لقاء برلين .. مدخل لتحويل القضية الكردية السورية إلى قضية وطنية
التاريخ: الأحد 28 اب 2016
الموضوع: اخبار



صبيحة خليل

فشلت الحركة الكردية السورية منذ بدايات تشكلها في خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم في تسويق القضية الكردية سورياً، وجعلها قضية وطنية تهم الرأي العام السوري. 
ربما مرد ذلك إلى جملة من الأسباب المتعددة، بعضها خاص بمصادرة الحياة السياسية السورية بعد استلام البعث الفاشي للحكم، وطغيان المناخ العروبي في صهر كل الإثنيات وبكافة السبل في بوتقة القومية العربية و الحواجز التي بناها بين مختلف المكونات السورية و حرص على ترك تابوهات دفينة يمنع الخوض فيها.  وبعضها الآخر كردي صرف. يتلخص في تقوقع الكرد السوريين على أنفسهم نتيجة قصور في الرؤيا فحواه أن لا جدوى من توسيع دائرة التواصل والعلاقات فيما يخص الوسط السوري، و تفضيلهم التواصل مع أقرانهم في الدول المجاورة لسوريا مثل تركيا والعراق. 


نتج عن ذلك أن البعد الوطني لم يعد له معنى عند غالبية الكرد السوريين، ترافق ذلك مع إفراغ النظام لمفهوم الهوية الوطنية من جوهرها واستبدالها بشعارات طنانة وجوفاء. اكتشف عموم الشعب السوري فيما بعد أنها لم تكن سوى استراتيجية لديمومة النظام الأمني و القمعي.
بعيد انطلاقة الثورة السورية كانت الفرصة سانحة أمام الكرد لتحويل قضيتهم إلى جزء من قضية الحرية والكرامة السورية المفقودة، مع المحافظة على خصوصيتها بنفس الوقت. 
كلنا يتذكر كيف ارتفع العلم الكردي وترددت الشعارات الكردية في أغلب المظاهرات التي عمت أرجاء سوريا وتحولت كلمة آزادي الى مفردة سورية تعبر عن الكل السوري، وبدت كأنها مدخل نحو التصالح وردّ الاعتبار لكم الحيف والغبن الذي ألحق بالكرد، و ربما كان البعض متورط فيها نتيجة سياسات البعث العنصرية. 
لكن للأسف سرعان ما تبلورت الانشقاقات الكردية، عمودياً وأفقياً، و تشتت الشارع الكردي، وتحولت الحركة الكردية في أغلبها إلى مجموعات متنافرة ومتناحرة بغية الحصول على مكاسب حزبية وسياسية لا تخدم القضية الكردية السورية بقدر ما تخدم المزاج السياسي الشخصي المتمثل بامتطاء قوائم كرسي القيادة. 
وبذا تم احتكار القضية الكردية لصالح مجموعة من المنتفعين، مثلهم مثل المعارضة السورية الكلاسيكية التي وقعت في نفس الفخ وتخلت عن دورها في عملية التغيير الجارية، وانشغلت بالتنافس على مكاسب آنية ومرحلية. 
وكانت الضربة القاضية للعموم السوري عندما استطاعت الحركة الكردية رغم التباين فيما بينها، على تفكيك المنظومات الشبابية التي مهدت لتعويم القضية الكردية سورياً وربطتها بمفاهيم وطنية تخص كل السوريين. و نتيجة هذا التفكيك أضاعت فرصة تاريخية من الصعب تكرارها و هي فرصة خلق حوار و شراكة سورية- سورية بين الكرد و محيطهم السوري الموضوعي. 
على مستوى عموم سوريا قامت الأصوليات التي شكلها أمراء الحرب و يتامى القاعدة على تمزيق ما تبق من النسيج الوطني المهترئ أصلاً بفعل الاستبداد.
وبالعودة الى لقاء برلين الذي جاء بمبادرة من مركز حرمون للدراسات تحت عنوان ملتقى إبراهيم هنانو، والذي جمع نخبة من المثقفين العرب والكرد، بغية إذابة الجليد الذي تراكم نتيجة منعكسات الصراع المسلح على الأرض وتصاعد النبرة العدائية بين العرب والكرد على ضوء حماقات بعض الأطراف الكردية والعربية على حد سواء. 
اللقاء يمكن اعتباره مقدمة لنزع حقول الألغام بين كلا الطرفين ومدخلاً لرسم ملامح القضية من مختلف وجهات النظر. وتشريح للراهن. المطالب والمخاوف عبر عدة محاور و مواضيع وضعت على طاولة النقاش:  جذور القضية الكردية و راهنها، الثورة السورية و مفاعيلها على القضية الكردية، تحليل الوضع الراهن السوري و السيناريوهات المحتملة و تأثيره على القضية الكردية، شكل الحكم فدرالية أم لامركزية إدارية؟ و بعض الأطروحات لمعالجة القضية الكردية و من ثم طرح مصفوفة للحل كاجتهاد قابل لجذب النقاش العام حول القضية الكردية من أجل إنضاج مشروع حل تنفيذي لها.
كما يعد محاولة جادة في طرح رؤى علمية و عملية بعيداً عن الخوض المسهب الذي يشتهر به السوريون عموماً و الكرد بنصيب وافر في سرديات الظلم و تشخيصه فقط دون التطرق للحلول، أو ربما انتظار المقترحات من أطراف أخرى.
الكثير من المهتمين بالشأن الكردي أظهروا امتعاضهم و سخطهم حتى من دون الرجوع لقراءة مخرجات مجموعة العمل، مرد ذلك لعقلية الوكالة الحصرية للقضية لفئة لا تجد إلا نفسها أهلا لتصدر حلقات النقاش. لم يكن ثمة مبرر لتلك المخاوف فالعملية برمتها لم تكن مفاوضات بين كرد و عرب كما فهم البعض، هي محاولة لكسر النمط الاحترابي الذي يسود أجواء السوريين بالعموم.
لأصحاب المخاوف أقول لا داع للقلق فللجميع حصة في شعبه و قضاياه، و أدوار الجميع محفوظة، و لم أجد أحداً هناك ادعى أنه يمثل إلا ما يكون بالفعل.
علينا ألا ننسى أن قضايا الشعوب هي ملك لكل أفرادها وهي تحتاج لتضافر كل الجهود لشرحها وتفصيلها، ولا يمكن لقضية أن تنجح بعيداً عن أطرها الموضوعية المحيطة بها في حالتنا نحن الكرد يشمل باقي السوريين هذا الإطار.
حري بنا اليوم أن  نتخلى عن عقلية الوصاية التي أنتجتها الأنظمة القمعية لتبتز شعوبها وتحولها لمجرد قطعان تسهل قيادتها، وأن نبدي المرونة تجاه الآخر المختلف. هذه المرونة المفقودة التي انعكست على البيت الداخلي الكردي، وتسببت بتهجير الآلاف من الكرد وزجت بالآخرين المختلفين في غياهب السجون الكردية المستحدثة.
بقي أن أقول أن الآراء لم تكن موحدة لا من الكرد المشاركين و لا من السوريين الآخرين كانت الاجتهادات مفتوحة، و لم تكن قط نصوصاً مقدسة ليمضي عليها الآخرين صكوك إذعان أو تخاذل، و حتى هذه اللحظة يجري العمل و النقاش حول مجمل مصفوفة الحل التي خرجت للإعلام و سببت وعكة كردية بسبب العنوان المثير للجدل. الذي سرعان ما تم تبديله بعنوان آخر يناسب فحوى التقرير.
أخيراً أعتقد أنه من الضروري بمكان أن ندرك أننا إن لم نتقن فن الحوار فلن تنقذنا دماء الضحايا و الشهداء، فصياغة التاريخ القادم بيد أصحاب المشاريع الجادة، الذين يملكون القدرة على إقناع الآخر الشريك في الوطن بمصلحة السوريين جميعا في حل عادل لقضيتنا الكردية و باقي القضايا الأخرى التي ستغدو المحك الحقيقي  لديمقراطية سوريا المستقبل.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=21104