هل الإسلام دينٌ للعرب 1/2
التاريخ: السبت 19 كانون الأول 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

   لئلا يخلق البحث جدال خارج السياق المطروح، ننوه أن المعروض ليس رؤية في ماهية الإسلام، أو انتقاص من الشعب العربي وقيمه، فنقد الإسلام السياسي العروبي في سياقه السلطوي أو السياسي، ومسيرته التاريخية أو سيرة رواده موضوع خارج السياق القادم. بحث لتبيان بعض الخلافات الفكرية حول شمولية الإسلام، كونيته أو عدمه؟ وهل هو دين أنقسم على بعضه، تحت تأثير ضخ مناهج وتأويلات من رواد في طرفي نقيض: الإسلام العنفي، والإسلام الروحي، ولتخلق بينهما سلسلة طويلة من المذاهب والطوائف، أدت إلى ظهور عدة أديان يسمون جدلا، بالإسلام، أم أنه دين شمولي لجميع شعوب الأرض، تتأقلم وثقافة كل مجتمع؟ وهل هو فعلا قابل للتطور؟ أم دين فرض عليه الجمود؟ 


وهل الإسلام يقبل بالتطورات الحضارية ويريد التلاؤم مع التراكمات المعرفية؟ وهل حقيقة يتبنى السلام في مبادئه؟ أم الذين ينهجون السلام والرحمة ويرفضون القتل والعنف هم دعاة دين جديد تكون على عتبات الدين الإسلامي العربي الذي ظهر وخرج من شبه الجزيرة العربية؟ ويتباهى بها العرب، في الوقت الذي ظهر لتشذب العادات السيئة التي كانت سائدة بينهم، ولتنقية أخلاقهم الاجتماعية، وتلغي الطقوس الشاذة التي كانوا يمارسونها، وكما هو معلوم أن الأديان ثورات بشرية أو تنزيلات إلهية؟ لتنقية الشعوب من الانحلال الثقافي. مع ذلك استفاد منه القبائل العربية أكثر من جميع الشعوب الإسلامية، وأفسدوا فيه بعمق تجاوزوا جميع من حاول التخريب فيه. ويبقى السؤال: أيهم الإسلام الصحيح أو الإسلام المنحرف؟ أم جميع المذاهب إسلام واحد؟ والكل يستسقي من القرآن غاياته، والمسلمون كلهم مذنبون أمام ما يجري في العالم من مجازر باسم الإسلام وتحت تأويلات آيات معينة، أم أكثر المنظمات التكفيرية والأصولية تخرج من أحضان المجتمع العربي؟. ولكل طرف دعاته، ومناصريه، وفقهاءه، وشعوب تتبعه.
   دين ظهر للعرب وحدهم، ثورة في ثقافتهم، وعاداتهم الشاذة إنسانيا، وبعدا عن الحضارة؟ أم للبشرية جمعاء؟ علماً أن الحضارات المجاورة كانت أكثر تطورا حضاريا وتراكما معرفيا وأبعادا دينية روحانية، من مما جاء به الإسلام؟ سؤال بحث فيه العديد من الكتاب والمفكرين، والجدال مستمر، بلا نهاية، ولا نتيجة، أنه صراع فكري ثقافي، ظهر مع تكوين بدايات المفاهيم الدينية على الأرض، وستستمر إلى الأبد، نقاش لا يختلف في كليته عن الصراعات الفكرية الفلسفية، والتاريخ الإسلامي في هذا خارج نطاق الاستناد، كمعظم صفحات التاريخ الذي كتب بيد الأقوياء لتسند مفاهيمهم وسلطاتهم، فكل طرف يستخدم الصفحات حسب غاياتهم ويؤولونها لتتلاءم وأهدافهم.
  بناءً على مبدأ الإسلام ذاته، والراسخ بأن الله أرسل لكل قوم نبياً من ملتهم، فمحمداً كان من أوسط القبائل العربية، قاد الإسلام وغزواته في البداية، وسيطر عليه قادة العرب الجاهليين بعد وفاته، نفسهم الذين كانوا قادة قريش في الجاهلية، وسجالات سقيفة بني ساعدة أكدت على هذه الحقيقة، ونادرا ما ظهر بينهم من العامة، من القبائل العربية الجاهلية أو من قريش، بعكس ما يقال في الإسلام بأن الجميع سواسية أمام الله، كما ولم يبرز أحد من الموالي إلا في نهايات العصر العباسي، وهذه لها خلفيات سياسية عميقة. 
    تلائم الإسلام وذاتية القبائل العربية وخصوصيات قريش، وفي معظم مفاهيمه، والذي يختلف عن الإسلام الذي أقتنع به معظم الشعوب الإسلامية الأخرى، وخاصة في المراحل المتأخرة من عصر الخلافات، حتى ولو كان إسلام قريش ملهمهم في البدايات. كانت بينهم هوة معرفية وثقافية واجتماعية واسعة، فظهرت وتطورت على أثرها بينهم تناقضات فكرية وعملية عميقة، حتى في القضية الأساسية في الدين، تعريفهم للإله، وعلاقته بالزمن والنهاية واللانهاية، وأوسع هوة فصلتهم كانت التطبيقات العملية، وهي أن معظم دعاة المسلمون العرب، كانوا من المجتمع الرعوي، خرجوا من شبه الجزيرة العربية على مبدأ الجهاد العنفي، وكان منطقهم  العيش على الغزو، بعكس الشعوب الحضارية التي كانت في حالة رقي ومدنية متطورة، وتعيش على الزراعة والمهن اليدوية، وتحت راية الإسلام حولوا منطق الغزو والنهب إلى مفهوم الجهاد والغنائم، مع فارق في الاسم، وإلى الأن يستمرون على نفس النهج، وإلى أن يستسلم آخر فرد على الأرض، ومنهم العديد من الفقهاء والطوائف التي تستند على آيات دون أخرى وردت في هذا السياق.
   عكس الإسلام في مرحلة المدينة العديد من عادات العرب، وعظمت مجد قريش في الكعبة، وركزت على عادة الغزو بين القبائل العربية، والتي استندت عليها الخلفاء والسلاطين لغزو البشرية جمعاء، تحت تأويلات ذاتية لمجازيات في القرآن حول مفاهيم الغنائم والجهاد ونشر الإسلام، خدمت مآربهم، للانتقال من غزو البعض ضمن شبه الجزيرة العربية إلى غزو الإمبراطوريتين المجاورتين الغنيتين، بعد تصاعد قوتهم، علما أنه من حيث البعد الفكري كانت وظلت دون سوية الحضارتين ثقافيا، وبعيدا عن المقارنة في التطور المدني.
   قبل الإسلام، كانت عوالم أغلبية القبائل العربية محصورة في الجزيرة العربية وأطراف الصحراء، جذب الإسلام أنتباههم إلى المدينة ومكة، ونبهتهم إلى خارج جغرافيتهم، وحرضتهم الآيات المدنية التصاعدية في الغزو والغنائم والسبي، إلى حيث الغنى والأموال التي كانت معروفة لتجار المدينتين، وكانت تثيرهم لقربها من مفاهيم القبائل الصحراوية، مع التناسي للآيات المكية والتي أهملت في كثيره، والتي تنادي بالسلام والرحمة. ورغم الحجج والتأويلات المتنوعة والظروف التي نزلت فيها تلك الآيات العنفية، لتبرير الانتقال من مفاهيم السلام إلى العنف، تبقى سجالات علم الكلام بين المتخالفين أفضل التوضيحات إلى جانب التحليلات التاريخية المتناقضة بين المرحلتين، وعلاقتها بتقريب القبائل العربية وزعامة قريش والعمل على توسيع سيطرتها على قبائل شبه الجزيرة، وهو السجال الفكري المتصاعد بين التيارين في الإسلام أو نقادهما والذين يدحضون في ألوهية الإسلام على خلفية الاستناد على العنف والقتل في نشر الدين، ودحضهم  الحجج التي تؤيد منطق الغزو الذي كان في بدايات الإسلام محصورا في معظمه بين القبائل العربية، والعديد من المؤرخين والفقهاء يحصرون مبدأ الغزو ضمن شبه الجزيرة العربية ويلغون منها الشمولية، إلى جانب غيرها من المفاهيم والأفعال التي أدت إلى صراع بين الشعوب التي أسلمت بعد خروج الإسلام عن جغرافية شبه الجزيرة العربية بقرون والقبائل العربية، ولا يزال مستمراً، وتحول صراعهم وعلى مراحل تاريخية، من الصراع على السلطة إلى الصراع على المفاهيم، ومن الخلافات في علم الكلام، إلى الصراع بين المذاهب، وهو في بعده الأعمق صراع بين مفاهيم وعادات وتقاليد العرب والشعوب التي تحاول التغيير في الدين لتتلاءم وخصوصياتهم. 
     يظهر تلاءم الإسلام في كليته مع القبائل العربية، من خلال سندين أساسيين، وأخرى تكملهما، بخلاف معظم الشعوب الإسلامية الأخرى:
1-   العديد من العبادات والمفاهيم تلاءمت مع عباداتهم وتقاليدهم الجاهلية وكرست بعضها، مع بعض التغييرات، استند على عتباته العرب للسيطرة على المناطق المحاطة بصحرائهم، رغم الفروقات الكبيرة والعميقة بين الثقافة العربية وثقافة الشعوب الحضارية المجاورة، وعليه كان مهما لقادة قريش، قادة الإسلام،  نشر مفاهيم الإسلام، لترسيخ سلطتهم، دون أن تكون لهم  سوية ثقافتهم، فكانوا دونهم معرفة وثقافة، ولم يكن لهم قدرة على استيعاب المفاهيم والعلاقات الاجتماعية الحضارية،  لذلك وعلى أسس مفاهيم الإسلام نشروا عادات وتقاليد العرب، وباسم الإسلام الكلي دون التعمق في الجزئيات وتأويلات الفكر والبعد الروحي، نشروا الإسلام عنوة، علماً  بأن معظم المفاهيم الروحية  الواردة في القرآن كانت غير مفهومة للقبائل العربية، منقولة من  الأديان الأخرى التي كانت قد بدأت تنتشر وبصعوبة في شبه الجزيرة العربية، يتبناها العديد من الذين عاشوا في المدن الحضارية وكانوا ينادون بالنبوة، وينشرون المفاهيم الروحية، وبينهم شعراء.
2-    الإسلام بني على لسان قريش، لغة القرآن، لتتطور وتحصر في ذاتها لهجات جميع القبائل وتشكلت على بنيتها اللغة العربية، ولهجة قريش لم تكن مفهومة للعديد من القبائل العربية ذاتها، فقد كان بينهم اختلافات عميقة. وكلغة لم تكن معروفة للشعوب المجاورة، وبقي لسان العرب ولغة القرآن غريبة عنهم على مدى أكثر من قرنين بعد الاجتياحات، وظلت مفاهيم الإسلام أو معاني أجزاء واسعة من القرآن الواردة بلهجة قريش غريبة على مداركهم على مدى عقود طويلة ليس فقط للعامة بل وللنخبة أيضا، ولا تزال غير مفهومة حتى الأن عند العديد من الشعوب الإسلامية، إلا تلك المفاهيم التي أرتقت وتطورت وتلاءمت ومع القرون مع عاداتهم وتقاليدهم. ومن الأهمية بالذكر أن العديد من القبائل العربية الجاهلية التي قيل بأنها نشرت الإسلام، لم تكن تعرف من الإسلام إلا فتاته أو لم تكن مسلمة، ومعظمهم كانوا حديثي العهد بالإسلام، ولا يفهمون لهجة قريش في كثيره، فكانوا يغزون من أجل الغنائم، وعلى أثره دمروا حضارتين، ولم يكونوا مطلعين على لغة القرآن إلا في بعضه، وتلقفوا الأجزاء الملائمة للحض على الغزو والغنائم والسبي، والآيات التي هي من صلب عادات القبائل العربية، وحفظ القرآن بلهجاتهم من الأسباب التي أدت إلى خلافات حادة بين حفظة القرآن، وعلى أثرها حث قادة قريش الخليفة عثمان بن عفان على جمعها في صحيفة واحدة وإزالة النسخ الأخرى...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
12-7-2015






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=20044