ماذا تعني حلب لكرد سوريا؟
التاريخ: الجمعة 06 ايار 2016
الموضوع: اخبار



عبدو خليل
 
تحاول بعض القوى السياسية الكردية السورية خاصة تلك التي تملك فرض إرادتها على الارض بقوة الحديد والنار، والذي يستند في بث ديماغوجيته على جوقة من مثقفي واعلاميي منظومة حزب العمال الكردستاني المغردين كعادتهم دائماً خارج اطار المكان و الزمان. يحاول هؤلاء أن يبرروا للرأي العام الكردي أن ما يجري في حلب من تدمير وحرائق ومجازر شأن عربي صرف يخص سكانها العرب، ولا ناقة للكرد فيها ولا جمل.
قبل الدخول في محاولة توصيف الحقيقة التي تقود إلى أهمية حلب بالنسبة للكرد، لابد من طرح جملة تساؤلات مشروعة على تلك القوى المتحكمة بالقرار الكردي وتقوم بتوجيه مكناتها الاعلامية لتمييع وتبرير الفظائع التي تجري في حلب. 


اولاً: لماذا لا تفتحون الأبواب أمام من تبقى من الفقراء والبسطاء العالقين في حي الشيخ مقصود. لماذا رفضتم دعوات ومقترحات بعض الفصائل لإجلاء السكان المدنيين وتحييدهم من الصراع ؟!. لن نقول السكان الذين تتخذونهم رهائن للتضحية بهم من أجل تبرير أجنداتكم في مزاد الدم السوري، وتعملون ليل نهار على التمدد باتجاه طرق ومناطق يستعر عليها الخلاف ما بين النظام والمعارضة. هل الغاية فقط سقوط أكبر عدد من المدنيين الكرد لإظهار الطرف الآخر من فصائل المعارضة المسلحة بأنها ترتكب مجازر حرب ؟. لست هنا بالتأكيد بوارد الدفاع عن حماقات تلك الفصائل ولا عن جرائمها. حتى لا يصطاد البعض في الماء العكر. فالكثير منها موغل في الدم السوري، بقصد أو بدون قصد، وباتت هي الأخرى تمتهن الحرب كتجارة رائجة. ولكن لماذا تزجون بخيرة شبابنا في الدفاع عن حي بائس مقفر ضمن مدينة لا تعنيكم بشيء كما تروجون لذلك ليل نهار ، وتعتبرون التضامن معها هو ضرب من العبث، لا بل تنعتون بالخيانة  كل كردي يدعوا للوقوف الى جانب المدينة التي تنوء تحت وقع البراميل والصواريخ . لماذا لا تخرجون  من حلب بهدوء وتتركوها لمصيرها الأسود. و كما يقول البعض منكم . "فخار يكسر بعضه" . أم أن وراء الأكمة ما وراءها من اتفاقيات وعهود؟
وبالعودة إلى أهمية حلب بالنسبة لكرد سوريا لابد توضيح من بعض الحقائق التي تمس الجانب الواقعي والمعاش فيما يخصهم. متجاوزاً مسألة البحث حول حقيقة وجودهم التاريخي في المدينة لتفادي فتح باب اخر امام حملة تصعيد التهم والنعرات المتبادلة، خاصة بعد الاستعراض الشنيع للجثث والتي كان مسرحها شوارع مدينة عفرين، تلك الحادثة التي خلقت الكثير من اشارات الاستفهام حول المغزى والجدوى منها في هذا التوقيت العصيب. 
قبيل الثورة السورية . الأزمة . الحرب الأهلية . تلك ليست نقطة خلافنا في هذه المقالة ، كان يعيش في حلب ذات الخمسة ملايين نسمة ما يقارب من 700 ألف كردي، حسب تقديرات الكثير من الناشطين ومشتغلي الشأن العام، ويعتبر هذا أضخم تواجد كردي في عموم سوريا رغم انها ليست منطقة كردية صرفة. غالبية هؤلاء من كرد عفرين بالدرجة الأولى و كوباني بالدرجة الثانية  ومن قرى منطقة الباب ومنبج بالدرجة الثالثة وقلة من كرد الجزيرة السورية. يتوزع هؤلاء في كل أحياء المدينة، لكنهم يشكلون الغالبية العظمى في أحياء الأشرفية والشيخ مقصود وبستان الباشا والهلك. 
 هذه الكتلة البشرية الضخمة في المدينة شكلت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، رغم قسوة سياسات البعث التمييزية تجاه الكرد، قوة اقتصادية لا يستهان بها، وانتشرت آلاف الورش في مختلف المجالات، وزاحم الصناعيون الكرد أقرانهم من باقي مكونات المدينة، لم تعد مثلاً أسواق صيانة السيارات حكراً على الأرمن، ولا صناعة الملابس والقماش صارت متوقفة فقط على الصناعي الحلبي المتمرس، كما لاقى التركمان منافسة من الكرد في جودة صناعة الأحذية، ودخل الكرد سوق الصناعات الحديدية والبناء وأوجدوا لأنفسهم موطئ قدم حتى في عمق المركز التجاري للمدينة والمتمثل بالمدينة القديمة. 
من جهة أخرى شكل تراكم خريجي الجامعات جيشاً كردياً من الموظفين تغلغل في المفاصل الإدارية للمدينة، وشق الآلاف من كلا الجنسين، مدرسين ومحامين وأطباء ومهندسين وصيادلة طريقهم نحو الحضور كأسماء لامعة لا يستهان بها في مدينة شديدة المنافسة، مدينة تفتخر بحضورها التاريخي الممتد لآلاف السنوات . 
على ضفة أخرى تقاطر الطلبة الكرد على جامعة حلب من كل حدب وصوب، وأثبتوا خلال فترة قصيرة جدارتهم المعرفية في مختلف صنوف العلم والمعرفة بعد أن استحوذوا على حصة كبيرة من مقاعدها الدراسية، لابل تحولت الجامعة في العقد الأخير إلى مركز نضالي مهم لأحزاب الحركة الكردية، ناهيكم عن الحضور الملفت لعدد كبير منهم على الساحة الثقافية للمدينة .
كل هذا رغم بطش البعث وتضييق أجهزته الأمنية كما أسلفت، استطاع الكرد إيجاد موطئ قدم لهم في قلب مدينة تصنف من بين أعرق المدن العربية على صعد عدة. لا بل قلبوا سياسات تفريغ المناطق الكردية، عبر تجويعها وتفقيرها ومن ثم تهجير سكانها لصهرهم في بوتقة العروبة كما كان يخطط، وجرت الرياح عكس ما كانوا يتوقعون، انتعشت المناطق الكردية نتيجة تدفق فائض رأس المال الكردي الحلبي، في حركة عكسية، ما أدى إلى ازدهار حركة البناء والعمران والتبادل التجاري وارتفعت أسعار العقارات والأراضي نتيجة الطلب عليها في عموم القرى والقصبات الكردية التي كان يخيم عليها ظلام البعث في محاولة لطمسها من الوجود. 
 وإذا كان من الصعوبة الوقوف بعجالة على كل تفصيلات أهمية حلب بالنسبة للكرد، هذا الموضوع حتماً يحتاج الى بحث مطول ومعمق، ولكن هذه المقدمة تقودنا لحقائق يحاول بعض الكرد تجاهلها، هل يمكن اتخاذ الحياد تجاه مدينة كان يعيش فيها حتى الأمس القريب مئات الآلاف من الكرد؟ وباتوا يوماً بعد آخر جزءاً من نسيجها الاجتماعي المتنوع، مدينة دخلت ذاكرتهم ودخلوا هم ايضاً في ذاكرتها، هذا من جهة ومن أخرى، هل يدرك البعض حجم الخسائر الكردية على الصعيد الاقتصادي جراء تدمير حلب بفعل براميل النظام وميليشياته التي أستباحت المدينة بمن فيها، أو تلك التي تم نهبها بعد الاستيلاء عليها من قبل بعض الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة ؟. أرقام مهولة تقدر بمئات ملايين الدولارات، على صعيد أخر هل يمكن للكرد التنكر لفضل حلب في نقلهم من مستوى الحياة الريفية المحصورة في الرعي والزراعة والعزلة بطبيعة علاقاتها إلى مستوى الحياة المدينية حيث الصناعة والتجارة والعلوم والفنون ؟. 
أخيراً هل يسأل الكردي السوري نفسه:  لماذا يتباهى كرد تركيا بأهمية اسطنبول بالنسبة لهم؟ فالملايين منهم يعيشون في اسطنبول ولا يستطيعون الاستغناء عنها، وأهميتها تعود لهم كأهمية حلب بالنسبة لكرد سوريا، ولا يجد المثقف الكردي التركي حرجاً عندما يجاهر بمنتهى الثقة وهو يمج سيجارته الحشيش في مقهى البوليفار بشارع الاستقلال ويقول: "Stembol kulîlka cîhanê ye اسطنبول زهرة الدنيا  ". هي في الحقيقة ليست بالنسبة له مركزاً اقتصادياً وتجارياً فحسب إنما ينتقل إليها حاملاً معه كل نضالاته السياسية وهواجسه ويعتبرها نقطة انطلاقه وانتصاراته. في نفس الوقت، وهنا تكمن المفارقة، يحاول رفاق ذاك المثقف المثقل بنياشين اليسار التركي من الذين فرضوا أنفسهم أوصياء على كرد سوريا، يحاولون إقناع الكرد السوريين بأن ما يجري في حلب لا يخصهم، ولأن اسطنبول في مخيلة هذا الكردي التركي أقرب إليه من حلب، يتوهم أنها الأقرب إلى كل الكرد حول العالم. المصيبة أن البعض منا يصدق الكذبة ويمضي في برهنة أن حلب بعيدة جداً عن عفرين و كوباني والقامشلي وأن ما يجري فيها يمكن اختصاره بـ "فخار يكسر بعضه". 
لا يمكن تفسير مواقف بعض الاطراف الكردية المتناقضة ازاء ما يجري في حلب سوى أنها نوستالجيا الحنين لدى البعض منهم للعودة بالشعب الكردي إلى حياة البداوة والرعي ونسيان شيء اسمه حلب.          







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20611