الكرد دعاة حرب أم سلام؟ - ½
التاريخ: السبت 09 نيسان 2016
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

تمهيد
ثقافة الأديان
  عرضت الأديان السماوية علاقات الإنسان بجريمة، ورشوة، وحب ملوث بالخداع، وجعلتها محور تناقضات وصراعات فكرية، آمنت بها الأغلبية، رغم تناقضها مع نزعة المجتمعات الحضارية. والرواية، إن كانت إلهية، لها تأويلاتها البشرية، وإن كانت إنسانية، حرفت وطورت، بعدما استسقيت من أساطير الشعوب والحضارات السابقة، لكنها ظلت تعكس جانب الشر في ثقافاته. ورغم كل التعديلات والتشذيبات، تثبت مخلوقيتها البشرية، وأنها ولدت مع بدايات إبداعات الإنسان الفكرية.


ففي المفهوم الأول، لا يتقبل العقل البشري، بأن يخلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ومعه مورثات الجريمة، ويقتل نصفه الأخر في أول ظهور له على سطح الأرض، ليصبح العنف، ومنذ بداياته، ركيزة ثقافاته. وفي المفهوم الثاني، تشمئز منه، العقل الباطن لأغلبية البشر، مع ذلك ثبت كتاريخ وأساطير فكرية نسخها رواد الفكر الأول، طورت ورسخت من قبل شريحة عرفت كيف تتحكم بأمور المجتمعات، لتسود وتطغي.
  بنيت ثقافات الشعوب، على ركائز وخلفيات متنوعة، منها العوامل الطبيعية، وتأثيرات البيئة، لكن كانت ولا تزال هيمنة الأديان أعمقها وأشملها، فعلى هداها سارت الشعوب، وتبدلت مفاهيم الإنسان وأخلاقياته، وتحت سيطرتها، غيرت المجتمعات من ثقافاتها المتأثرة في معظمها بديانات سابقة، وعلى مر التاريخ، وأخرى تمكنت من التلاؤم، ومزجت بين الموجود والقادم إلى أن شذبت المجتاحة حديثا وعلى مراحل القديمة.
    اختلفت الأديان في التكوين الثقافي للإنسان، وتشابهت بكليتها في مبادئ الشر والسلام معاً، ومعظمها دمجت بين طرفي الميزان الأخلاقي، وفي مراحل من تطورها وسيادتها، سيطرت شرائح خلقوا دروب متعرجة في مفاهيمها للهيمنة على الشعوب، وتحكموا بمسيرة السلام والعنف حسب رغباتهم. 
  نادرا ما تلاءمت الشعوب مع الاجتياحات، وتقبلتها، أو هيمنت عليها الرخاء والاستقرار، معظمها رفضت السلطات المتخفية تحت عباءة الدين، وثارت عليهم، على مدى قرون متتالية، جابهت المفاهيم القادمة والعنف المستخدم لتشييدها، من قبل مستغلي الأديان، فسادت الحروب، وعبثت الشرائح النازعة، والمتأثرة بمنطق الغزو، بالمجتمعات، فنهبوها بقدر ما دمروا ثقافاتهم، واستندوا في عبثتهم على تأويلات النصوص الدينية، وفرضوا عاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية أكثر مما نشروا مفاهيم الدين، ومعظمها كانت لغايات ذاتية دون الروحانيات، ومعظم ما ظهرت في الأوطان من المعرفة الدينية، بنيت على الدراسات والبحوث الذاتية في النص والتاريخ. 
 والنصوص تنوعت، حسب ضرورات المرحلة، والخلفيات التاريخية، والأديان السابقة، ومن المعروف أن روادها وملهميها ركزوا في بدايات النشر والدعوات، على مفاهيم السلام والرحمة كطريقة مثلى ووحيدة لتشذيب المجتمعات التي ظهرت من أحشائها، وبدأوا بخلق ونشر أفكار وعبادات تستند على الطرق السلمية في الدعوة، وعملوا على هداها بتهذيب أو تغيير الثقافات السائدة، وما أتبعتها من تفسيرات اللاحقون، كثيرا ما تتعارض والأصل، بقدر ما تتلاءم وغاياتهم ونزعاتهم الشخصية.
    في بداية الدعوات، كانت المواجهات قوية وعنيفة، فاضطروا روادها، عند تكون القوة الذاتية، إلى تسييج دعواتهم بمظاهر دفاعية، لحمايتها، ونشرها، فأجبروا على طغيان منطق العنف على السلام، والهجوم المضاد على الدفاع، لإرضاخ القوى المعادية، فكان لابد من مزج القوة مع السلام وبكل أشكالهما، ودعموهما بنصوص مقدسة تتضارب والأولى، لمواجهة رد الفعل العكسي. أستغلها اللاحقون، وسخروا الحقائق التاريخية تلك على هدى رغباتهم، كإثباتات مادية لإسناد ما هم قادمون عليه، ففعلوا البشائع، وطغوا بالعنف، وطمسوا المفاهيم السلمية قدر المستطاع، وعليه نشروا الثقافة الملائمة لطموحاتهم، وشرعوا السيوف لفرض ذاتهم وسلطانهم قبل فرض سلطان الله. 
  وعلى خلفية هذه التناقضات والتضاربات البنيوية، ظهرت مفاهيم جدلية عديدة بين الواقع والروحانيات، ووجدنا بأنه: لو عاش السيد المسيح لعقود أخرى وانتشرت ديانته في أجواء السلطة الرومانية وهيمنة ملوك اليهود التابعين لهم، لانحرفت مفاهيمه من السلام والمحبة إلى استخدام العنف، كأفضل الطرق للبقاء ومواجهة الأعداء ونشر الدين. وبالعكس، لو تمكنت أفخاذ قبيلة القريش من قتل محمد(صلى) عندما أتبعوه في رحلة الهجرة، لظل الإسلام كالحد الديانات الباطنية، مغلقة، ضمن منطقة جغرافية ديمغرافية ضيقة، أو لانتشرت كديانة تبشيرية خالية من العنف، ولما وجد الخلفاء من بعده، أي مسند نصي، أو فعل تاريخي، يحفزهم على أسسها استخدام العنف والغزو والسبي وغيرها لنشره. ولو ساد المفاهيم الزردشتية، أو المانوية، لطغى على الأغلب ثقافة السلام على العنف في المنطقة، ولربما كان للكرد والشعوب المؤمنة بها، كيانهم الخاص، وثقافتهم السلمية.
يظهر هذا التنوع والتناقض بكل تجلياته، ودون تفسير نقي لمألاتها وأسباب ظهورها، أو للخلفيات التاريخية التي دفعت بملهميها الاستناد إليها في بداية التكوين، في المسيرة والأعمال التي قام به اللاحقون، والثقافة الاجتماعية التي نشروها، ونزعاتهم الشريرة، وخلقهم الحروب المتتالية. ومنهم الشريحة الذين حرفوا في الديانة المسيحية، والذين استخدموا الإسلام سياسة لا دين، والسيادة الإلهية حجة، والنصوص العنفية في القرآن مرجعاً، وسبقهم شرائح مماثلة ضمن الأديان الغابرة، الذين نشروا العنف في أصقاع الأرض، مغيبين قدر الإمكان المفاهيم الجانحة إلى السلام والرحمة، والتي تعرف معظم الأديان ذاتها به. 
ما فعله المتسلطون على الأديان 
   عندما يتعرض النقاد إلى البحث ودراسة الثقافات، ويدرجون الأديان كأحد المؤثرات الرئيسة، لا يكتفون بالتفسيرات المباشرة للنصوص، بل يبسطون تأويلاتهم الذاتية أو الجمعية لبلوغ غاية ما، وكثيرا ما تشتد حدة الخلافات، بشكل خاص، عند عرض المفاهيم والتاريخ، ويخلطونها دون التمسك المطلق بالإشكاليات الأولى للظهور.
  فالمتسلقون على الدين كانوا وراء ظهور التناقضات العميقة بين النظرية والتطبيق، وأن الأغلبية حاولوا الدمج بين مفاهيمها وثقافة المجتمعات الظاهرة منها وفيها أو سادت عليها، فسببوا في ظهور المعضلات الكبرى أثناء المسيرة، المؤدي إلى تضاربها مع تكوين البنية الحضارية الفكرية، والجدلية هذه، عميقة بحد ذاتها. فقد كانوا يطمحون إلى السيطرة والاستبداد، لذا فبعضهم بنوا إمبراطوريات دموية، دون حضارات، وتمكنوا من التعتيم على الانحراف الثقافي، مستخدمين أبشع الأساليب، أريقت في دروبها، دماء غزيرة، سخروها لنزعاتهم الشخصية، تحت حجج متعددة، منها واهمها، على أنها تعكس رغبات الألهة، وترسخ إرادته، ونشروا في شعابها الأفكار الموبوءة، خدمتهم دون الدين وثقافة السلام، ولهذا ظلت المفاهيم التي نشرتها الأديان غير خلاقة، خارج الروحانيات، وغير قادرة على تكوين الحضارات، ولم ترقى مفاهيمها إلى سوية الثقافات الحضارية.
  الاستثناءات قليلة، لكن معظمهم مذنبون بما حل بالبشر من الكوارث، ولا يقل عنهم تدميرا للبشرية وثقافاتها، قادة الإيديولوجيات الشمولية، فبقدر ما أعاقوا بناء الركائز الحضارية، خلقوا الكوارث البشرية، والمآسي الإنسانية، ومن الغريب! أن معظم التجليات الحضارية والتطورات الإنسانية ظهرت بعد الكوارث التي سببها الطغاة والدكتاتوريون، وكأن جدلية التطور البشري متلازمة مع الصراعات الدموية. 
  فمعظم الثقافات، نتجت من خلف حركة رواد، أفراداً قادوا التاريخ الروحي أو المادي، لهذا فتعامل المجتمعات تعكس علاقات الإنسان الفردية، والاختلافات متشابهة في كليته، ورغم أنها ليست حالة مطلقة، لكنها سائدة، فنزعة العنف والسلام، هي ذاتها ما بين سيكولوجية الفرد والمسيطرة على المجتمع، وهي سيكولوجية الجيل الأول للإنسان، والتي تستند عليها الأديان السماوية، دون العلوم. 
  ولا شك أن جميع الأديان، وحيث غايتها الأبعد والأهم، تشييد الإرادة الإلهية، والروحانيات والحياة الأخرى، فأهمل بشكل أو آخر الواقع المادي، والتي تقام عليها الحضارات، وأهملت نتائج الاجتياحات القسرية والاستبداد البشري، أمام طغيان الغايات الإلهية، والتي نشرها المستبدون اللاحقون للرواد ...
يتبع...

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
11/3/2016







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20514