عفرين تدق جرس الإنذار.. المناطقية قادمة .
التاريخ: الأربعاء 11 كانون الثاني 2017
الموضوع: اخبار



عبدو خليل

بلا إطناب و مقدمات. الثقافة هي وضوء السياسة. كما انه لا يمكنك الصلاة بدون وضوء لا يمكن ممارسة السياسة بدون ثقافة. لندع التعريفات الكلاسيكية و المصطلحية جانباً، و نتحدث في إطار عملي. السياسة. كمحصلة، هي عملية تراكمية لسلسلة طويلة. معرفية. وثقافية، من العلوم الاجتماعية و الاقتصادية والإعلامية غايتها هندسة المجتمعات و العلاقات و القضايا. شاقولياً و أفقياً، و السياسي لا يحتاج. كضرورة. لمؤهلات أكاديمية تخوله ممارسة المهنة. السياسة. نحن هنا امام مهنة. إن جاز التعبير، من نوع فريد. تختلف عن الطب والهندسة و الإحصاء و ما إلى ذلك من تخصصات. مهنة شاقة تحتاج لبحث دائم و تواصل مع مستجدات العلوم. علمية كانت ام إنسانية و اجتماعية. مع الاخذ بعين الاعتبار اهمية الثانية. عدا عن أن السياسي عليه البقاء ضمن دائرة الاحداث. القريبة منه والبعيدة عنه، و من ثم تحويلها لمعادلات. للتحرك بموجبها. رسم سياسات واستراتيجيات، و كثيراً ما يحتاج إلى حفر اركيولوجي للبيئة التي ينشط فيها لمعرفة الاتجاهات و الميول و الموروثات و نمطيات التفكير. ممارسة السياسة دون هذه الحوامل. يعني تحولها الى شعوذة و طلاسم و عبث.


دواعي هذا السرد. الممل، وقد يقول البعض، انه ليس أكثر من استعراض لشيء سبق وان أنشغل عليه كثيراً، وأن ثمة تعريفات اخرى للسياسة ابعد من ذلك. هذا الكلام جد صحيح. لكم الحق في ذلك، و لدي ثقة كبيرة أن الكثير ممن سيقع على هذه المادة يمتلك ناصية الشرح والمعرفة في هكذا موضوع أكثر مني. و قد يشتم البعض سذاجتي في طرح موضوع ربما يعتبر من الرفاهيات، او المكملات و المقبلات. ضمن الراهن الكارثي. هذا أيضاً صحيح. بالنهاية المعرفة جغرافية مفتوحة. بلا حدود. لندخل إذاً في موضوعنا. لمن نتوجه بهذه المادة ؟
في الحقيقة المادة تتوجه إلى تلك الفئة التي ظنت ان السياسة ليست أكثر من جملة أحابيل و ألاعيب، مع مزيج من الشعوذة والطلاسم المبهمة. هكذا على الاقل تبدو الامور للكثير من ساسة الكرد على وجه الخصوص، والموضوع يمكن اسقاطه على مدى اوسع لكن هذا ليس محل اهتمامنا هنا. لذا وجدت ان اذكر هؤلاء المشعوذين ، وألكزهم في خاصرتهم. بجدلية العلاقة بين الثقافة و السياسة، وأسبقية الثقافة و المعرفة على المنتج السياسي، قبل ان ألج إلى موضوعنا الرئيس. حول ماهية المناطقية الكردية في سوريا، وهل هي حقيقة أم ترهات. طفت على السطح كما وصفها البعض بعد بيان مثقفي عفرين، الذي رمى حجراً في مستنقع بدا أنه عميق، من خلال صمت الحركة الكردية و محاولة طمس معالمه او الألتفاف على البيان، و تفنيده عبر تجاهله من جهة، أو عبر إغلاق الطرق امامه إعلامياً حتى لا يكشف خبايا تشوهات عمرها عقود من الزمن، ولا تنفضح بالتالي ترهلات هذه الحركة و عطبها.
لن نختلف حول ان المناطقية سمة كريهة. لها دوافع كثيرة للظهور و التضخم. سلوكيات يمارسها البعض. سياسياً أو ثقافياً، حتى اقتصادياً لتدفع فئات معينة، او جماعات يشتركون مكانياً نحو التقوقع و التمركز. المنطقة ( بفتح الطاء). سواء كانت هذه المناطقية. واعية ام غريزية، و لا تستثنى منها الجماعات. المكانية. على تنوعها. قد تنتمي لقوميات او ديانات او اتجاهات. واحدة او متعددة، عموماً هو شكل تمييزي مرفوض على ضوء مواثيق و عهود حقوق الانسان. لكنه بنفس الوقت قد يكون البديل الوحيد. زمنياً. لتجاوز المحن والمصاعب و مواجهة الأخطار، وقد تتحول لثقافة شعبية أو ظاهرة مفروضة قسرياً. لا يمكن إزالتها بزوال الظروف او المسببات، وهنا الكارثة. ديمومة المناطقية وتجذرها، تقربنا كثيراً من مفاهيم العنصرية، عدا عن كونها  مدخل للتفكير بالاستقلال او الفكاك عن الجماعة الاوسع والاشمل. عندها تغدو الامور متداخلة ومن الصعب علاجها  .
المهمة الاولى في تقويض المناطقية  حتى لا تغدو متفشية كما الأوبئة. هو الاعتراف بوجود مشكلة. و من ثم البحث عن المسببات. فيما بعد تأتي الحلول. تلك هي القاعدة الأكاديمية البسيطة في الحل. لكن مع بالغ الأسف اثبتت التجربة أننا شعوب نسعى دائما إلى ترحيل مشاكلنا، او محاولة التقليل من خطورتها عبر طرق شتى. كعدم الاعتراف بوجد مشكلة و التنكر منها. تلك هي طريقة المستبدين والشموليين، أو معالجتها سراً. بالقمع و ما إلى ذلك، و التجربة السورية هي خير مثال و دليل. حيث حاول النظام السوري طيلة عقوده الماضية أن يظهر سوريا للعالم كوحدة متجانسة و متناسقة. بينما كان في الخفاء يمارس مزيجاً معقداً من الطائفية و العنصرية تجاه مكونات شعبه، و صنفهم بدرجات ومراتب بعضها كان واضحاً للعيان، وبعضها الاخر مازال رهين ادراج افرع المخابرات، و على حين غرة طفت كل هذه الاوبئة الى السطح. وما كان يتغنى به من وئام و انسجام ناقضه بين ليلة وضحاها. عندما كشر عن انيابه، و راح يسعى نحو تطييف الامور. كذلك الامر في العراق وجدنا بعد سقوط الطاغية كيف تفكك العراق الى مكونات مناطقية وعرقية و طائفية. 
يتبين من التجربتين هاتين ان هذه النظم السياسة في واقع الحال لم تعمل سوى على تفتيت مجتمعاتها، و تأليب بعضها ضد بعض. ليعيد من جديد صياغة مكونات دولته المارقة عبر مؤسسات الفساد والامن والمحسوبيات. التي تتحول بدورها مع الزمن الى مكونات تمضي في سياقات أخرى، بعد ان تخلق لنفسها ثقافة رخيصة و وضيعة، ولعلنا هنا نقف عند نقطة مهمة يخشى كثيرون الإشارة إليها بوضوح. مشكلة الكرد الإيزيديين في العراق. ظهرت مؤخراً كإحدى مشاكل البيت الكردي العراقي. مشكلة لها خصوصية معقدة بعض الشيء. لكنها بالنهاية موجودة منذ زمن طويل. ما يهمنا هنا انها ظهرت للعلن بغض النظر عن تشخيصها. كذلك الامر بالنسبة لمشكلة عفرين. مظلوميتها السياسية تنبع من تهميشها و من استحواذ اطراف الحركة الكردية على حصة الاسد من القرار الكردي . مع انها مازالت في طور النضال و لم تحقق منجزاً فعلياً. رغم ذلك لم تترك لعفرين سوى الهامش. و اعتبرت القضية الكردية حكراً عليها. و نصبت من نفسها إماماً طيلة العقود الماضية و ما على عفرين سوى الصلاة. ساعدها في ذلك الاشقاء في كرد العراق. لتغلق على نفسها الحركة الكردية دائرة من المحسوبيات. بانتظار الغنائم. و الغنائم هنا بالمعنى التهكمي. المجازي. على حد ظن ساسة الحركة الكردية. تلك هي الصورة رغم مرارتها. ليس من تفسير اخر، وبات الغبن، تلك المفردة الكردية التي صدعت رأس النظام السوري. باتت على لسان كل أهل عفرين. خاصة خلال تجربة السنوات الاخيرة، وحاول البعض نتيجة الصراعات الحزبية الداخلية تحميل مسودة الدستور و غياب اسم عفرين سبباً رئيسياً لغضب عفرين واهلها. البيان كان واضحاً. الدستور كان جزءاً. اي قيمة مضافة للمظلومية الطويلة.
المطلوب اليوم ليس الاعتراف بوجود مشكلة. المشكلة قائمة. إنما البحث عن ماهيتها، وعدم دفن الرؤوس في الرمال. و الابتعاد عن الحجج الواهية. من قبيل ان ثمة حزبين يتحكمان بعفرين. هذه ليست الحقيقة كلها. الجزء الأكبر في مكان اخر. في الحركة نفسها. مع غياب تام للجانب المعرفي و الثقافي عن عفرين . الخصوصية بالنهاية ليست عاراً و لا عيباً. المزاج الثقافي الشعبي الكردي في اربيل او ديار بكر يختلف عما عليه في القامشلي. و شمال ايطاليا ليست كما جنوبها، وعرب المغرب يختلفون جذرياً بموروثهم عن عرب شبه الجزيرة العربية، وهكذا. 
 البيان في حقيقته كان بمثابة جرس انذار. على حد تعبير احد الاصدقاء. صم الاذان عن هذا التنبيه كارثة أخرى. تنذر بخيار وحيد امام عفرين للمضي قدماً نحو  المناطقية. رغم مرارتها. مع ديمومة المسببات، والدخول في ذرائعية مقيتة تبريرية من قبل الحركة الكردية للتنصل من المسؤوليات. من جهة اخرى. يجب الانتباه. ان هذا الخيار لم تنتجه قوى سياسية كردية تخص عفرين. كم يريد البعض ان يشخصن المشكلة و يحصرها بزوايا ضيقة. كمسودة الدستور او بتحركات بعض الاحزاب. إنما هي مزاج شعبي. كما اسلفت. عملية تراكمية. تمتد لفترة طويلة. ربما عقدين او أكثر، لتظهر عوارضها مؤخراً في الشارع العفريني. إذاً نحن اليوم وجهاً لوجه مع مشكلة جديدة و قديمة بنفس الوقت. لكنها كانت في حالة كمون، و بيان المثقفين و الناشطين لم يكن سوى إنذاراً بما هو أت في القادم من الأيام.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21721