سقوط أغنية «الحرب» الكُردية
التاريخ: الأثنين 08 شباط 2016
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود

أغنية الحرب الكردية وليس السياسة ولا الثورة، رغم التداخل بين الحالات الثلاث، سوى أن الأولى تخص مجتمعاً في حالة حرب. إنها تتخذ من الجبهة ومتطلباتها ومناخها وعالمها ومن ينخرطون فيها في الجانبين موضوعاً لها. سوى أن أهم ميزة خاصة بها، وكما يفترَض، هو أن تكون نظيرة المحارب وهو يتهيأ للموت، إذ يستميت في الدفاع عن وطنه، شعبه، في أي لحظة. بناء على ذلك، تعرّف أغنية الحرب الكردية عموماً، وباعتبارها معنية بها، ومنذ أكثر من سنة طبعاً، دون اسمها، إنها في غمرة التنافس اللاودّي بين الكم الهائل من حاملي نسَب " الفن " يكادون يشاطرون المقاتل / المحارب الكردي، لا بل ويحاولون منافسته في لفت الأنظار، مع فارق الموقع والعلاقة مع الجاري، فالروح المدافعة عن كرديتها ليست للاستهلاك، بينما أغلبية الأغاني المدرجة في نطاق الحرب استهلاكية وليس تمثيل أبدية الروح الوطنية المقاتلة.


إنها ملاحظة مستقرأة من خلال ما لا يُحصى من الأغاني للمعتبرين مطربين ومطربات، حيث تابعتها بأدائها وكلماتها وألحانها على أكثر من قناة كُردية، وتلمستُ مدى التهافت في الثالوث ما دون الفن: الكلمات المكرَّرة بجانبها النظمي، وليس الوهج الشعري من الداخل، والموسيقا السريعة، أو الفاقدة لذلك البعد الهارموني الذي يمنح روح المصغي حيوية وتجاوباً معه، والأداء الذي يفتقر إلى لغة الطرب وما فيه من توأمة الحزن والفرح، الموت والحياة.
أغان كثيرة جداً، أكون في غِنىً عن الاستشهاد بنوعية منها، حتى لا تحسَب علي تشهيراً مباشراً في الثالوث المذكور بالذات، وبالمقابل، حتى لا يكتسب المعنيون بها صيتاً جرّاء هذه اللعبة، كما هي لعبتهم في المسعي الحثيث وفي مضمار التنافس داخل الإقليم وأبعد منه وخارجه، كما لو أن المغنّي " الحربي " يجد فيما يتقدم به فرصته السانحة لأن يُهتَمَّ بأمره، وأكثر من ذلك، لأن يُحتفَظ بصورته مع مجموعة من المقاتلين الجبهويين وهو لابس زي البيشمركي وغيره، تعبيراً عن أنه في مستواه من " صنعة " البطولة والتضحية، وما يرافق ذلك كثيراً من بلبلة للوضع، وربما ما هو كارثي عبر عملية أخرى تناظرها، وهي : الإخراج " الكليبي "، حيث كل شيء مراقَب، مرصود من قبل الأعداء.
أخبار تتقاذفها قنوات البث التلفزيونية والإذاعية والمواقع الالكترونية وهي تمارس نوعاً من البشرى للمستمعين، وما يجعل المغني أو المغنية في وضعية انتشاء، وقد تناقلت الصورة الملتقطة في الزي العسكري مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، إلى جانب ما هو مهم وهو تأكيد المغني " الحربي " أو المغنية أن الكردوارية قد حققت نصابها هكذا.
إنها سوق الجذب والتداول والإغراء، حيث يتداعى المعنيون بهذه الأغنية المهيبة في الأصل، من وراء آلاف الأميال، لإيقاظ ذاكرة من نسوهم، أو نحوّهم جانباً، والمعزّز الوحيد هو أن يقدّم أي منهم أغنية تسمّيه، لا يهم ماذا يقدَّم أداء وكلمات ولحناً في المجمل، إنما هو أن يقدَّم وكفى " وما في حدا أحسن من حدا "، لألّا يقال في أي منهم أنه أصبح خارج " الوطن " ولن يعود إليه، أكثر من ذلك، هو الإيحاء بأن النأي عنه لم يفقدْه حرارة احتضانه.
مغنون مستهلكو أنفسهم، كما همو مستهلكوهم ممن يهتمون بأمرهم، ومن يستدرجونهم إلى " لعبتهم " تماشياً مع المستهلَك فيهم، وهم يتابعون ما يقدَّم لهم مع تصفيق أو إطراء، ليس لأن المقدَّم يستحق ذلك، وإنما لأن المعتاد، وكما هي عدوى التعريف والتفاعل الشعبوي، يتطلبه ، طالما أن كلمات مطلوبة، معينة، محددة، تمثّل محاور، مداميك، مفاصل حركية لهذه الأغنية أو تلك: كردستان، البيشمركة، الحرية، العدو البغيض الهمجي، التضحية، الروح الكردية التي لا تقهَر، وحدة الكرد، شموخ الكردي، حبه الأزلي للحياة....الخ، حتى لو أن ذلك تم في صيغة رصْف جُمَل، فالمهم غالباً، هو أن تكون نهايات الأبيات واحدة لتكون قابلة للحفظ أكثر.
استهلاك الفن فيما يدمّر معمارية الفن، يسمّم مناخه، أو يعتّم فضاءه، ويختلط فيه الليل بالنهار، مع ضحالة المحتوى، هو ذاك: الحصيلة النهائية لأغنية " الحرب " الكردية، والتي تحتضر بمعناها، وسريعة العطب في امتحان الفن الفعلي!
يستعاد هنا قول أندريه جيد: العواطف النبيلة تنتج أدباً رديئاً ! ولا بد أن الفن هو توأم الأدب، وكلاهما ينتمي إلى الإبداع، أي إن العواطف النبيلة تنتج فناً رديييييئاً بالمقابل !

دهوك- في 8 شباط 2016 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20248