إشكالية المجتمع والسلطة
التاريخ: السبت 28 تشرين الثاني 2015
الموضوع: اخبار



فرمان بونجق

إذا كانت السلطة تسعى إلى بناء نفسها من خلال الاتكاء على المجتمع ، فهذا يعني أن المجتمع قد وُلِدَ أولاً، وقد نما وترعرع بهدوء وتؤدة في بادئ الأمر، وبوتيرة أسرع لاحقاً، ولكنه قفز قفزات متلاحقة في ظل التطور التقني الذي شهدته البشرية في الآونة الأخيرة، وهذا بالمجمل يتماشى مع كل مرحلة من مراحل تطور حركة التاريخ، تبعاً لخصوصية تلكم المرحلة ، والمؤثرات التي سادت بفاعلية ، وأنجزت ما كان ينبغي إنجازه .


ففي البدء كانت أول خلية اجتماعية ، والتي يمكننا أن نطلق عليها تسمية العائلة المؤسسة للبشرية ، وذلك بحسب المقدّس الديني، أو بتعبير أوضح ، آدم وحواء أصل البشرية ، وكانت تلك الخلية بمثابة مجتمع بدائي غير مكتمل النمو، حيث لم تتوفر فيه عناصر الحياة الإجتماعية النموذجية، والتي غابت عنها الفعاليات الأخرى، كالفعاليات الثقافية والفكرية والسياسية ، وبالتالي لم تتوفر في هذا المجتمع الجنيني مقومات أو أدوات السلطة بالمفهوم المتعارف عليه ، كأداة حكم، أو أداة تنظيم ، أو قوة ، أو حكم . ولكن ما لبثَ هذا المجتمع الجنيني أن أوجد البيئة المناسبة لظهور الثقافة بشكلها البسيط ، ثم السلطة بشكلها البدائي، ومن ثم أنتج القوانين الناظمة بين الاجتماعي، والثقافي ، والسياسي . وببطء متكئاً على ما توفر، بَدَأَ يتقدم نحو الارتقاء، مخلفاً وراءه حقبة سُمّيت لاحقاً بالعصر الحجري .
 من هنا تبرز أهمية العلاقة بين المجتمع والسلطة ، بحيث أننا نستطيع القول بأن المجتمع أنتج السلطة كحاجة ملحّة لجهة ضرورة استمراريته ، ضمن شروط أفضل ، وبغية خلق ثوابت جديدة ، تقوم بدورها بتوفير شروط أفضل لنمو كافة الشرائح المجتمعية ككتلة واحدة ، ضمن مجتمع موحد ، وهو بذلك وفّر لنفسه مرجعية سلطوية ، أو تنظيمية ، أو تمثيلية كما هو الحال في المجالس النيابية . ومن هنا تكمن أهمية العلاقة الجدلية بين المجتمع والسلطة ، إذ يتمّم أحدهما الآخر ، وفي مرحلة أخرى ينتج أحدهما الآخر ، فالسلطة بدورها تسعى إلى تطوير المجتمع ، من خلال إنتاج شكل جديد من أشكال العلاقات الاجتماعية ، استناداً إلى حتمية استصدار القوانين الناظمة لحركة المجتمع ، مما يؤدي بالضرورة إلى تطور العلائق الاجتماعية ، وظهور أنماط مجتمعية جديدة ، تبعاً لتطور تلكم القوانين الناظمة .
أمّا فيما يخص شكل السلطة التي يفرزها المجتمع ، فهذا يتوقف على منسوب الوعي المجتمعي ، ودرجة الثقافة ، والمُنتج الفكري ، والمرحلة التاريخية ، والمفاهيم العامة ، والمؤثرات الخارجية ، إذ تتشارك جميعها في إفراز تلك السطة ، وبمستويات وأشكال مختلفة ، فنجد أن المجتمعات الدينية تسند السلطات المطلقة للمُقدس الديني ، بينما تسند المجتمعات الموسومة بالتعصب القومي سلطتها إلى المُقدس القومي ، بينما تتكفل المجتمعات الليبرالية بتصعيد نخبتها التي تتحدث عن مفاهيم الحرية والعدالة والديمقراطية . وحقوق الإنسان ، وحماية البيئة وما شابه . وقد شهدنا في القرنين الماضيين مجموعة من أنماط السلطة ، تكفّل بعضها بإشعال الثورات هنا وهناك ،على خلفية ممارسة القمع السلطوي ، بينما استطاع بعضها زرع بذور الاستقرار الاجتماعي ، وشهدنا أيضاً نمطاً متأرجحاً بين هذا وذاك ، فقد شهدنا أنظمة توتاليتارية سحقت مجتمعاتها بلا أدنى مراعاة للضمير الإنساني ، والأمثلة عديدة ، بينما بادرت قوى سلطوية أخرى إلى كتابة العقود الاجتماعية بينها وبين مواطنيها ، عبر مؤسسات اتسمت بالنزاهة والشفافية ، وحققت لنفسها ولمجتمعاتها التطور والازدهار ، وأيضاً الأمثلة عديدة ، بينما كانت هناك فئة من المجتمعات الخائفة والمترددة ، والتي لم تستطع التخلص من إرثها ، وبقيت مرهونة لعقائدها ، خائفة ، مترددة ، تخطو بإحدى قدميها إلى الأمام ، وبالثانية إلى الوراء .
ولكن , وبالعودة إلى مفهوم السلطة ، يتبادر سؤال إلى ذهن المتأمل حول ما إذا كانت السلطة فعلا يجب أن تتسم بالقوة ، حتى تكون سلطة ؟. أمّا أنه والحال هذه فهي تستمد قوتها من قوة المجتمع ؟. وماذا إذا كانت هذه السلطة تتحول بمجملها إلى قوة ساخطة على المجتمع الذي لم ينتجها أصلاً ؟. وغالباً ما يتحكم هذا النموذج من السلطة ، عن طريق الاستحواذ بمفاتيح الحكم ، المتمثلة بالثروة والسلاح ، إذ يتم السطو عليهما في غفلة من التاريخ ، ويمكن القول آنئذٍ بأن هذه السلطة هي التي أنتجت نفسها ،  ولم تُنتج بإرادة المجتمع ، وهنا تكمن الإشكالية الحقيقية بين المجتمع والسلطة .
في حقيقة الأمر ، يمكن التأسيس على هذه المقدمة ، في تحريك دفة النقاش باتجاه نموذج جديد من نماذج السلطة ، مستنبط من فرضية أن قاع المجتمع يحتاج إلى تثوير ، وهو ــ أي قاع المجتمع ــ يمتلك كمّاً هائلاً من الطاقات الخلاّقة ، تستطيع قيادة المجتمع ، لو أُتيحت لها الفرصة . هذا النموذج يروّج لنفسه على أنه سلطة حداثوية ترتكز إلى اعتناق مبدأ " دمقرطة الجموع " ، بمعنى أن القاع المجتمعي يستطيع أن يتعلم الديمقراطية ، ويمارسها ، ويبرع فيها ، ثم يستنسخها ، وبالتالي يعممها على الأمة ، فتصبح بذلك الأمة المغبونة والمسلوبة والممزقة ، أمة ديمقراطية ، وبإمكانها أن تصدّر هذا النموذج إلى الأمم الأخرى ، وتتشكل في المحصلة مجموعة من الأمم الديمقراطية ، متجاورة ومتناسقة ، تحكمها جميعاً سلطات ديمقراطية مستجلبة من القاع .
 الحديث عن هذه الرؤية الطوباوية ليست على سبيل الفكاهة ، وإنما يتم تداولها بشكل جاد على أنها ملحمة العصر الكبرى ، ويتم تطبيقها وبخطى متلاحقة على أرض كوردستان سوريا ، بالحديد والنار ، حيث تنادت شرائح اجتماعية كانت معروفة بولائها وارتباطها بأجهزة الأمن في سوريا ، وتم تزويدها بالمال والسلاح ، لتكون تلك السلطة التي تحدثنا عنها آنفاً . مما أدى إلى تغريب النُخب السياسية والثقافية ، والكوادر التكنوقراط ، وشريحة الشباب ، طبقاً للأوامر الجائرة التي اصدرتها سلطة أصطُلح على تسميتها " سلطة الأمر الواقع " . ومنها وعلى سبيل المثال وليس الحصر : التجنيد الإجباري للشباب والشابات ، أدلجة المناهج الدراسية ، فرض الأتاوات ، ناهيك عن عمليات الاعتقال التعسفي ، والنفي ، والخطف ، والاغتيال . والقائمة تطول وتطول .
هولير ــ 28 / 11 / 2015  






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19964