حذارِ من مستصغر الشرر
التاريخ: الثلاثاء 06 كانون الأول 2016
الموضوع: اخبار



د. ولات .ح. محمد

   بات أحدنا يشعر أن الأمور في غرب كوردستان وصلت إلى حافة الهاوية؛ فالأطراف السياسية غير قادرة على إحداث اختراق في الحالة القائمة الشبيهة بالحرب الباردة بين الطرفين الأساسيين على الساحة السياسية هناك. وهي حالة انتقلت عدواها إلى الشارع، وهذا هو وجه الخطورة في المشهد القائم؛ فالأمر لم يعد مقتصراً على أطراف تتنافس على بسط سيطرتها أمنياً وسياسياً على المنطقة المعنية، بل صار الناس في الشارع فريقين، كل منهما لا يرى في الآخر منافساً شرعياً له بل عدواً يريد القضاء عليه وعلى طموحاته ووجوده. 


أمام هذه الحالة انقسم الكتاب والمثقفون أيضاً، وصار يرى كلٌ فريقه على حق والآخر على باطل، ووصلت عملية الشحن والتعبئة مديات بعيدة وكأن القوم مقبلون على خوض حرب لا محالة. أما اتهامات العمالة والخيانة والتآمر فباتت من المفردات المتداولة في معاجم الجيب عند الناس، وصارت كفصفصة حب البزر مع كأس الشاي. وهذا ما يجعل وقوع أي حادث في أي مكان أمراً محتملاً في أي وقت لأن البيئة جاهزة. المرعب في الأمر أن مرتكب الخطأ قد لا يشعر بالتردد أو الخوف أو الخجل لأنه يظن أنه يواجه عدواً وليس أخاً وجاراً وصديقاً وابن حارة أو قرية أو زميل مدرسة. ويعود الفضل في ذلك إلى ممارسات السياسيين طبعاً.   

   إزاء هذا الواقع المؤسف والخطير يتوجب على الأطراف الكوردية السياسية ومن موقع مسؤوليتها عن هذا الشعب (خيراً وشراً) أن تذهب فوراً إلى مبادرة (من أي نوع كانت) ليس من الضروري أن تتضمن حلاً لهذا الوضع، بل المهم أن تنفس هذا الاحتقان القابل للانفجار في أي باشتعال شرارة صغيرة إن لم يتم تداركه فوراً. وأولى وأهم نقاط المبادرة يجب أن تكون وقف حملات التشهير والتخوين على وسائل الإعلام وتهدئة الوسط الجماهيري، ثم التفكير في مبادرة للاتفاق على الحدود الدنيا لتقارب كوردي كوردي في هذه الظروف الحساسة والمفصلية. وليس من الضرورة بمكان أن يحقق كل طرف طموحاته ومطالبه التاريخية كاملة في هذا الاتفاق، لأنه لو تم فعلاً فإن مكاسبه مستقبلية وستكون للجميع ودون استثناء. والعكس صحيح أيضاً؛ فإضاعة المكاسب والدخول في صراع داخلي أهلي سيقضي على الجميع ودون استثناء.

   إن الذهاب إلى التهدئة عمل مسؤول وعقلاني وحكيم وحضاري، والطرف الذي سيطالب بها ويبادر إليها سيبدو قوياً وكبيراً وحكيماً في عيون الجمهور عموماً، وسيزداد احتراماً ومحبة في قلوب الناس لأنهم متعطشون إلى مثل هذا العمل بعد هذه السنوات الطويلة من الاختلافات والصراعات التي ألحقت أضراراً كبيرة بحياتهم ومعيشتهم وأمنهم. وهو من جهة ثانية لا يعني التنازل عما يراه كل طرف حقاً له، بل يعني تجميد المواجهة المؤذية والضارة بحياة الناس وبالمكاسب الكوردية عموماً، وانتظار تغير الظروف الحالية واستقرار الأوضاع للدخول في منافسة سياسية نزيهة وشريفة كما يحصل عند المجتمعات المتحضرة. علماً أن أولوية المبادرة في مثل هذه الحالات تقع على عاتق الطرف الذي بيده القوة والإدارة والأرض.

   إن بديل مثل هذا الطرح وهذه التضحية هو المواجهة والتصعيد. ومن يفكر بهذه الطريقة (من أي طرف كان) عليه أولاً أن يعلم أن البداية قد تكون بيده ولكنه لا يستطيع أن يحدد لمن ستكون النهاية وكيف ستكون وكم سيستغرق من زمن حتى يصل إلى تلك النهاية. وثانياً عليه أن يضع في حسبانه أربعة عوامل غاية في الأهمية كما أرى: 
1 - أنه يواجه أخاه وجاره وصديقه وابن حارته وقريته ...إلخ، وهذا أسوأ أنواع المواجهات وأكثرها دموية وتدميراً، لأنها لا تقتصر على تدمير البنيان، بل تدمر المجتمع أيضا وتتركه مفككاً حتى زمن بعيد. والحريص على شعبه لا يُدخله في هذه التهلكة مهما تكن الأسباب والمغريات.
 2 – أن أعداءه سوف يغذون هذه الحرب، وكلما خفَتَتْ نارها زادوها وقوداً. وسترى الأطراف المتصارعة في لحظة ما أنها تتقاتل من أجل القتل والانتقام فقط لأنها لن ترى انتصارا أبداً. ولنا في الحالة اللبنانية سابقاً والسورية حالياً والصومالية المستمرة عبرة لمن يريد أن يعتبر.
 3- أن هناك من يدفع بهذا الاتجاه حتى يقضي على كل مكتسبات الكورد التي حققوها منذ ربع قرن إلى هذه اللحظة، لأنهم يدركون أن زمن حصول الكوردي على حقه قد حان، لذلك يسعون إلى ضرب الكوردي بالكوردي لأنهم لا يستطيعون ضربه بأنفسهم، فذاك الزمن قد ولّى، أما هذه العملية فلن تكلفهم سوى نقود وأسلحة تُقدّمها للأطراف المتقاتلة.
 4- للأسباب السابقة يجب الابتعاد عن المواجهة الدموية، خصوصاً إذا أضفنا أن الوضع الحالي وضع مؤقت وليس أبدياً دائماً، وأنه سينتهي بانتهاء الظروف الحالية وتسوية الوضع السوري العام، وحينها ستكون كل الأطراف في حالة متساوية أمام الجمهور. وحتى لو تم هذا بعد سنة أو سنتين فإنه وقت غير طويل ولا يستحق مغامرات قد تحرق الأخضر واليابس لسنوات طويلة.

   ملاحظة: بعد وقوع الفأس في الرأس لا يكفي أن يقول طرف ما إن الطرف الآخر قد أجبره على المواجهة وإنه لم يكن أمامه إلا هذا الخيار. إن مثل هذا الكلام لن يفيد ولن يغير شيئاً من حجم الكارثة التي صنعناها بأيدينا هذه المرة. إن المعارضة السورية إلى الآن تقول إن النظام هو الذي أجبرها على المواجهة المسلحة، ويقول النظام إن المعارضة كانت مدفوعة من الخارج وغير ذلك. ولكن ما فائدة هذا الكلام؟؟. فقط علينا أن ننظر إلى النتائج؛ فالعبرة هناك وليس في مَن على حق ومَن على باطل؟. علماً أن هذه أيضاً نسبية؛ فالبشر ليسوا ملائكة وشياطين...!!. إن السوريين (موالاة ومعارضة) لو عادت بهم آلة الزمن إلى ما قبل آذار 2011 فسيذهبون حتماً إلى خيارات أخرى مختلفة تماماً عما ذهبوا إليه في ذلك التاريخ، ودون أن يشعر أحدهم بالهزيمة أو الانتصار لقلة المكاسب أو كثرتها، أو لبقاء مادة دستورية أو قانونية أو زوالها أو تغييرها، لأن ما حصل وما عاشوه وما رأوه وما حلّ ببلدهم لا توازيه أية خسارة ولا يعوضه أي مكسب سياسي أو عسكري ميداني زائل.
   
   حرب البسوس دامت أربعين عاماً وأبادت قبيلتين كبيرتين كان أبناؤهما أولاد أعمام بسبب أزعر متهور من إحداهما قتل جملاً كانت صاحبته في ضيافة القبيلة الأخرى فاعتبرتها إهانة لها. الحرب الأهلية اللبنانبة بدأت بمقتل عنصر مسلح تابع لأحد الأحزاب آنذاك. وأغلب النزاعات الأهلية المدمرة تبدأ بهذه الطريقة: حدث بسيط صغير لا يُعالج بحكمة، والبيئة والأجواء تكون مهيئة مسبقاً بسبب حالة العداء والشحن الموجودة بين الأطراف المختلفة، فتبدأ النار تحصد الأرواح والأشياء، ثم تأكل بعضها بعضاً حتى لا يبقى سوى الرماد. 

   لذلك كله نعم للعمل السلمي وللحكمة وللتأني، ولا للمواجهة العنيفة المدمرة. نعم للمبادرات المقرّبة بين الأطراف السياسية والمهدّئة لقلوب الناس ولا للتشهير والتخوين، نعم للتفكير بمصالح الناس ومصائرهم ولا لتفضيل المصالح الذاتية وتقدبم الناس قرابين من أجل تحقيقها. 

   "معظم النار من مستصغر الشرر"، فسحقاً لمن أشعل الشرارة الأولى وطوبى لمن منعها.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21580