرير التلفيق السياسي، واحتلال كردستان بصيغ قانونية، والمركز العربي للأبحاث بدوره يعتمد عليهم. وللعلم فإن مصطلحي (سرخت وبينخت) وتعني فوق الخط، وتحت الخط، كان معنيا بهما في البدايات الخط الحديدي الممتد ما بين برلين وبغداد والمار بكردستان الغربية (اعتماداً على الشيوخ الكبار الذين عاشوا تلك الفترة ومنهم عمي المرحوم) ولم تندرج كمصطلح سياسي إلا بعد الخمسينات. 
نعود إلى خويبون فأعضاء مؤتمرها الأول كانوا على اتصال مع البريطانيين، القنصل السامي البريطاني في العراق، عن طريق القائد العسكري في الموصل، وعلى أثره تم أرسال الميجر صون عدة مرات إلى المنطقة الكردية في تركيا، فحصلوا على وعد بدعم الثورة، وذلك قبل أن يتسلط عليها القنصل السامي الفرنسي ويستخدمها كورقة للضغط على تركيا في ترسيم حدودها مع سوريا، وعقد لهم مؤتمر في دار الأرمني وبضجة إعلامية ليصل الخبر إلى الكماليين بشكل غير مباشر، وبعد أن حصلت فرنسا على المطلوب تخلت عن مطالب الشعب الكردي، وتم تجزئة غربي كردستان بشكل نهائي عن كردستان، والغريب أن فرنسا ذاتها ساعدت عسكريا الكماليين للقضاء على الثورة الكردية، وما تم فيما بعد من تحركات فرنسية في الجزيرة لها خلفيات أخرى، ساعدت على تكريس التقسيم الجغرافي الحالي لكردستان.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
5/5/2017م







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=22159