معاناة مدينة نصيبين
التاريخ: الأحد 27 كانون الأول 2015
الموضوع: اخبار



درويش محما

زرت تركيا مرتين هذا العام، مرة في بداية شهر يونيو، ومرة في شهر سبتمبر في بداية الخريف، كلتا المرتين كانت وجهتي مدينة نصيبين، في زيارتي الاولى وجدتها مفعمة بالحياة خلال النهار، الكل في حالة حراك دائم يبحث عن رزقه غير مبال بدرجات الحرارة العالية، وخلال الليل تجدها امنة مستقرة شوارعها وازقتها لا تخلو من المارة، والمقاهي في مركز المدينة تعج بالناس حتى ساعة متأخرة من الليل. 
لا اتذكر انني حملت جواز سفري وانا انتقل داخل مدينة نصيبين، واذا طاب لي السفر لمدينة ماردين او ميدياد او دياربكر، لا اتذكر اني وجدت شرطيا يعترض طريقي، او عسكريا مدججا بالسلاح على حاجز يستوقفني، والفضل يعود بطبيعة الحال، لسياسة الانفتاح التي اتبعها السيد رجب اردوغان خلال سنوات حكمه تجاه الكرد وقضيتهم، بالاضافة لدعوات السلام التي اطلقها زعيم حزب العمال الكردستاني السيد عبد الله اوجلان من سجنه، وكون المناطق الكردية من تركيا كانت الاكثر ضررا ووبالا جراء الحرب التي دامت لاكثر من ثلاثة عقود، فمن الطبيعي ان تكون حالة السلم المعلنة اكثر خيرا ونفعا على تلك المناطق وأهلها. 


مدينة نصيبين لم تكن هي نفسها عند زيارتي الثانية، بناء كبير من طوابق عدة على المدخل الشمالي للمدينة كان يجهز ويعد لاستقبال طلاب المرحلة الثانوية، كان قد احرق تماما، العديد من حاراتها وشوارعها كانت مغلقة بالحواجز الترابية والخنادق التي حفرها اتباع حزب العمال الكردستاني، اما مركز المدينة وفي وضح النهار، تجده فجأة فارغا من الناس، بعد ان تغلق المحلات ابوابها بناء على اوامر «الرفاق»، وليلا لا احد يخرج من بيته الا في الحالات الاضطرارية، واذا خرج احدهم فعلى الاغلب سيعرض نفسه لمخاطر الوقوف والاستجواب امام دورية شرطة تركية او دورية مسلحة تابعة للرفاق، واذا كان سيئ الحظ قد يصاب برصاص طائش يطلقه هذا الطرف او ذاك. خلال زيارتي الثانية لمدينة نصيبين كانت جارتها مدينة جزرة محاصرة من قبل الجيش التركي، وبعد مغادرتي للمدينة بوقت قصير جاء دورها، لتتعرض للحصار وقطع الكهرباء والجوع والقتل، هذه هي حال العديد من مدن كردستان تركيا اليوم، حيث قتل حتى اليوم اكثر من 500 شخص، وهاجر اكثر من 250000 ، اما خسائر الناس المادية فهي لا تعد ولا تحصى.
 «العمال الكردستاني» وحده ولا احد غيره، يتحمل مسؤولية الحرب الجارية داخل المدن الكردية ـ التركية هذه الايام، فهو الذي بدأ بخوض هذه الحرب القذرة التي لا ناقة للكرد فيها ولا جمل، بقتله لضابطين من الشرطة التركية في 22 يوليو الماضي بمدينة شانلي اورفا، وبتحويله المدن الكردية الى ثكنات عسكرية والاعلان عن الادارة الذاتية فيها، من دون ادنى مراعاة لحياة المدنيين الكرد، ودون اي تقدير لعواقب الاقدام على هكذا خطوة غبية غير واقعية. التصريحات الاخيرة لزعيم حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) عبد الله اوجلان، والتي تم نشرها في جريدة «الطرف» التركية اول من امس، ربما تفي بالغرض، وتضعنا في صورة الحاصل بالمدن الكردية ـ التركية ومن ضمنها نصيبين، حيث يضع الرجل النقاط على الحروف بقوله : «أن الـ «ب ك ك» اخطأ في قراءة الوضع واصبح لعبة بيد قوى دولية». كلام اوجلان المسرب هذا، هو حقا كلام موضوعي وسليم لا جدال فيه، لكن ما يؤخذ على مثل هذا الكلام، انه مجرد اعتراف متأخر صادر عن زعيم مغلوب على امره. 
السياسة الكويتية






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20078