بين يدي القراء كتاب (الحركة الكردية في سورياوظاهرة الانشقاقات)
التاريخ: السبت 19 اذار 2016
الموضوع: اخبار



في يوم الأربعاء المصادف (16/3/2016)، صدرت عن مركز الأبحاث التاريخية (جميل روزبياني) بمدينة السليمانية، وعلى نفقة الدكتور (طه رسول)، الطبعة الأولى من كتاب (الحركة الكردية في سوريا وظاهرة الانشقاقات)، لكاتبه علي شمدين، يتألف الكتاب من (385) صفحة من القطع الكبير، موزعة على ثمانية فصول، فضلاً عن مقدمة كتبها الأستاذ حميد درويس (أحد أبرز مؤسسي الحركة الكردية في سوريا)، وملاحق ووثائق وصور والمخططات التوضيحية، وقائمة بأسماء المراجع والمصادر والمقالات التي اعتمد عليها الباحث في بحدثة.
  يتناول الكتاب ظاهرة الإنشقاقات على مدى قرن من الزمن (1916- 2016)، انطلاقاً من البدايات التي ترافقت مع الافرازات التي افرزتها اتفاقية سايكس بيكو (1916)، وإلحاق جزء من كردستان بالدولة السورية الحديثة، وانتقال نخبة من المثقفين والسياسيين الكرد إلى سوريا وخاصة بعد انهيار ثورة شيخ سعيد بيران، والذين لعبوا الدور الأبرز في ظل حكومة الانتداب في التأسيس لنهضة ثقافية كردية في سوريا ،  


والتي شكلت بعد إنجاز الاستقلال وتوالي الإنقلابات العسكرية، وبروز الفكر الشوفيني العربي المتمثل في طليعته حزب (البعث)، الحاضنة الأساسية لتأسيس أول تنظيم سياسي كوردي في سوريا خلال صيف (1956) ، ليستقطب هذا الحزب الوليد حوله أوسع القطاعات الجماهيرية الكردية ومن مختلف تواجدها وبمختلف توجهاتها وانتماءاتها، تجمعها شعورها القومي المشترك في مواجهة الظلم والقمع والاضطهاد، هذا الشعور الذي شكل الخميرة التي شرائح اجتماعية واسعة في هيكل تنظيمي بني على عجل.
كما يتناول الكتاب المشاكل والخلافات التي  برزت يوماً بعد يوم داخل  صفوف الحزب وبين أعضاء قيادته، هذه الخلافات التي تعمقت أكثر بعد إعلان حكومة الوحدة عن قرارها بحل الأحزاب السياسية والذي رفضه البارتي (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، الأمر الذي دفع بالنظام آنذاك إلى تشديد الخناق على منظماته وكوادره ومؤيده، وأرغمتها للإنتقال إلى النضال السري، فتتوجت تلك السياسة في (1960) بشن حملة واسعة وشرسة من الاعتقالات والملاحقات والسجن شملت رئيس الحزب نور الدين زازا وعدد من قيادات الحزب في مقدمتهم أوصمان صبري، لتظهر تلك الخلافات دفعة واحدة أمام المحكمة بين رموز الحزب، حيث انقسمت القيادة في رأيها بين عضو المكتب السياسي أوصمان صبري ورئيس الحزب نور الدين زازا، ولم يلتأم هذا الإنقسام حتى بعد  خروج القيادة من السجن، وإنما كان من أبرز نتائجها تصفية نور الدين زازا وطرد هذه الشخصية الكارزمية البارزة لتنفتح الأبواب واسعة أمام الانتهازيين والمتسللين والمتسلقين الذين كانوا قد اخذوا أماكنهم ضمن صفوف الحزب خلال فترة الخلافات، وبدأت الكتل والجماعات تنتعش وتتبلور علناً، وأصبحت المهاترات والأضاليل هي لغة الحوار اليتيمية بين المتنافسين، حتى أخذت تلك الخلافات شكلها النهائي عام (1965) ، في الإعلان عن أول إنشقاق في تاريخ الحركة الكردية في سوريا، بإسم اليسار وشعاراته الماركسية اللينينية.
ويتطرق الكتاب أيضاً إلى المحاولات الساعية إلى إعادة توحيد شقي الحزب، والتي بائت كلها بالفشل، كان آخرها المحاولة التي تمت في ناوبردان عام (1970) برعاية قائد الثورة الكردية (الملا مصطفى البارزاني)، هذه المحاولة التي لم تنجح هي الأخرى في توحيد شقي الحزب، وإنما أنتجت في المحصلة عن حزب ثالث عام (1972)،  لتضم الساحة الكردية منذ ذاك الحين ثلاثة تيارات رئيسية سميت تجاوزاً بـ (اليسار، الحياد، اليمين)، وهي على التوالي: (الحزب اليساري الديمقراطي الكردي في سوريا/ صلاح بدرالدين)، و(الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا- البارتي/ دهام ميرو)، و (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا/ عبد الحميد درويش)، لتبدأ آفة الانشقاقات وخاصة بعد إنهيار الثورة الكردية في كردستان العراق، وإن بشكل نسبي بين تيار وآخر بالعمل في تفتيت تلك التيارات وتشتيت صفوفها الى درجة إن أحد هذه التيارات آل إلى الإنقراض من الساحة السياسية بشكل كلي وهو الذي كان يقوده صلاح بدرالدين، فوصلت الحركة الكردية في سوريا إلى هذا الكم الهائل والمخييب للآمال من الأحزاب والجماعات والشلل المتشابهة بمسمياتها وشعاراتها وتركيبها الطبقي، لتغرق بسببها الساحة الكردية في دوامة المهاترات ونفق الصراعات الحزبية الضيقة والانانيات الشخصية، موفرة بذلك الأرضية المناسبة لتدخل عوامل خارجية أمنية وكردستانية وغيرها لتفعل فعلها التدميري بشكل سهل وميسور كما تنبأ به ضابط الامن السوري محمد طلب هلال.
يفرد الكتاب فصلا كاملاً للوقوف على الشعارات الخلافية (الطبقية، القومية، الوطنية)، التي انجزت في ظلها كل هذا الكم المرعب من الانشقاقات المفتعلة، كموضوع اليسار واليمين والإلتزام بالماركسية اللينينية والتبعية لنهج البرزاني كرمز قومي من دون منازع في الساحة الكردية آنذاك، ومسألة التوازن بين البعدين القومي والوطني وغيرها، كما يحلل أيضاً بعض القضايا الإشكالية خلال مرحلة تأسيس أول حزب كردي في سوريا وما بعدها، والتي جعل منها البعض ذريعة لزج الرأي العام الكري في الصراع العقيم حولها وإشغالها عن قضيتها الأساسية، كموضوع تاريخ تأسيس البارتي واعضاء الهيئة المؤسسة وإسم الحزب وشعار تحرير وتوحيد كردستان، وحقيقة الخلافات أمام قاضي التحقيق في السجن وسواها، ويعرض الكتاب أيضا الكثير من المفارقات والتناقضات المثيرة للاستغراب والاشمئزاز والتي اتخذها البعض غطاء لإدارة حملة شرسة من المهاترات والأضاليل حتى وقت قريب.
هذا وقد توقف الكتاب مطولاً على ظاهرة الانشقاقات والثورة السورية، وكيف إنها لعبت فعلها الخطير في إجهاض هذه الفرصة التاريخية التي وفرتها الثورة السورية للكرد لنيل حقوقه والتمتع بكرامته وحريته، وكيف ان هذه الانشقاقات الهت الحركة الكردية في سوريا عن مهمتها الاساسية واغرقتها في صراعات عقيمة لم تتمكن بسببها حتى اللحظة من تحقيق وحدة خطابها وصفها في مواجهة هذه التطورات والمتغيرات الدراماتيكية الخطيرة، وقد خرج الكتاب في الأخير بتشخيص دقيق للأسباب التي يعتقد الكاتب بأنها كانت وراء هذه الآفة الفتاكة التي فككت بنية الحركة الكردية في سوريا واهدرت ذخيرة نضالها خلال مايزيد على نصف قرن من الزمن في الخلافات والصراعات والمهاترات التي لم تصب الماء مع الأسف إلاّ في طاحونة خصوم الشعب الكردي وأعدائه، وكذلك قام بتدوين النتائج والدروس والعبر التي استخلصها من هذا البحث الذي يتناول أخطر ظاهرة في تاريخ الحركة الكردية في سوريا وآفاق الخلاص منها.
ألحق بالكتاب عدد من الوثائق والصور والمخططات الهامة التي يحتاجها البحث ويعتمد عليه في تعزيز مصداقيته، كما الحق به قائمة بأسماء المراجع والمصادر والمقالات التي أحيلت إليها النقاشات والمقارنات، وهي بمعظمها تعود للشهود الذين عاصروا تلك الأحداث أو ممن كانوا ضالعين في إثارتها وتأجيجها، ولم يخفي الكاتب انتمائه إلى أحد أهم تلك المحاور الثلاثة، ولكنه أصر على ان لايخضع دراسته لتوجهه السياسي وإنما ألح على الإحتكام لوثائق الأطراف والجهات الأخرى المقابلة وشهاداتهم ليس إلاّ.
يبدأ الكتاب بمقدمة كتبها الأستاذ عبد الحميد درويش كأحد المؤسسين الأوائل، وأبرز الشخصيات السياسية الكردية في سوريا وأشدها كاريزمية جماهيرية في الوسطين القومي والوطني السوري، والذي لم يتردد في تقديم العون والمشورة للكاتب في انجاز هذا البحث،  والذي استحق منه أن يهدي إليه بتاريخ (17/3/2016)، أول نسخة من هذا الكتاب، تقديراً لدوره وتكريما لنضاله.  
بدلاً عن الإهداء ..
إن هذا الكتاب هو توثيق لخلاصة نضال الأوائل الذين شقوا بأظافرهم طريق النضال الوعرة أمام شعبنا، وأناروها لهم بأرواحهم المتمردة على الظلم والقهر والطغيان، وهو حصيلة كفاح الأجيال التالية التي أصرت على السير بقافلة النضال موحدة في تلك الطريق المزروعة بالأشواك، وقيادتها بعزيمة صلبة لم تنكسر أمام أساليب القمع والسجن والملاحقة والجوع والحرمان ... إنه عصارة نضالهم خلال عقود مريرة من الزمن.. فهو منهم ولهم من دون منة أو إهداء..
أما المضللون الذين حقنوا جرثومة التكتل والإنشقاق في جسد الحركة الكردية في سوريا عبر شعارات مضللة، لتنقسم إلى كل هذه الكتل والجماعات والشلل، وتتفرق بين مسارات متشعبة ووهمية، وتسير بها نحو أنفاق مظلمة لن تؤدي بها إلاّ إلى المزيد من التششت والتمزق والإنقسام، وهؤلاء سوف لن يروا في هذا الكتاب -بكل تأكيد -سوى الإدانة والفضح، لأن  يداهم أوكتا وفوهم نفخ.
وبين هذا وذاك تبقى قافلة النضال الكردي في سوريا مستمرة نحو الأمام، غير آبهة بالضجيج الذي يحدثه المنشقون خلفها بشعاراتهم المضللة التي ذهبت أدراج رياح المتغيرات والتطورات التي تجتاح المنطقة والعالم خلال العقدين الأخيرين، وإن مكافحة ظاهرة الانشقاقات في الحركة الكردية في سوريا وتوحيد صفوفها وخطابها السياسي، هي الإستحقاق الأهم على الإطلاق لإستثمار هذه المتغيرات التي تأتي متزامنة مع مرور قرن من الزمن على اتفاقية سايكس بيكو التي وقعت في (آيار 1916).
 طموحنا هو أن يشكل كتابنا هذا خطوة في هذا الاتجاه. 
6/1/2016         المؤلف   
المقدمة
ان الكتاب الذي طلب إليّ المؤلف الأخ علي شمدين، أن أكتب مقدمته، هو الأول من نوعه في المكتبة الكردية في سوريا، وهذا يدل بدون شك على اهمية الكتاب، وعلى دور كاتبه المميز في اختيار مثل هذا الموضوع الذي عانت منه الحركة الكردية خلال نصف قرن مضى، ولعبت الاستخبارات البعثية وغيرها أدواراً مخزية وخطيرة، أفرغت الحركة الكردية من الكثير من مضامينها النضالية، وألهتها بالخلافات فيما بينها مما جعلت الجماهير الكردية وحتى الحركة السياسية العربية، أن تقف عاجزة عن تقييم دور هذا الحزب أو ذاك والتمييز بينها، نظراً للتضليل الذي مورس من قبل أجهزة الأمن واستخبارات الدولة وعملائها في أوساط الحركة الكردية. 
والمؤلف في كتابه هذا (الحركة الكردية في سوريا.. وظاهرة الانشقاقات)، ذهب بعيداً عن التحزب والحزبية وانتمائه الحزبي، وقد وضع إصبعه على جرح بليغ في جسم الحركة الكردية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرصه الشديد على تنقية الحركة الكردية من الأمراض التي عانت منها خلال مرحلة طويلة ومؤذية بآن واحد، والمؤلف في كتابه هذا كان غاية في الدقة والأمانة في إيراد الوقائع والأدلة، ثم الأشخاص والتنظيمات التي قامت بجزء أو بأكثرية الأدوار المؤسفة والمخجلة، وإنني ليس من منطلق مدح الكتاب أو مؤلفه، كونه ينتمي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، الذي يشرفني إنني أتولى المسؤولية الأولى فيه والذي كان بكل صدق وأمانة هدفاً لهذه الانشقاقات وهذه التهجمات الظالمة، لا لهذا أقول وإنما لأن هذا الكتاب يستحق من كل سياسي كردي، بل والسوري أيضاً، أن يتناوله ويتمعن فيه جيداً حتى يعلم كم كانت الأجهزة الأمنية تلعب الأدوار القذرة في تفكيك الحركة الوطنية عامة والكردية خاصة.
وإنني أقول للأخ علي شمدين مؤلف هذا الكتاب، بأنك قدمت ما يمكن أن يقدمه وطني صادق ومناضل حق للحركة الكردية.. 
لقد عانى المؤلف الكثير من العناء والتعب والجهد في جمع المعلومات التي استقاها من مصادر كثيرة وكثيرة جداً، ليغني كتابه بالأدلة والوقائع الحية وفق مصادر عديدة مختلفة، وهي بمعظمها غير موالية لحزبه..
 إنني أثني من قلبي على هذا الكتاب القيم الذي سيكون دون شك مرجعاً مهماً للسياسيين الكرد، والأول من نوعه في تقديم دراسة لموضوع كان حتى الآن حديث السياسيين والمثقفين الكرد وهمسهم في الزوايا المظلمة، نظراً للجو الإرهابي الذي فرضته أجهزة الأمن وعملائها على الناس، ثم كان موضع استيائهم واشمئزازهم من هذا التشتت الذي أفقد الحركة الكردية دورها النضالي، وأبعدها عن تحقيق الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا وأمانيه.
إنني أدعو في هذه المقدمة الأخوة والأخوات في صفوف الحركة الكردية أن يتناولوا هذا الكتاب القيم بمضمونه ووقائعه والجهد الذي صرف في إخراجه حتى يغنوا الحركة الكردية بمفهوم جديد، بعيداً عن التعصب الحزبي، والولاء الشخصي لهذا الطرف أو ذاك، ويجب أن نعترف جميعاً بأن الأحزاب الكردية أصبحت نتيجة لهذه الانشقاقات بعيدة عن أهدافها النضالية، وباتت موضع السخرية للذين لم يؤمنوا يوماً بوجود الأحزاب ودورها النضالي..
كما أنني أدعو السياسيين والمثقفين الكرد أن يتقدموا في تناول هذا الموضوع كما هو شأن الأستاذ علي شمدين، ويتخلوا عن الانتقاد من أجل الانتقاد وحسب، حتى يساهموا بدورهم في تطهير الأحزاب والحركة الكردية من الظواهر المرضية التي رافقتها خلال مسيرة طويلة، استغرقت عشرات السنين.
وختاماً أرجو أن يأخذ الكتاب مكانه في المكتبة الكردية التي تفتقر إلى كتب حساسة من هذا النوع، وللمؤلف الموفقية في جهده في خدمة حركة شعبه وخدمة وطنه.. 
             عبدالحميد درويش 
السليمانية/ 17/01/ 2015
سيرة ذاتية
علي محمد صالح شمدين
تولد القامشلي 1958
خريج كلية الهندسة الزراعية/ جامعة حلب 1980
عضو عامل في نقابة صحفيي كردستان / العراق
أعماله:
-        إمارة عبدال خان البدليسي/ ترجمة عن الكردية إلى العربية/ الطبعة الأولى (2010) والثانية (2012) / بمدينة السليمانية.
-        أضواء على الحركة الكردية في سوريا/ ترجمة عن العربية إلى الكردية/ الطبعة الأولى (2012)/ بمدينة استنبول
-        ثورة الشيخ سعيد بيران من منظور عائلته/ ترجمة عن الكردية إلى العربية/ الطبعة الأولى (2013)/ بمدينة السليمانية.
-        الإعلام والرأي العام الكردي في سوريا/ تأليف باللغة العربية/ ط1 (السليمانية/ 2014).
-        (فلتتوقف هذه الحرب)، تأليف مشترك مع حميد درويش/ ط1 بالسليمانية (2015). 
-        الحركة الكردية في سوريا وظاهرة الانشقاقات/ تأليف باللغة العربية/ الطبعة الأولى (2016)/ بمدينة السليمانية
المصدر: الديمقراطي






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20422