أوهام كردية وعربية
التاريخ: الأثنين 29 شباط 2016
الموضوع: اخبار



عمر قدور
 
بالتأكيد لا يجوز اختزال أكراد سوريا بميليشيات صالح مسلم، مثلما لا يجوز اختزال المعارضة السورية العربية بأيّ من تنظيمات الأمر الواقع التي أفرزها الصراع القاسي الحالي، ففي الحرب تبدو الكلمة العليا لحاملي السلاح على اختلاف مشاربهم. عطفاً على ذلك، أي تحليل معمم يستند بطبيعته إلى مجموع القوى الفاعلة و"الناطقة"، بما أن موقف الفئة الصامتة يصعب التكهن به بدقة. ضمن هذا المعيار، لا يصعب استنتاج واقع الافتراق بين أكراد سوريا وعربها، ولا تصعب رؤية خطابي كراهية من الطرفين، ومع الأسف لا يستطيع أيّ منهما أن ينسب لنفسه شرف ابتداع هذا الخطاب.


بسهولة شديدة يستطيع المتابع ملاحظة أن خطاب الكراهية الكردي، الموجه للمعارضة السورية وفصائلها المسلحة، يقتفي أثر خطاب النظام وحلفائه حرفاً حرفاً. بحسب هذا الخطاب، المعارضة تابعة لتركيا، مع التشديد على ذلك، وتابعة أيضاً للسعودية وقطر، مع هجاء معلن لدول الخليج باعتبارها تمثل العروبة، ومع بهارات عنصرية من نوع وصف العرب بسارقي الدجاج، وهي شتيمة محلية مكافئة للشتيمة الإيرانية التي تصف العرب بشاربي بول البعير بينما كلاب أصفهان تشرب المياه المثلجة. في التفاصيل أيضاً، لا يمكن نسيان أن الزعيم الكردي صالح مسلم نفى قيام النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية، أسوة بما فعلته مستشارة بشار الأسد التي اتهمت المعارضة بالجريمة التي أقر بها النظام ضمناً عندما قبل بتسليم السلاح المستخدم فيها. باختصار، يمكن لمن يشاء متابعة ما يكتبه مسؤولو حزب PYD الكردي على صفحاتهم الشخصية أو تصريحاتهم الإعلامية، وسيحظى بنسخة مطابقة لخطاب قناة الدنيا التلفزيونية الموالية للنظام، والتي توزع الشتائم الرخيصة على جميع أعدائه، الشتائم التي يتحرج النظام من إطلاقها على قنواته التلفزيونية الرسمية، مع إنكار تام لمشروعية الثورة ضده.

في المقابل، خطاب الكراهية الذي يستخدمه بعض مناصري المعارضة هو إعادة إحياء للخطاب القومي البعثي. فهو يبدأ بشيطنة الأكراد وفق مفهوم البعث واتهامهم بالنزوع الانفصالي، ويستمر في الخطاب نفسه الذي ينص على أن الأكراد أتوا إلى سوريا مهاجرين، الأمر الذي يحرمهم من أية حقوق جمعية. الخطاب ذاته لا يتورع عن الإشادة بصلاح الدين الأيوبي ومقارنته بأكراد اليوم، ولا يتوقف عند التناقض الصارخ بين اعتبار جميع الأكراد قدموا مهاجرين من تركيا في بداية القرن الماضي والواقع التاريخي الذي يمثّله وجودهم أيام الدولة الأيوبية. بالطبع يتغافل هذا الخطاب عن رسم حدود الدولة السورية بين عامي 1923 و1939، حيث لم تحدث عمليات هجرة واسعة بعد ذلك التاريخ، أي أن الأكراد بغالبيتهم الساحقة موجودون قبل الدولة الحالية، ولم يكن لهم دور في رسم خريطتها أسوة بعرب سوريا الذين فرضت عليهم آنذاك أيضاً. يمكن اختزال خطاب الكراهية هذا بأنه خطاب إنكار، فهو أسوة بما كان يفعله النظام إلى وقت قريب ينكر وجود قضية كردية سورية، وكما هو معلوم ظل النظام يراوغ في الموضوع الكردي منذ انطلاق الثورة، وحوّل خطاب الإنكار المطلق في اتجاه الشق العربي من المعارضة الذي لا يعترف به ويصفه بالإرهاب مع حاضنته الشعبية كلها.

التذكير ببدايات الثورة، عندما كان شباب المدن والبلدات الكردية يتظاهرون ضد النظام، وعندما كانت بلدات ومدن عربية تتغنى بالوحدة العربية الكردية، تذكير لا نفع له بعد سنوات من تكريس القطيعة بين الجانبين. ومن دون إعفاء المعارضة العربية من مسؤولياتها، يجوز القول بأن حزب PYD قد أساء إساءة كبيرة للقضية الكردية في سوريا من خلال اصطفافه العلني والموضوعي مع النظام وحلفائه، ومعلوم أنه فعل ذلك أسوة بالحزب الأم PKK في تركيا. الوقوف في صف النظام، عدا عن كونه وقوفا ضد غالبية السوريين، جرّد القضية الكردية من السمة الأخلاقية التي تميزت بها "بفضل" حكم البعث، وهي قضية النضال ضد التمييز الشوفيني، فضلاً عن النضال الديمقراطي المشترك مع بقية السوريين. حتى إذا افترضنا وجود نية انفصالية تُترجم بحق تقرير المصير، فإن التحاق ميليشيات صالح مسلم بنظام مستبد وحشي يقف ضد حق تقرير مصير السوريين يجرد القضية الكردية من أخلاقيتها في نظر الكثيرين، إذ لا تعود قضية حرية من حيث المبدأ، وإذ يقبل أصحابها بأن ينالوا جزءاً من الحقوق التي ستصبح واقعياً امتيازات على حساب تجريد المكون العربي من حقوقه.

بالمثل، لا يصح أن يطالب الشق العربي بحق تقرير المصير لعموم السوريين باستثناء الأكراد، ضمن عملية تحول ديمقراطي سلمي، لأن الديمقراطية المنشودة تكون حينئذ ديمقراطية عنصرية، ديمقراطية تذكر بحكم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو بالديمقراطية الإسرائيلية. ولا يجوز لثورة ديمقراطية تدعو لإسقاط النظام تصوير التغيير المنشود كأنه إبقاء على النظام الحالي مع تغيير رموزه، أو حتى مع هيكلة أجهزة الأمن وإلغاء دورها القمعي. من الضروري أن تتسم تصورات المعارضة عن المستقبل بالواقعية، والواقعية تقتضي أن سوريا لن تعود دولة شديدة المركزية على نحو ما ساد خلال حكم البعث، ومن الضروري فهم حقيقة أن الدولة المركزية بطبيعتها قابلة للتحول إلى دولة استبدادية، وأن جزءاً من المفهوم الديمقراطي العتيد لا يتعين في صناديق اقتراع تنتخب رأس الهرم، وإنما في توزيع مهام الدولة على الهرم نزولاً بما يضمن أوسع مشاركة مجتمعية.

الواقع يقول أنه مهما بلغت إساءات ميليشيات صالح مسلم للقضية الكردية فذلك لن يلغي وجود القضية، مثلما لن يلغي وجودها إنكارها من قبل النظام السوري أو من قبل معارضين له. الحل الواقعي لهذه القضية لن يكون على الأرجح كما يشتهي متعصبون قوميون، عرب أو أكراد، ولن يكون حلاً مستداماً ما لم يتحلَّ بالإنصاف اللازم. ربما يكون حلاً سورياً جامعاً إذا اقتنع الطرفان بدفن نظام الحكم الحالي كاملاً، أما أن يتمسك حزب PYD ببقاء رموز النظام، وأن يتمسك عروبيون ببقاء شيء من جوهره فهو أمر لا يبشر إلا باحتراب طويل.
 كاتب روائي سوري
المدن






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20335