أبو «وحيد» الذي لم يكن وحيداً
التاريخ: الأحد 29 تشرين الثاني 2015
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

برحيل " أبو وحيد " الذي لم يكن وحيداً، وأنا الذي أعرفه منذ أكثر من نصف قرن، أشعرني بما لم أردْه، وقد أضيف إلى عمري نصف قرن آخر تأكيداً على أن موت القريب من الروح يتعدى حدود المنتمي إلى خانة القرابة، وبرحيل " أبو وحيد " أتحسس أكثر من لعلعة في الوحدة وهي تنبّهني إلى أن عتبة الصدمة الكبرى والقاضية تسرّع في الروح حُمَّى عراء التنائي.
بدءاً افتراضياً من القرية التي احتضنتنا، أو احتضنَّاها معاً، لا فرق، حيث التوحد المنفتح، أزاح فارق العمر، كما لو الذي كبرَني بعقدين من السنوات ونيّف امرؤ آخر، إلى المدينة الواحدة: قامشلو التي أبقتنا إلى أبعد من حد ما جيراناً جغرافيين، كما كنا في القرية، إنما أخوة أكثر ذائقة من فاتحة الأخوَّة الرحمية، حتى حدوث الانفجار المريع سورياً، لتفرقنا " أيدي " الحدث الذي طال ومال فينا وأمال كما أطال فينا خنجره المسنن والمتمكن، ولم يبق على شاشة" الأحداث السريعة " سوى سماع ما يبدّد شمل الروح الواحد في وحشة الجهات الذاهلة ياااه،


 وأنا أعلَم بأن " أبو وحيد " الجار الأعمر والأوفر بالروح: عبدالكريم خجو خلَّف راحلة الروح: جسمه الواهن  والطاعن منذ عقدين من السنين وأكثر في يوم الأحد تماماً في 29 تشرين الثاني 2015، كما لو أن الحِداد الذي استغرق بحلكته شاشة الرؤية أحال دون قراءة صورة " أبو وحيد " الواهن محيَّا، واسم " أبو وحيد " رفضته الرؤية المباشرة، كما لو أن طيب روحه أبقاه أكثر مما يجب.
وأبو وحيد الذي أقرأه منذ أكثر من نصف من الزمن في لمحة واحدة في إطلالة واحدة: كيف أعدَّ لفتوته وودَّعها، وشدَّ على شبوبيته ونثرها في جهات خلائق من هم أبعد من حدود" خربة عنز " و" قامشلو "، أبعد من " كورنيش " حافظَ على وحدته فينا دون إملاء عُقدي، ليكون له في كل بادرة فرح، أو غادرة حزن ممضّ إمضاءة، كما لو أن له سهماً بليغاً في كل منهما، ليقول أهل الفرح: أهلاً " أبو وحيد "، ليقول أهل الحزن: أهلا " أبو وحيد "، ويأخذ أبو وحيد مكانه، موقعه اللائق به في الصدر دون إثارة حفيظة أي أحد، لأن " أبو وحيد " لم يعرّف بنفسه وحيد المكان هنا وهناك، إنما وحدة الحال في مختلف الأحوال، كما لو أن النسبة واحدة، وحين يوحّد أبو وحيد بين الذين يعانون من علة الوحدة فيهم ومن حولهم: هنا واقعة لا تعرَف نكهتها إلا بلسان " أبو وحيد "، وهنا طرفة لها مذاقها المبلسم للروح، لا يُعرف زلال معناها إلا بمجرى لسان " أبو وحيد "، وهنا ابتسامة تتقدم وجهه المتقدم في العمر، لكنه المتمكن في إملاء المكان بالأريحية والحميمية المفلترة، فيتعزز في القادم معنى البقاء والجلوس حيث يطيب الجلوس، سوى أنني التبسَ علي المعنى كثيراً كثيراً حيث رفضت على عيني وعلى ذاكرتي ما هو منشور، ربما على ملمس راعش من إصبعي لتكبير العبارة والتأكد منها: رحل اليوم أبو وحيد! كما لو التمكن من القراءة تقليص لدائرة مؤاساة أدركت إنسانيتها، وزهوها الإنساني: الكردي وغير الكردي في رجال وحيدي أزمنتهم، في منهج يؤاخي مثلما يصافح كل المستجدات خارج نطاق الكتاب أو الشعبة المدرسية أو الرواق الجامعية، لأدرك وأنا بين عين لا تصدّق ما " تسمع " وأذن لا تصادق على ما يتفعل فيها بعمق، لكم كان أبو وحيد وقلة متوحدو روح في مقامه أو نظيره لديهم علم لا يورَّث إنما يعايش بالروح، وكتابة لا تُستنسَخ إنما تودَع الروح: روح المعانق في " أبو وحيد " ثراء حياة بأكملها.
وأبو وحيد، وأنا أكرر هنا رغم تغير الـ" هنا " اسماً، لقباً لا يشير إلا إلى رجل كان من ذائقة روح تستبطنه، هو هذا الذي استوقفني وهو يمضي بوحدة روح مفجوعة بأهلها وقد تفرقوا في جهات المكان اللامكان، لأشعرني مجابهاً وحدة تريني بلاغة معنى أني وحيد بأكثر من معنى، كما لو أنني أتكىء على أكثر من قرن منحن متضعضع راثياً أو شاكياً أو دامي الروح أو مؤاسياً بصعوبة بالغة ومعزياً أهل " أبو وحيد " وكل من كانوا يجهلون شظف الوحدة أعينهم على " أبو وحيد " في صدر المجلس أو يدخل المجلس أو يبث روح الطرافة وخفة الروح في المجلس وأبعد منه.
وأبو وحيد الذي لا يسمعني وأنا في وحدة لا يقدّرها سواي كوني الوحيد المعنّى بذاتي هنا، سوى أنني أضغط على روحي، روحي التي عانقت في " أبو وحيد " أكثر من جغرافيا نصف قرن، وود نصف قرن، لأقول له عبر هواء مفجوع به: سلام على روحك يا " أبو وحيد "، وسلّم على كل من يعنيك أمره " ومن كان لا يعنيه أمره ذكراً وأنثى ؟ "، سنسعى ما وسعنا الجهد إلى أن نبقي على طيفك الأكثر من طيف الأكثر من حضور لروح تنشَّط على مدار الساعة، مؤاساة لنا ما استطعنا إليها سبيلاً ، كما كنت أنت وتكون أنت يا " أبو وحيد " !
دهوك في 29 تشرين الثاني 2015 
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19965