في مقتل كريفي
التاريخ: الأثنين 30 نيسان 2007
الموضوع: اخبار



  طه خليل

في الأغاني الكردية ، ثمة اغنية مشهورة يعرفها على الارجح غالبية الشعب الكردي ، هي اغنية كريفي ، او اغنية  " كه جا سموقيا " ، الاغنية التي تتحدث عن حكاية حب وعشق بين شابين كرديين ، تنتمي الفتاة للطائفة اليزيدية بينما يكون الشاب من الديانة الاسلامية


ويبدو ان الامور تتعقد كثيرا امام حبهما ، فيلجأ الشاب الى الشعر والغناء ، ليسجل الكرد اغنية تاريخية مؤثرة ، تتحدث بحق وتظهر مدى المأساة التي عاشها هذا الشعب بعد ان تعددت فيه الطوائف ، والمذاهب والأديان ، وبقيت تلك الاغنية شبه مغمورة ، رغم ان المغني الكبير محمد عارف جزراوي قد خلدها بصوته ، ومن ثم انتشرت كالنار في الهشيم بعد ان غناها المغني الكردي شفان ، والتي صارت وبالا عليه في الكثير من حفلاته ، اذا لم يرق للكثيرين من ابناء الطائفة اليزيدية ان يغني احد من المسلمين ويتغزل ببنت منهم ، رغم ان الاغنية في حد ذاتها تدعو الى الحب بدلا من التطرف الديني او المذهبي وتوضح ان لا فرق بين ابناء الكرد مهما تبدلت مذاهبهم واديانهم ، وكريفي هي كلمة تقال لليزيدي او تقال للمسلم الكردي من قبل اليزيدي ، بعد ان يكون طرف منهم قد ختن ابنه في حضن الطرف الآخر ، وحدث الختان هذا كان بمثابة الجسر للوصول الى العلاقة الاجتماعية بين اليزيديين والمسلمين من ابناء الشعب الكردي ، للاسف .
من وقتها صار اسم كريفو ( للرجل )  او كريفي ( للمرأة ) رمزا من رموز التقارب والمشاركة الاجتماعية بين هؤلاء الناس .
واليوم تقتل كريفي ..
كريفي التي احببناها جميعا واعتقدنا اننا سنحبها كلنا ، وان كريفا من هؤلاء سيحب من عندنا ..
لقد قتلو كريفي ليقولو لنا : لا..  انتم واهمون..!!
واليوم يعيد التاريخ نفسه ، ولكن بقسوة لا مثيل لها ، قسوة لا تشبه قساوة العصور الوسطى وقرون الظلام ، تاريخ كردي كامل من المعاناة والتشرد والقهر والنضالات والاغترابات ، ومؤخرا من نسائم الحرية ، يتلطخ اليوم بدم بريء، دم يكاد يقض مضاجع من لا يزال يتمسك بقليل من بشريته وانسانيته ، دم احمر كدماء كل البشر، وكل الكائنات ، الا ان الذين اراقوه لا علاقة لهم بالقاموس الانساني ، من بعيد او من قريب ، دم يسيل عاليا حتى يكاد يغيم على كل دماء ضحايا الكرد ، والمجازر التي ارتكبت بحقهم على مر التاريخ الاسود الذي مارسه الآخرون بحقهم ، لكنهم اليوم هم من يدنس تاريخهم ، يدنسونه بكل جرأة وفي منتصف النهار وتحت اعين الكاميرات والحكومات والمؤسسات التي نسمع بانها تدافع عن شؤون الانسان الكردي .
لا شك ان المجتمع الكردي مثله كمثل بقية المجتمعات الشرقية تسيره نزعات طائفية وتقاليد دينية او عشائرية ، ولا يزال اسيرا لأهواء بدائية ، ولكن ما كنت اعرفه وما درسته في التاريخ الكردي ( وبعيدا عن الانفة الكردية الجوفاء ) كان الكرد يحترمون المرأة بقدر كبير اذا ما قورنوا بالشعوب التي تجاورهم ، واذا كان العرب في الجاهلية يدفنون المولودة الانثى ، ونزلت عليهم الاية المشهورة حول الوأد ، فان ما قام به طائفة من الكرد اليزيديين يفوق بشاعة كل الجرائم التي قام بها الرعاع واللصوص ومصاصوا الدماء عند الشعوب، اذ يجتمع الآلاف من الطائفة اليزيدية في بلدة بعشيقة ، ليقتلو بدم بارد وعنف لا مثيل له فتاة منهم بحجة غسل العار ، او الدفاع عن الشرف ، ذلك يحدث في المجتمع الكردي ، نعم .. يحدث ونسمع الكثير من القصص هنا وهناك ، لكنها المرة الاولى تعرى فتاة في الشارع وتقتل بايدي آلاف الغوغاء ويتم تصوير عملية القتل والسحل فيما بعد ، والحكاية هي :
 دعاء اسود خليل كان اسما لفتاة كردية ( ولأقل لأول مرة : كوردية ، ليستقيم امر الامة ) كانت تنتمي للطائفة اليزيدية ، التي يدعي الكرد انها كانت ديانتهم الاصلية ، والواقع لا ادري من اين لهم هذه المصادر الخطيرة.
على اية حال، احبت دعاء شابا مسلما ( المعلومات تقول انها كانت تبلغ من العمر 17 عاما ) تزوجته دعاء ويبدو انها اسلمت ، ومن يسلم قلبه يسلم دينه ايضا ، بعد اشهر اجتمع اليزيديون ، مستلهمين وصايا الرجل الاموي الغامض عدي بن مسافر، والذي صار نبيهم فيما بعد ، وقرروا: ان الزواج باطل ، لا بحجة قومية او مبادئ انسانية ، او وطنية بل استنادا لوصايا نبيهم الغامض عدي بن مسافر ، واسمه الحقيقي كما ورد في كتاب وفيات الاعيان لأبن خلكان :
 "  الشيخ عدي بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن الحسن بن مروان، تبعه خلق كثير، وجاوز حين اعتقادهم فيه الحد، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها، وكان مولده في قرية يقال لها بيت فار من أعمال بعلبك، والبيت الذي ولد فيه يزار إلى
الآن. وتوفي الشيخ سنة سبع، وقيل خمس وخمسين وخمسمائة، في بلده بالهكارية ."
استطاع ذوو دعاء اقناعها بانهم قد اعفوا عنها ، وبضمانة اميرهم الديني في المنطقة كما قيل ، وبعد ان عادت الفتاة لذويها ، سلموها لأهالي بلدة بعشيقة ، التابعة للموصل ، حيث سكانها من اليزيديين ، وبعد الاستلام والتسليم ، يسير السيناريو كما يلي ، وكما تم تصوير التفاصيل بالكاميرات المحمولة وبكاميرات التلفونات النقالة :
يصعد مع دعاء عدة رجال الى سطح منزل، وهناك يمسك احدهم بورقة يتلو منها جملا غير واضحة ، يفهم منها انه يطلب منها التوبة والعودة الى دينها قبل قتلها ، وفجأة يرميها هؤلاء من على السطح الى الشارع ، حيث يتجمهر هناك في الاسفل اكثر من الفي شخص ، ينتظرون ضحيتهم ، وما ان تسقط دعاء الى الارض حتى يهرع الكل اليها ، فيجردونها من ثيابها ، وفي الوقت الذي نرى دعاء تخفي وجهها بيديها ، يركلها شاب هنا ويرميها بحجر رجل من هناك  ، وفجأة نجد رجلا سمينا يحمل بيديه خفانا (بلوك او ما يسميه المصريون طوب) يرفع الخفان عاليا ويهوي بها على رأس دعاء ، لتتفجر منه خيوط الدم ويتناثر دماغها حول جثتها التي تنتفض لتسلم الروح لرب كان يرى ويشهد ما يحدث تحت سمائه ، وهنا تتعالى الصرخات مهللين باسم الملك الطاووس ، في الوقت الذي تعلو زغاريد النساء على مقربة من مكان الحدث ، و يتدافع الرجال الصناديد ليأخد كل حصته من الضرب ويتسارعون الى قطع الحجارة و الطوب ليهووا بها على راسها وظهرها العاري ، هنا تثور النخوة برأس احدهم فيلقي ياقة سوداء مخططة على وركها ليخفي قليلا من جسدها الذي يشاع للناس والله، والطيور والسماء التي هي في الاعلى .
بعد ذلك يتم تمزيق جسدها ، ويتم ربطها بسيارة لتسحل في شوارع البلدة وترمى في النهاية في القمامة .
ما رايته مصورا وموثقا، يفوق كلما ارتكبه الزرقاوي وجماعات القتل والذبح بالسيوف والسكاكين، وأعتقد لو انني كشخص سمعت ان فتاة قد تركت اهلها وبدلت دينها وهربت مع من تحب، وقتلها اهلها لقلت في نفسي للأسف ، وتفهمت القليل من التقاليد الاحتماعية ، التي تتكرر كل يوم ، لكن ما لا يتكرر ولا يمكن للبشر تحمله هو الطريقة التي يتم بها رجم دعاء وقتلها ، وتلك الصرخات المرافقة لحجارة الخفان والزغاريد التي تعلو مع صرخات التكبير باسم ملك طاووس، كما لو ان هؤلاء الرجال يعودون مظفرين من حرب تحرير كردستان ورافعين الاعلام الكردية لتستقبلهم النساء بالهلاهل والزغاريد ، الا بئس ما يزغردن له وسقيا للجثة هناك .
انه العار
العار الذي لن يغادر ارض كردستان الا ان يهب الجميع لرفع الصوت والتنديد بما ارتكبه هؤلاء الرعاع ، واشباه البشر، بحجة طقوسهم الدينية ، وملك طاووسهم .
المسألة الثانية التي اود التطرق لها بهذه المناسبة هو ما يرتكبه الاعلام الكردي منذ عدة سنوات من تعظيم لطقوس هذه الديانة ، بحجة انها كانت ديانة الكرد القديمة ، وفي الوقت الذي لم يعد الكثيرون يهتمون بالاسلام نفسه ، كدين متطور ومتحضر اذا ما قيس بما تسمى : الديانة اليزيدية وحيث يتم الخلط بينها وبين تعاليم الزرادشتيه القديمة, دين فارس ، والتي كانت عبارة عن فلسفة قائمة بذاتها ، وتتحدث عن جانب الخير والشر استنادا الى ملكين متصورين هما أهورا ــ مزدا يمثل احدهما النور كاله للخير والاخر الظلام كاله للشر.
ان الدعوة اللامنطقية والراديكالية التي ينفخ فيها الاعلام الكردي بالعودة الى هذه (الطقوس) انما هي لعب بنار غبية ، ودعوة لطقوس طوطمية لا علاقة بها بسيرورة التاريخ.
ولكنهم قتلوا كريفي
قتلوها للابد ... على الاقل في قلبي
ولن تعد كريفي تحمل جرارها لتملأ من الخابور حبا وتدعو للقاء الاخوة والعشاق.
كريفي تموت وشارك الكل بقتلها
كريفي..عارنا جميعا ، وليست عار طائفة محددة من الكرد ، واذا كنا نرى اليوم ان هناك الكثيرمن الكتاب  العرب ينددون بما حدث ، فانهم ينطلقون من دوافع اسلامية محضة او حاقدة بالاساس على شعبنا ، وفي الوقت الذي ادين ما يقولونه عن شعبنا وما يصفوننا به من صفات ، فانني في الوقت نفسه اشعر بالعار حقا من ان انتمي لمجموعة او قومية تضمني مع اناس عندهم القدرة النفسية والعقلية لارتكاب مثل هذا الحدث المجرم .
وادعو كل المثقفغين الكرد والمؤسسات الكردية المعنية بشؤون الانسان ان تتوقف مطولا امام مقتل دعاء ، فثقافة العنف هذه لم تكن يوما موجهة الى الوجهة الصحيحة بقدر ما هي موجهة الى الداخل الكردي نفسه ، وأتعشم باصدقائي اليزيديين وهم كثر ، ليدينوا ما حدث ويرفعوا صوتهم عاليا ، ويؤكدوا على احقية الحياة امام هذا الموت الرخيص الذي يرتكب تحت حجج واسباب لا علاقة لها لا بالاديان ولا بالمذاهب ولا بالحروب حتى .
 ادين تلك الايادي القذرة التي مارست ذلك القتل ، والتي لا علاقة لها بشيء الا بشهوة قتل ، والادعاء بشرف رخيص.
نعم لقد ماتت كريفي..
بل لقد قتلنا كريفي ولن نتحرر من دمها ، الا بالوقوف مطولا اما ساقية الدم تلك..
ولا نحتاج امما اخرى وأقلاما اخرى لتغسل عارنا هذا
سنغسل هذا العار فقط ان اقمنا تمثالا كبيرا وعاليا في تلك الساحة التي قتلت فيها دعاء ، وليبق التمثال عاليا ، ويسير من تحته والى آخر الدنيا ، هؤلاء الذين اجتمعوا يوما هناك وفعلوا ما فعلو ، وليشعروا ماداموا على قيد الحياة ان قامة دعاء ، التي هي كريفي أعلى من قاماتهم ، واكثر شموخا ..
يا دعاء نامي...
وأعرف اليوم جيدا اننا لن نبني دولا وأوطانا ، ولا نستحقها اساسا ما دمنا ننام ودمك يسيل بالقرب من ابوابنا جميعا..
نعم ... لقد قتلوا كريفي عن سايق تصور وتصميم ، وذلك هو العار.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=2015