ثنائية الاتجاه في النفس
التاريخ: الجمعة 24 شباط 2017
الموضوع: اخبار



محمد قاسم " ابن الجزيرة " 
ديرك L 30/ كانون الثاني/2017 

ثنائية "الخير والشر"، "الإيجابي والسلبي " مع ملاحظة أن مفهومي إيجابي وسلبي يعنيان الاستجابة، وليس الخير أو الشر بالضرورة... هي، ثنائية تربك الفهم في الجانب المعرفي، فضلا عن كونها تربك السلوك في الواقع. والنفس التي تتأرجح بين الاتجاهين. من هنا كان التوازن (والاتزان) من الأمور الملحة في مسيرة التربية الإنسانية (او تربية الشخصية لدى الإنسان). 


وان المقصود من التوازن هنا هو معرفة الخير والشر، وحدود كل منهما، وشرعية الخير بالنسبة إلى الشر. وبالتالي ترجيح نموه في بنية التفكير، وفي الممارسة (السلوك). في هذه اللحظة تبرز ما يمكن تسميته بالمشكلة –او الإشكالية-في تجليات منها:
 1- الحالة الذهنية/السيكولوجية للإنسان. أي (الحالة الثقافية) فيما يتصل بعناصر عديدة تدخل في تكوينها كالاعتقاد وكيف تكوّن؟ العادات التي اعتادها، بكسب شخصي او نتيجة امتصاص من الحياة الاجتماعية (الاكتساب العفوي –وللتقليد دور فيه) فالتقليد –ما لم يكن واعيا مبنيا على التفكير والتحليل والترجيح والاختيار...-يلعب دورا سلبيا في عملية الاكتساب (تقليد أعمى). فينمو ميل الإنسان نحو تغليب الخير كقيمة مطلوبة، او يكون ميله نحو الشر.
 2- حالة الإرادة لديه. فالإرادة هي قوة مبنية على إدراك إيجابي للقيم ودورها، وتدعم اختيار العقل المُرجّح للقيم الإيجابية، أي المعنى الذي يمثل الخير (وهو قيمة عامة اجتماعية/أخلاقية، يضاد الشر كقيمة عامة سلبية /أخلاقية. (الأخلاق فلسفيا تتضمن كل ما يمكن الحكم عليه بالخير والشر). والمشكلة في الإرادة أنها تكتسب بالتدريب، لذا لا يستجيب لها المرء بسهولة، فهي تتطلب جهودا لتحويل المفاهيم إلى القبول والقناعة ومن ثم السلوك. من هنا قال بعض الفلاسفة: "الإرادة هي اكتساب عادات الإرادة". فقوة الإرادة تعين على التغلب على المقاوِمات النفسية / الإغرائية. لذا ينصح علماء نفس بتكرار أعمال مُرهقة دون غاية محددة، فقط لاعتياد المشقة.
 3- الحالة التربوية، ودورها في حياة الشخص (الشخصية).
 وهنا تبرز مشكلة أخرى: ماذا تعني كلمة التربية كدلالة عامة، وهي توجد في مختلف ظروف نمو الإنسان البيئية والأسرية والاجتماعية التي يوجد فيها الطفل. هنا سؤال: من يحدد قيم التربية؟ أ‌- التربية عملية اجتماعية /تربوية تهدف لتنشئة الفرد تنشئة تعينه على التكيف مع معايير الثقافة الاجتماعية بأبعادها المختلفة والمتكاملة، كالمعتقدات والقيم والدينية الأخلاقية (الخير والشر، الصواب والخطأ، الممنوع والمرغوب والحلال والحرام والعيب ...الخ) والعادات والتقاليد الاجتماعية. من هنا فإن الحالة الثقافية العامة للمجتمع هي التي تحدد عناصر وأساليب وغايات العملية التربوية. 
ومن الطبيعي أن أهم ما يتصل بالتربية من قيم، هي تراكمات تمتد إلى بدايات الحياة الاجتماعية وما تبلور خلال فترة طويلة من التفاعل، وما حصل خلال التغير والتطور الاجتماعي. والإضافات الثقافية من خلال المرور بالتجارب واكتساب الخبرات والاحتكاك بالآخرين الأكثر تقدما... فالتقدم الاجتماعي ليس –بالضرورة-متكامل الجوانب. فقد يكون مجتمع متقدما تكنولوجيا لكنه متخلف قيميا /أخلاقيا، والعكس صحيح (هنا تواجهنا مشكلة جديدة هي ما هي الأخلاق؟! فيعضهم يراها قيما إيجابية (خيّرة) تستند إلى ضمير نقي لا يخطئ، وبعضهم يراها مجموعة –او منظومة-قيم إيجابية تراكمية خلال فترات متعاقبة تواضع عليها الناس، وفي الفلسفة عموما: هي كل ما يمكن الحكم عليه بالخير والشر. فالأخلاق هنا ليست خاصة بالخير. وهي في الدين تتقاطع مع من يراها تنبع من أحكام الضمير مع فارق هو، أنها هنا تستند إلى المنظومة القيمية الاعتقادية الدينية مع النظرة نفسها إلى دور الضمير الإيجابي /النقي الذي لا يخطئ. 
ب‌- إضافة لما يتصل بالتراث ومنظومته فان الحياة الواقعية تضطرم بمفاهيم وقيم تنتجها الظروف المستجدة والتفاعلات الاجتماعية/الثقافية ومنها التطور العلمي/التقني وتطبيقاته (تكنولوجيا وآثارها) فالكهرباء مثلا غيرت أنماطا كثيرة من المعتقدات والممارسات وأساليب حياة وجهت نحو رفاهية غير معهودة. والإنترنيت ومواقع التواصل، والاتصالات المتقدمة والمواصلات السريعة جوا وبرا وبحرا...كل ذلك وفر احتكاك الشعوب ببعضها، ونشطت عملية اجتماعية هي الأخذ والعطاء والتفاعل بقوة وفي مساحات واسعة. مما أثر على الحالة الثقافية والقناعات والمعتقدات ... ولذلك كله انعكاسات على العملية التربوية والمنظومات القيمية المختلفة والقناعات والمعتقدات ...الخ. فالعملية في عمومها معقدة. إنها حياة مليئة بتعقيدات لا يسهل فك رموزها. لذا يقال: لا يوجد ما هو كامل سوى الله –بالنسبة للمؤمنين. أما الملحدون فلا يؤمنون بآلهة. لذا فالحياة بالنسبة إليهم مجرد طبيعة عليهم أن يناضلوا ضدها –بتعبير الماركسية – وينتزعوا منها المكاسب تلو المكاسب بفضل العلم. ويبدو أن رؤيتهم قد فشلت لأنهم خلطوا بين العلم والفلسفة. او تعسفوا في تحميل مفاهيم معاني لها طابع ذاتي على أنها علمية/ موضوعية. بينما هي في واقعها مفاهيم ذات طبيعة أيديولوجية، دورا الذاتية فيها واضح.
 ج-دور النخب –إذا صح التعبير-(فلاسفة، مفكرون، علماء، أدباء، فنانون...مبدعون عموما). هؤلاء –في الغالب-أفراد ويمارسون جهودا فردية لكنهم يتركون بصمات واضحة وفاعلة في حياة المجتمعات عبر التأثير على الحالة الثقافية الفردية والاجتماعية ... فيؤثر ذلك على طبيعة وحيوية التفكير والوعي والأحوال النفسية أيضا، نستطيع اختصارها في عبارة "الذهنية والسيكولوجية" او "الثقافة". وهي بدرها، تتفاعل باستمرار. فتنبثق عن ذلك اتجاهات او ملامح او اندفاعات او تكوينات وتشكيلات جديدة ... منها مثلا المنظمات والأحزاب والتكتلات المختلفة التي تلعب دورا حاسما –أحيانا –في حياة المجتمعات والتأثير على منظومتها التربوية /الثقافية، وفي حالات، السياسية أيضا. فتقود المجتمع وترسم له ملامحه العامة وتحدد اتجاهات الفعالية فيه، فضلا عن مناهج الإدارة والقيادة. فالقضية معقدة، ومن هذا التعقيد تنبعث المشكلات وتتفاقم مالم يمتلك المجتمع منهجا للتعامل معها ومعالجتها. 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21872