نعم، لدينا رصيد وافر من الكراهيات المتبادلة !
التاريخ: الأثنين 22 شباط 2016
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود

في سياق الفعل الثوري، يُراد من المجتمع أن يتطهر من أحقاد سابقة، لكي يعيش ولادة جديدة تقوم على محبة أكثر ملموسية وبعثاً على الأمل، وإذا بالذي آل إليه أمرنا تحت راية الثورة المدشنَّة، قد استولد فينا أحقاداً لا قبَل لنا بها، تضاف إلى سابقاتها.
والمتوخَّى من كل ممارسة ثورية فعلاً، هو أن نسعى جاهدين إلى الدخول في عقد جديد، لا يخفي تلاحميات وجدانية أكثر إيفاء بالحياة، وإذا بنا في حصاد ما نحن عليه قد ازددنا تنافرات وأشكالاً لا تحصى من الوعيد المستقبلي.
ولقد أريدَ منها أن تكون ثورة على الطغيان" والطغيان لا يعني النظام ورموزه حصراً "، وإذا بالكثيرين ممَّن انخرطوا فيها واستمرأوها، أو استعجلوا الانضمام إليها، أكثر قابلية لتفريخ نماذج من الطغيان غير مسبوقة .


ولقد رُدّد ويُردَّد حتى الآن بأن المنشود هو بناء سوريا ديموقراطية تضم إليها الجميع بكل تنويعاتهم الاثنية واللغوية، وإذا بالمردود هو سوريا الحطام تلو الحطام والموت الزؤام، حيث يصعب التفريق الدقيق بين القاتل الفعلي والقتيل ونوع جرمه حقاً.
وإن أردناها كردية، ربما يسهل القول: أننا عشنا البداية المرتقبة من قبل كثيرين ممن بشرّوا كردهم أن نهاية الظلم وأولي أمره " قرَّبت "، وإذا بالقليل من الحب والتلاحم الكردايتي ومسمّى المصير الواحد قد صار في عهدة " سقى الله أيام زمان ".
وإن أريد التوقف عند الذين انتظروا اللحظة الحاسمة ليعلنوا لشعبهم الكردي أن فجر الخلاص وشيك، ها نحن، وبعد مضيّ سنوات خمس، نشهد كيف تحوَّل الكثيرون الكثيرون منهم إلى سماسرة ثورة وتجار أرواح لكردهم هنا وهناك.
لقد كنا متكيفين على مر عقود من الزمن، في سوريا البعث، هنا" وليس قانعين طبعاً "، مع لائحة من المرارات، سوى أن أملاً ما، كان يمثّل خميرة حياة تبقينا أيقاظاً، ومتنشطين روحياً لئن نلتقي جماعات وفي أمكنة مختلفة، لتواجهنا هذه المدة وهي في ضراوة يومياتها، وعنف مغذياتها، وتنامي ميتاتها وتكاثر ضحايا، ونكباتها...الخ، بمرارات تحمل دمغة كردوارية بامتياز، كردوارية مبرَّأة من اسمها جرّاء الممثّل فيها وباسمها .
نعم، كان ثمة كراهية ما، تبقي فاصلاً، مسافة اجتماعية متوترة، بين كردي وآخر، قبل هذا الانفجار السوري، سوى أن الكراهيات التي استجدت، فرَّقت بين الكردي وكرديه، وربما يكون أخاه، قريبه القريب، وقد تباعدت بينهما لعبة انتهاب الفرص وقد تعدَّتْ حدوداً، ودائماً باسم الكردايتي طبعاً.
في وطن، مهما اختلِف عليه، كان في الإمكان الانتقال من حارة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى، والسهر في مطعم ما، أو حضور حفل ما، ويكون المجاور من لا " يُهضَم " كما يجب، أما الآن، فلا أظن أن الذي يتحرك فينا، وأن الآتي، وما في عهدة الآتي من مستجدات، أن يعزّز فينا فضيلة لقاء مع محب، أو من كانوا معنيين بالسلام المتبادل، حيث تكفلت هذا السنون بضخ صنوف من الكراهيات على مستوى الإعلام المحلي، وفي المواقع الكردية، وكذلك ما يُسمَّى بوسائل التواصل الاجتماعي، وهي ملغومة في العمق بمفارقاتها، والكتابات التي تمارس المزيد من التسفيه والتشويه والتقريع، إذ بالكاد تسمية أحدهم، له شأن سياسي، حزبي، كتابي، اجتماعي، إلا وهو مذموم من نسبة كثيرة من بني جلدته، إلا وهو مصنَّف عميلاً، أو مرتزقاً، أو لصوصياً، أو مرابي قيم وشعارات، أو دعياً أو نصاباً...الخ.
نعم، أردناها حرّية، وإذا بالذين نصبوا أنفسهم أهلاً لها محوّلين إياها إلى المسلخ.
نعم، أردناها فجراً واعداً، وإذا بالموعود ليلاً حالكاً، مزمجراً مرعباً مسربلاً على كل شيء أو يكاد .
نعم، رددناها خلاصاً واحتفاء بعهد جديد، وتمنياً للنفس بسعادة فريدة ذاتها،وإذا بالخلاص دخولاً في هاوية .
نعم، قلناها حياة لكم بتتنا في أمرها على مستوى التنظير والنقد، وإذا بها ترينا وجهاً مدملاً، منفّراً بأكثر من معنى.
نعم، قلنا وقلنا وقلنا، لا بد من وطن أوسع مما هو عليه، وأرحب مما هو فيه، وأسلسل مما يشار إليه، وإذا به ينفجر من جهات شتى، وما لم يتشظ في انتظار لحظته، إذا بالموعودين بالوطن الواحد أمام عتبات الدول طالبي لجوء وإيواء وخبز يصعب ازرداه، وماء مذاب بالرصاص، إلا لمن أرادها حرية جوفاء، وإلا لمن يريدها معاني مركبَّة، ويخدع نفسه، وهو يصرّ على أن الثورة مستمرة، لأن القول خلاف ذلك يظهِر عورته المتقيحة، وما أكثرها من عورات لهؤلاء الذين أرادوها ثورة لهم وعلى بني جلدتهم ساسة وكتاباً ومنتهزي فرص، وفي سوق المزايدات الكبرى، والحبل على الجرّار !
دهوك- في 22 شباط 2016 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20314