احترام العادات والتقاليد، شيء جميل جدا، ولكن تطوير تلك المبادئ إلى الأمام شيء صعب المنال.
نحن مستعدون للتقليد الحضاري بكل أشكاله، سواء في الوطن أم في بلاد الناس - جعل الله لنا يوما ما بلدا- ننتقي أفضل أجهزة تليفونات خليوية لحملها والتبحبح بها، نبحث عن أفضل موديلات للسيارات و يفضل أن تكون مرسيدس ب م دبليو، موديل السنة الجديدة، حتى لوكانت بقروض البنك الطويلة لا يهم: ولكن أن نحترم مشاعر أطفالنا و شبابنا و نسائنا ؟ ممنوع، حرام، مخجل، وإلا فأين بقيت رجولتنا ؟
بناز ركبت على ظهر فرس ملائكي و طارت بهدوء لتحط رحالها ضيفة عزيزة على دعاء.
بناز: سلام الله عليك يا دعاء
دعاء: وطئت أهلا يا أختاه، ضعي رحالك و انزلي في جنة رب عدل بنا، هنا، ها هو جناحك الفردوسي، ارتاحي و اسردي لي قصتك - بيجا هفالا هيجا بيجا-
بناز: يا أختاه، لقد زوجوني و أنا في السابعة عشر من عمري، لا لي علم ولاخبر بما كان ينتظرني، أرادو أن يسكتوني على وجه الحياة، قتلوا صرختي قبل أن يخنقوني، علموني أنه قضائي و قدري مع زوجي.
دعاء: و هل أحببتي زوجك كما كنت أنا أحمل مشاعري وعواطفي لخطيبي المستقبلي؟
بناز: الحب، قتلوه في كبدي قبل أن يكبر، علموني أنه من المحرمات، والدتي سهرت ليالي طويلة ويدها على شعري تعلمني رسائل والدي، يا بنيتي، يا حبيبتي: لا تفضحينا، أجيرك بالله، لا تلوثي شرفنا و تطئي برأس أهلك في الوحل والأرض، أنسي من تكنين له مشاعرا، ألا ترينني، يوما ما تزوجت والدك أيضا و الحمد لله، صار لنا بيت وعيال، و صرت على صراط مستقيم.
دعاء: و هل يعرفون الله، أيعرفون من هو رب السماء والأرض، هل عاملونا بقوانين إلهية، أم دنيونية أنانية؟ لكن أبشرك اليوم، هنا ما من فرق بين ديني و دينك، اليوم نحن أخوات في ربوع رب خلقنا لنتعارف ونتآخى.
بناز: نعم يا عزيزتي، حتى على وجه الأرض أمرهم رب السموات بالتآخي والمودة والتفاهم، ولكن ما الفائدة، ضربوها كلها عرض الحائط، جميل جدا أنه لافرق بيننا و بين كل الآخرين هنا.
أهلي تعبوا بتربيتي، هربوا من ظروف بلادهم إلى بلاد الغربة، فكروا بالتجديد والتحديث والحياة الرغيدة الأفضل، و كان هدفهم هو تحسين وضعنا جميعا إلى الأفضل.
دعاء: و هل تغير الحال إلى الأفضل، أن ربنا يقول: لا ولن أغير بقوم شيئا، ألا أن يغيروا هم ما بأنفسهم.
بناز: كلهم مذنبون بقتلنا، أهلنا، مجتمعنا، قيادتنا، ولكن هل تنتهي القصة بمعرفة المذنب؟
دعاء: لا، مع الأسف، أنا و أنت لا نبحث عن مذنب، بل نبحث عن طرق تفاهم جديدة، عن حرية محترمة، عن انفتاح في شخصيتنا و عائلتنا و مجتمعنا،دمنا هدر من أجل هذا، أأصبحنا شهداء؟ لعسى ولعل لا يلحق بنا أخوات أخريات.
بناز: لم نطالب بشرف الشهادة، و لسنا شهداء للدعاية والأعلان، كل ما طلبناه هو حرية الرأي، ذلك اللذي ينادي به كل منظماتنا وأحزابنا و مجتمعاتنا:
دعاء: قوانينا في الدين تتطلب تقبيل الأكبر منا عمرا و سماع كلامهم، أينما كان وكيف ما كان:
بناز: قوانين ديننا تقول أن الرجال قوامون على النساء، هل من فرق بين ديننا ودينكم؟
دعاء: هل بالفعل يخاف كل واحد منهم من الآخر؟ أيخجلون فقط أن يخسروا ماء الوجه؟
بناز: لا ياعزيزتي، أظن أنهم يختبئون وراء زي العادات والتقاليد، لكن الحقيقة نائمة في مكان آخر، رجالنا مع الأسف ليس لديهم ثقة بنفسهم، يحبون الأحتكار والتسلط، يخافون أن يخسروها:
دعاء: آه يا أختاه، فقط لو فهمونا و عاملونا كالبشر و ليس كملك يباع ويشترى ويهدى، ولو أنهم دعونا نختار شركاء حياتنا و نحن مسؤولات عن قراراتنا:
بناز: لعلهم يريدون مصلحتنا ويخافون علينا؟
دعاء: مصلحتنا ليست كامنة أن يختاروا لنا طريقة حياتنا و شركاء حياتنا، إلى الأبد:
بناز: هم عاشوا حياتهم، في زمن محدد و ما كان يصلح لحياتهم من قوانينهم السارية، قد لا يصلح لزمننا؟
دعاء: و ازدادت مصيبتك في بلاد الغربة يا أختاه، أهلك حسبوا حساب كل شيء ولكن نسوا أن تأثير البلد الجديد على البنات والأبناء قادم، آجلا أم عاجلا.
بناز: هل بالضرورة أن تكون الحياة في بلد متطور آخر تغيير عاداتنا وتقاليدنا و اعتناق عادات سلبية؟
دعاء: لا يا عزيزتي، خير الأمور أوسطها، يجب أن ينتقى الأفضل و أخذه بعين الأعتبار، نأخذ الأيجابيات و نترك الكثير من السلبيات، لكن هل يسلم بائع المخدرات من اعطائها؟
بناز: لا، لا أظن فلا بد، بقصد أو بغير قصد أن تمر عليه ساعات ضعف يتصرف فيها بأسلوب، يسمونه في عالم الأحياء، أسلوب خاطىء و لذلك قد لايسلم بنطلون الصياد أيضا من أن يبلل بالماء:
دعاء: اذا عليهم أن يحسبوا حساب كل ذلك، قبل خروجهم من بلدهم و ديارهم؟
بناز: نعم، لا بد أن يفكروا بهذا أيضا، وليس فقط في البلد الجديد، أكل الزبيب من على الكاتو و ترك الكاتو يابسا دون و كبه في الزبالة:
دعاء: آه يا أختاه، لقد صعبت لغتك، ولم أعد أفهم كل ما تعنين وما تريدين أن تقوليه ؟
بناز: اذا لندع هذا اليوم، فأنا أيضا جئت من سفر طويل، عناءه كثير.
دعاء: أنت ضيفتي اليوم، و غدا صاحبة جناحك الخاص، لتسترحي و نكمل حديثنا عن قريب، و سأعرفك غدا أيضا على زينى، هل تذكرتيها، حبيبة ممو؟
بناز: نعم، يااااه، لكم اشتقت أليها و لكم حلمت أن أتكلم معها، ولكن بكو هل هو أيضا قريب من هنا ؟
دعاء: بكو، في مكان آخر، بعيد عنا، ولكن مع الأسف مازال هناك آلاف الأسماء الملقبة ببكو في عالم الأحياء: فهل سيصبح بكو يوما ما لنا صديقا و يجلس معنا على طاولة، لنشرح له همومنا و آلامنا؟
هل سيفهموننا يوما ما ؟
---------
* مرشد اجتماعي، مترجم، النمسا.