كُرديّان في الاتجاه المعاكس
التاريخ: السبت 13 شباط 2016
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

قبل ثلاثة عشر عاماً، وضمن منشورات " جدل الآن " وفي المغرب، نُشِرتْ دراستي " الاتجاه المعاكس: سيكولوجية المتفرج المقهور "، ولا داعي لأن أضيء العبارة، بما أن برنامج " الاتجاه المعاكس " الذي يُبث عبر قناة " الجزيرة " أسبوعياً يضعنا في صورة الحدث والذي بقدر ما يعرّفنا بما هو انشطاري ومأسوي في المعروض الثلاثي: معد البرنامج العتيد " فيصل القاسم "، ومن يتقابلان، وبينهما بعض الود، ويفترقان، وبينهما منتهى الخصومة والعداوة غالباً.
وقد لفت نظري هذا السفْك القيمي والدال على حقيقة معاشة كردياً، وربما من مستوى ثقافي معتبَر، ما دار في حلقة الاتجاه المعاكس بتاريخ " 9-2-2016 "بين كل من السيدين: شيرزاد عادل اليزيدي والمعرَّف به ممثّلَ الإدارة الذاتية في روجآفا، وجيان عمر، ممثل تيار المستقبل، وهو سياسي وأكاديمي في جامعة برلين.


الحلقة دارت حول سؤال محوري" هل غدر النظام السوري بحلفائه الأكراد ؟ ".
ولعل الجدير بالقول قبل كل شيء، أن السؤال حمل جوابه معه أو ضمناً، إذ إنه يسمّي الأكراد عموماً، من جهة التلفظ، ولكن المحتوى الواقعي يشير إلى الذين لهم صلة بالنظام على الأرض، وتحديداً في الجارية تسميته بـ"روجآفا "، وهو السؤال الذي دفع بكل طرف لأن يبرئ ذمته من تهمة السؤال ومساره، من جهة، بالنسبة لمن يرى أنه هو المقصود بصفته ممثل الإدارة الذاتية في روجآفا، وبطرف آخر لأن يثبت التهمة من خلال القرائن من جهة ثانية.
إنما علي أن أشير إلى نقطة أراها مهمة، وهي تتعلق باللغة التي تكلَّم بها الطرفان " الكرديان ": شيرزاد وجيان، وقد كانت في غاية الوضوح، بعيدة عن التلكؤ، عن " العجمة " كما هو متردّد هنا وهناك، عدا عن قابلية السرد من جملة إلى أخرى، وبتعابير لم تخف أهلية الاثنين في الاسترسال بغضّ النظر عن الذي قيل من جهتهما.
وإذا كانت النقطة هذه تبعث على التقدير لهما، فإنها بالقدْر ذاته تبعث على الأسف، جرّاء سوقيات القول واستئثارها بجانب حيوي من الحوار اللاحوار طبعاً، وأسمّيها" سوقيّات " لأنها قدَّمت كلاً منهما لأن يثبت أنه الأجدر بالبقاء، وربما لم يدّخر جهداً في تسفيه نظيره، رغم قدرته على استخدام تعابير أكثر أهلية لإبقائهما صاحبي موقفين يستحقان الاحترام عليه.
وعلي أن أستدرك في الحال، أن " السوقية " قيلت من باب التأسف ليس إلا، إذ ما الذي يمكن توقعه ممن ينتمون إلى أطر تحزبية تعتمد السوقية كثيراً في التعاطي القيمي، وهي تتنابذ بالألقاب وفي سياق" النفاثّات في العقد ".
لعل في وسع أي كان السؤال: كيف تساوي بينهما؟ والجواب المباشر: لست في معرض التساوي بينهما، إنما أشير إلى أن كلاً منهما، ولو بتفاوت، وجَّه للآخر ما ينعكس عليه سلباً، وربما كان الذي حفّز الاثنين هو المتعلق بصورة كل منهما وما يمثّله في متخيَّل الآخر، وما يمكنه تسجيله من نقاط عليه، وهو مدرِك أن لكل منهما فريق متابع لحيثيات " الحلقة: الفلقة"!
من جهة أخرى: أما كان بالإمكان عدم نشر الغسيل الوسخ، والذي ينسّب الطرفين في المحصّلة إلى نطاق " الاتجاه المعاكس " ومردوده السلبي في النهاية عموماً؟ وربما كان الجواب وهو بصيغة سؤال أيضاً: وهل يمكن التستّر على غسيل وسخ " يعنينا " كردياً، إذا كان الذي يعرفه المعتبَرون أعداءنا عنا ، أحياناً، أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، أو نحاول التعتيم عليه أو التهرب منه؟ خصوصاً، وأن جل كردنا في المضمار التحزبي ينطلقون من مقولة: ما حدا أحسن من حدا.. ومقابل العرب: إذا كان فيكم سوء من هذا المنظور في " الاتجاه المعاكس " فسوءنا لا يقل عنه درجة، بل ربما أكثر، تحت وطأة الشعور أن ثمة ضغطاً نفسياً يوجه لسان صاحبه تجاه الأوخم في المجابهة !
ثمة حقائق تم التنكُّر لها كلياً من الطرفين، وإذا كان علي أن أسمّي، أقول: نفى شيرزاد أي علاقة قائمة بين " إدارته " الكردية لروجآفا والنظام وسلطته هنا. تُرى أما أكان عليه أن يعترف ولو قليلاً بسلطة الأمر الواقع بالنسبة لوجود النظام طبعاً، ويجد له تبريراً ما، وهو الذي يبقيه قريباً من فضيلة الاعتراف بالحقيقة المعاشة، كما تلمستها أنا لأكثر من مرة؟
أما بالنسبة لجيان: أما كان عليه أن يعترف ولو قليلاً، أن الائتلاف فيه ما ليس ائتلافاً، وأن مسافة عملية تفصله عن الواقع، وخصوصاً إزاء الذين يحاربون النظام وإسلامويتهم، ودمجها بما هو عروبي واعترافهم الخجول بالكرد ؟
أكان عليهما أن يخلصا للاتجاه المعاكس، فيكونان متعاكسين وبضراوة ؟
ثم: ماذا وراء توجيه قائمة التهم، عدا عما هو متدن في التخاطب: عميل، رخيص، كذاب، وتكرار كلمة: اسكت...الخ؟ إنه الاتصال بما كان قبل عقود من الزمن، وكأن" درب الآلام " التي توحّد بينهما نسَباً لم تخرجهما من  التشاتم والتخاصم المريعين !
وانسحب شيرزاد ليؤكد- بمعنى ما- عدم قابلية سماع الآخر والذي يدرك موقعه الحزبي قبل الفردي الثقافي، ولينفرد نظيره بالاستطراد القولي، ليكون ختام القول" بغلياً " للأسف: ناعتاً كرديّه بالبغلية، وهو مرعب بحق، ومن جهة أكاديمي وفي جامعة غربية، يبدو أنها لم تتمكن من " تعقيم " جهاز الكلم، لأن ثكنة التحزب تحول دون ذلك .
أترانا، رغم كل التقنيات الحديثة، تمكنا من الانتماء إلى هامش العصر، لنحسن ظن الآخرين بنا وفي هذا الوقت العصيب ؟
لعل ذلك يذكّرنا بالقالب المستعار، بأكثر من معنى، من الاتجاه المعاكس، بالنسبة لـ" دو آلي: الاتجاهان " البرنامج الذي يُبث في قناة " روداو " الكردية، حتى على مستوى الإدارة، ونادراً ما يخرج الاتجاهان على وئام. أهذه هي الكردية المنشودة، وما يخص مبدأ الحوار، النقاش؟ أي قيمة لبرنامج يعمّق واقع العداء والتطاحن والتلاسن، أكثر مما هو عليه خارجاً؟
كل مشدود إلى فريقه، والفريق فِرق، والفِرَق مِزَق...
أهو مفيد إن أشرت في المختتم المفتوح من مقالي هذا، إلى حلقة الاتجاه المعاكس والمؤرخ لها بـ" 23-2-1999 "، وضمَّت كلّاً من الراحل عادل اليزيدي" والد شيرزاد "، حيث كان مسؤول رابطة المثقفين الكرد في السعودية، كما عرّف به، والمؤرخ التركي أورخان محمد علي، حيث تركَّز الحديث عن العلاقة بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني؟
المشهد الساخن الذي أعني به، هو المرئي والمسموع في نهاية الحلقة تلك، حيث رفع التركي شريط فيديو، أراد من خلاله استفزاز مقابله بمضمونه، وقد استفزه وأي استفزاز، وهو يوجّه نحوه إصبعي يده اليمنى: بدي أطالع جوز عيونك !
لم يرد الآخر عليه، وقد هلّل له الكثير من كردنا المتحزبين، وقالوا: لقد أثلج صدرنا، دون أن يعلموا أنه بالعبارة وجَّه إلى نفسه ذاتياً: الضربة القاضية..
تُرى: هل من إمكان ربط بين الحلقتين ؟
دهوك- في 13-2-2016 .






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20258