من أين وكيف نبدأ الحوار الكوردي؟
التاريخ: الأثنين 14 تشرين الثاني 2016
الموضوع: اخبار



جان كورد

في البداية كتبنا في موقعنا على الفيسبووك هذا النص المتواضع منذ أيامٍ قلائل، دفعنا بعد قراءة تعليقات الإخوة الناشطين إلى كتابة هذا المقال. 
(( ادعو سائر المثقفين الكورد "السوريين" في هذا الوقت العصيب الى تشكيل لجان للحوار من اجل تقريب وجهات نظرهم ونظر الأحزاب السياسية الكوردية في مختلف المسائل العامة التي على جداول البحث والنقاش في مجتمعنا، سواء في داخل البلاد أو خارجها، واللجان ليست لها صفات تنظيمية وانما عمل تشاركي طوعي محدود المجال لأناس يؤمنون بالحوار ويعملون من أجل انجاحه... وليكن الاسم هكذا على سبيل المثال: لجنة الحوار الكوردي في (اسم المدينة) ... وهذا بالطبع سيكون افضل من حوار المجاميع الحزبية الذي حتى الآن لم يتمكن من تحريك الجماهير بالشكل المأمول، فلا كان الجسر الذي لم تستوعب الجماهير اهميته لها ولم تساهم فيه بنفسها... 


وبعد الانتهاء من حوارنا القومي الداخلي نجلس مع اخوتنا السوريين ونتحاور معهم على ثوابت محددة، ولا بأس أن يتزامن الحواران (الكوردي الداخلي) و(الحوار السوري العام)، ويقينا نحن جميعا بحاجة الى ذلك. وآمل أن يأخذ الأصدقاء هذا الاقتراح بجدية، إذ من دون الحوار سنفشل باستمرار. فهل من بادئين بهذا...  جان كورد - 11/11/2016))
في جعبة كلٍ منا، نحن المهتمون بالقضايا السياسية بين الشعب الكوردي، مشروع أو مشاريع للسياسة ولإدارة المجتمع ولتحقيق الوحدة الوطنية... وأهداف قريبة وأخرى بعيدة... و ... و ...  إلا أن قلةً قليلة منا جعل "الحوار الكوردي القومي" وكذلك الحوار مع جيران الكورد، من عربٍ وفرس وترك، وما بينهم من الأقليات القومية والدينية، مشروعه الأهم والأولى بالحديث عنه بجدية، على الرغم من أن "الحوار" يكاد يكون الخطوة الأولى نحو تنفيذ أي مشروعٍ كان وتحقيق أي هدف معلنٍ أو غير معلن.
فما تعريف واشكال الحوار؟
الحوار الذي يقابله في اليونانية القديمة (διάλογος diálogos) والذي هو جزء هام من المحادثة الإنسانية، له نوعان، ذاتي، بين المرء ونفسه، بصورة علنية مسموعة أو في أعماقه الإنسانية، وهذا يسمى ب"المونولوغ" الذي يطفو على السطح على الأغلب في المسرحيات وبعض الأفلام السينمائية، وفي بعض النصوص الأدبية، حيث يبتكر المرء أحياناً شخصيةً أخرى مماثلة له أو على شكلٍ مختلف عنه، يحاورها في شأنٍ من الشؤون، وفي معظم الأحيان تكون المشاكل الشخصية هي السبب في محاورة المرء لنفسه أو أن القمع الخارجي قوي لدرجة أن المرء لا يستطيع الإفصاح عما يدور في خلده أمام الناس، فيلجأ إلى الحوار الداخلي أو الشخصي أو إلى أشكالٍ معينة من الرسم والغناء والهلوسة الغامضة... 
أما النوع الآخر من الحوار، أي (الديالوغ)، فيكون بين شخصين، لوحدهما أو على خشبة المسرح أو أمام جمعٍ من الناس، وقد يكون بين شخص وجماعة، أو بين جماعتين، أو بين عدة جماعات، في ساحةٍ أو قاعةٍ ما أو أمام الجماهير أو حول طاولات مربعة أو مستطيلة أو دائرية، وهذا الحوار هو السائد في الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية. وهذا يقود إلى أنماط من الحوار الثلاثي (تريلوغ) ... والرباعي والجمعي ... 
وقد يكون الديالوغ حواراً بين إنسانٍ وجهاز الكتروني، أو بين جهازين أو عدة أجهزة الكترونية، وقد يكون معقداً للغاية، كما هو الحال بين مؤسسات وكالة ناسا الفضائية والأجهزة المرسلة إلى الفضاء الواسع في الكون، مثلما هناك حوار يكون فيه هذا الطرف في وادٍ والآخر في وادٍ آخر، بمعنى أن كلاً منهما يتحدث في شأنٍ غير الذي يريده الآخر، والحوار يعتبر جزءاً هاماً من أدوات التربية والتعليم، ويتم الامتحان المدرسي فيه في بعض البلدان المتقدمة، بل هناك "الحوار المطبخي" الذي فيه تمازج وتفاعل وتفاضل بين وجباتٍ مختلفة من ثقافات وبلدان متعددة، كما هناك ما نسميه ب"حوار الطرشان" الذي لا يستمع فيه المتحدث إلى ما يقوله الآخر، وبالعكس، وهذا الحوار غير  منتج...
تطور الحوار بين الفلاسفة الإغريق، فنجم عنه الجدل (الديالكتيك)، حيث هناك (الطرح) و(الطرح المعاكس)، وكان هناك الحوار الأدبي الذي يدعى ب"حوار بلاطو"، حيث كان الفيلسوف (بلاطو - Plato) (428/427–348/347 v. Chr.) يدع شخصيات أعماله الأدبية تتحاور فيما بينها من زوايا مختلفة في موضوعات يطرحها هو من دون المشاركة بنفسه في الحوار. 
أما الحوار الذي نبتغيه ونحتاج إليه في العمل السياسي - التنظيمي الكوردي، والسوري عامة، فهو حوار بين أشخاص يمثلون اتجاهاتٍ سياسية معينة، ويكون حول موضوعات محددة في بيئاتٍ مختلفة لها مشاكل غير التي في بيئاتٍ أخرى، وحيث يستطيع البعض القليل من الناس الملتزمين توضيح وجهة نظر تنظيمهم الذي يلتزمون به ونقل الانتقادات والملاحظات التي يتلقونها أثناء الحوار إليه، والموضوعات المطروحة أمام حراكنا السياسي – الثقافي لا علاقة لها بالفلسفة أو الدين، وإنما بالمشاكل التي تعترض أحزابنا ومنظماتنا على طريق العمل السياسي – الثقافي المشترك، ولمعرفة أسباب الانشقاق والخلاف والتنافر والصراع المستمر معرفةً جيدة، وكذلك لاجتذاب المؤيدين عن طريق اشراكهم ومساهمتهم في الحوار، ومن ثم العمل الدؤوب من أجل تقريب وجهات النظر بصدد موضوعٍ ما ولتحقيق أهدافٍ قريبةٍ وبعيدة.... 
والحوار يسمو عندما يلتزم طرفاه بالنقاش الجاد والموضوعي والهام، ولا بأس أن يتمتع المتحاورون بشيءٍ من الدعابة، إلا أن عليهم الابتعاد عن السخرية بالطرف الآخر أو التهكم به أو التكبَر عليه أو إهانته شخصياً أو سياسياً، فهذا يثير مزيداً من الخصام والتنافر ويقلل من أهمية دور الحوار الذي بالتأكيد يتناول الموضوعات التي عليها خلافات، فإذا كان الطرفان منسجمين تماماً فلماذا المجيء للحوار أصلاً؟ 
 ومن أفضل الأساليب لتحقيق نجاحٍ في الحوار، هو أن يبرز من كل طرفٍ من طرفي الحوار شخص ما، يعرف موقف وسياسة وأهداف تنظيمه معرفةً جيدة، كما يعرف أسلوب الدفاع عن وجهة نظره ببلاغة وأدب، فيروي أمام السامعين ما يراه صحيحاً وهاماً، ويطلب منهم تأييده فيما يطرحه، ثم يبرز الخصم أو المخالف له ويتحدث كالأول عن الموضوع ذاته، ضمن إطار زمني محدد للطرفين، مفنداً الرأي المطروح سابقاً، ومن بعد ذلك تطرح اللجنة المكلّفة بإدارة جلسة الحوار تصويت السامعين برفع الأيدي بصدد الرأي والرأي المخالف للحسم في أمر الموضوع أو المشكلة التي تم النقاش حولها، وفي النهاية ينقل طرفا الحوار رأي الجمهور في طرحهما، كل منهما إلى تنظيمه لتصبح نتيجة الحوار والتصويت عليه أساساً لمناقشة الفكرة ذاتها داخل التنظيم، الذي يجب أن يحترم آراء الجمهور ويعمل على أخذ الأفضل من الأفكار والنتائج التي تمخض عنها الحوار من أجل تحسين سياسته وتغيير مواقفه. 
يقيناً، إن هذا الأسلوب في البدء بالحوار الكوردي الداخلي، وفي الحوار السوري المأمول عامةً، سيكون ناجعاً ومفيداً لكل من يأمل في الخروج من دوامة العنف وإراقة الدماء وتدمير قوى شعبنا وهدر طاقاته. 
‏13‏ تشرين الثاني‏، 2016






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21488