من الإسلام إلى التعريب - الجزء الأخير
التاريخ: الثلاثاء 06 تشرين الاول 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

   تتصارع الدول والقوى الإقليمية على جغرافية المنطقة، لاستعمارها بطرق عصرية، يريدون إعادة التاريخ الغابر، وترسيخ ثقافة القبائل العربية الإسلامية بأساليب مختلفة، وفي مقدمتهم دول الخليج وإيران وتركيا، جميعهم يسخرون الإسلام، وبين يدي كل طرف مذهبه، يستخدمها بطريقته وأدواته لتتلاءم والعصر، فالتكتيك الحديث للاحتلال تبين على أنهم وفي لا شعورهم السياسي والفكري مقتنعون بأن هذه المناطق ليست عربية، تحولت وتحت سياقات دينية ولغوية وتاريخية إلى دول عربية، وهي وطن الجميع إذا ألغيت منها التغيرات الماضية ونظر إليها كواقع حاضر جاري، وعزل عنها أبعاد انتماءها القسري إلى الوطن العربي.


   شمال أفريقيا أسطع مثال على سطوة العرب على أبناء المنطقة، وتسليط مصطلح الوطن العربي عليه، دون الإحساس بالإجحاف المفتعل بحق شعوبها الأصليين كالأمازيغ والطوارق والقبط وغيرهم، أو أي شعور بأنهم أظهروا الإسلام بأبشع الصور والمفاهيم، وهي أسوء من محاولات المستعمر الفرنسي عندما حاول فرنسة الجزائر. ولم تختلف ما حدث في سوريا الكبرى عنها، وكذلك مناطق الكرد، فالطبري وغيره وأبن خلدون لاحقا، يؤكدون على أن الكرد كان لهم وجود ديمغرافي مكثف في فترة الاجتياح العربي الإسلامي، على شمال الخليج ومدينة البصرة والمناطق المحيطة بها، ففي حادثة يذكرها الطبري من عهد علي أبن أبي طالب يذكر (أنه عندما دخل معقل بن قيس بأمر من علي أبن طالب البصرة، " شرخوا سبعين عربيا وقتلوا نحو ثلاثمائة من العلوج والأكراد") فالعرب كانوا قد مرقوا من الإسلام، والعلوج منعوا من دفع الخراج، واحتموا بالكرد هناك. ويؤكد أبن خلدون على دفاع الكرد عن المنطقة والتي هي دلالة أنهم كانوا أصحابها، بقوله الوارد في كتابه التاريخ لأبد خلدون الصفحة 561(... أجتمع ببيروذ بين نهري تيري ومنادر من أهل الأهواز جموع من الأعاجم أعظمهم من الأكراد، وكان عمر قد عهد إلى أبي موسى أن يسير إلى أقصى تخوم البصرة... فجاء إلى بيروذ وقاتل تلك الجموع قتالا شديداً وقتل المهاجر بن زياد...فاستخلف أبو موسى عليهم أخاه الربيع بن زياد....) ويقول في نفس الصفحة أن عمر بن الخطاب. (...بعث عليهم سلمة بن قيس الأشجعي.... فلقوا عدواً من الأكراد المشركين فدعوهم إلى الإسلام أو الجزية، فأبوا وقاتلوهم وهزموهم وقتلوا وسبوا وقسموا الغنائم....)  مثل هذه الحوادث مليئة بها صفحات تاريخ القبائل العربية الإسلامية، فمن حينها وحتى الجاري فترة كافية لترسيخ الاستعمار الإسلامي –العربي وتشويه جغرافية المنطقة وتغيير ديمغرافية شعوبها، والتي سهلت للأنظمة العروبية تمرير مخططاتها في العصر الحاضر.
   رسخت الدول العربية والإقليمية الإسلامية، منطق الاستعمار، ألغوا معظم مفاهيم الدين حول المساواة بين الشعوب، يتكالبون على قوانين السيد والموالي، والاستعمار الكلاسيكي، وبأساليب ملتوية، وبشعارات أخبث من أن تدحض بسهولة، وبها فتحوا الدروب لأي قوي احتلال المناطق واحتوائها، وهي من المنافذ التي تمر من خلالها الأن الدول الكبرى لتغيير وجوه سيطرتها على المنطقة. 
وما يجري الأن من إلغاء الأخر، وابتذال الشعوب، تحت غطاء الوطنية، طفرة جديدة، تنميها القوى العروبية الإسلامية، وهو الوجه العصري لإعادة تركيب المخلفات الثقافية والسياسية المتراكمة من استعمار القبائل العربية الجاهلية الغازية تحت غطاء الجهاد في سبيل الإسلام، والتي ورثتها الأحزاب العنصرية والسلطات الشمولية، مخلفات الاستعمارين الخارجي، العثماني والأوروبي، والشعوب اليوم تدفع ثمن تلك الأوبئة، ويحاولون تطبيعها ثانية بمصطلح الوطن، حيث العروبة والإسلام، أي الوطن العربي، والعالم الإسلامي. وعليه نطالب شعوب هذه المناطق وفي هذا الواقع المذري، المساهمة مع القوى الرافضة تغيير النظام بكليته، ومنها الثقافة السائدة، وإزالة الطابع العروبي عنها، وإلغاء مصطلح الوطن العربي، والإسلام بدون عالمه، وخلق نظام ديمقراطي يكون للجميع حق العيش بالسلام والمساواة. 
   لا شك أنه طرح ثقيل، وقد يكون غير منطقي للبعض، لكنه ليس بأكبر من مخططات الدول الإقليمية الاستعمارية، والتي مارست وتمارس مؤامرة الإسلام السياسي لتغطية الأبعاد العنصرية، كالأحزاب العروبية-الإسلامية في تعريب الدول بمصطلحهم، الذين غضوا الطرف عن نتائجها الكارثية.
 أتبعت بعض الشعوب الأخرى التي أسلمت، الإسلام السياسي بأساليب القبائل العربي للسيطرة، كالعثمانيين الأتراك، والذين كانوا مثلهم قبائل بربرية بدوية لا تعرف من الحضارة شيئاً، واستندوا مثلهم عن منطق الغزوات، ورفعوا عنهم راية الإسلام، استخدموها للسيطرة والطغي، وبعد أفول نجمهم ظهر أتاتورك بمخططه التتريكي الذي سمى الجغرافية باسم تركيا لتطبيع مناطق الشعوب فيها وبشكل خاص جغرافية الكرد، والتي اشتغلت عليها جميع الحكومات التركية اللاحقة لأتاتورك وكادت أن تنجح، لولا النهوض الكردي الثقافي والسياسي. 
   السياسة نفسها استخدمتها فرنسا في الجزائر، وفيما بعد الشريحة العروبية- الإسلامية التي حكمت بعدهم ومعهم المستعربون من الأمازيغ، عند تعريب شمال أفريقيا، وتغيير ديمغرافية وثقافة الأمازيغ والبربر والطوارق، ولذلك فطرق نضال وشعارات المنظمات الأمازيغية القومية تختلف عن أساليب الحركة القومية الكردستانية، فهم يطالبون بعودة الشعب الأمازيغي المستعرب إلى أصلهم الأمازيغي، والتحرر من الاستعمار الثقافي قبل الاستيطاني، ولا يطالبون بإخراج المحتل، فالعرب المحتلون اقليه بالنسبة للشعب الأمازيغي المستعرب، فأكثر من 80% من شعب شمال أفريقيا حالياً، في الواقع، ليسوا عرب، فقط حكامهم وبعض القبائل المهاجرة إلى هناك مع الاجتياح الإسلامي، حكموا وعربوا المنطقة عن طريق لغة الإسلام- القرآن، ولم يكونوا بتلك النسبة ليغيروا في ديمغرافية المنطقة بدون تغيير لغة الشعب ذاته.
   وللمقارنة، لم يطبق شاه إيران طريقة فرنسا ولا تركيا ولا العرب للقضاء على شعوب إيران ومن ضمنهم الكرد، بل قام بتغيير اسم الإمبراطورية الفارسية إلى إيران لغايتين: الأولى استمرارية شاهنشاهيته، أي ملك ملوك الشعوب، ومن بينهم الكرد، وأبقى أسم كردستان على جغرافية ضيقة من جغرافية كردستان الحقيقية، والسبب الثاني، ليبين للدول الكبرى التي كانت تستعمر إيران بأنه ديمقراطي وحضاري ويتعامل مع شعوب دولته بطرق ديمقراطية، وبها حصل على مساعدة ومساندة الدول الكبرى للقضاء على كل حركة قومية تحررية في ايران، ومن ضمنها القضاء على جمهوريتي مهاباد الكردية والأذربيجانية.
 ثورات الشرق رفعت شعار إسقاط النظام، وتشمل طغيان الفكر العروبي-الإسلامي القومي، وسيادة الشريعة الإسلامي على الدستور، وتحرير مؤسسات الدولة عنهما، ولا يعني هذا ألغاء الكيان العربي، بعد أن أصبح واقعا، بل المساواة في التعامل ضمن هذه الجغرافيات، باللامركزية، وقبول الآخر، والعنصر العربي هنا مثله مثل الأخرين، لا أفضلية عن طريق الأكثرية أو التمسك بالبعد الإسلامي. ومطلوب من المعارضة الوطنية، تقبل الشعار والتمسك به وتطبيقه في نداءاتها وأدبياتها، ليتبين التمييز بينها وبين السلطات الشمولية السابقة والأحزاب العروبية، كالبعث والإخوان المسلمون العروبيون، والمعارضة الانتهازية، المتعاملة مع الدول الإقليمية، وللتمكن من إسناد الثورة والتلاؤم مع الشباب الثوري، الغائب عن الساحة حالياً جراء سيطرة الانتهازيين، والقوى الاستعمارية العروبية القومية والإسلام السياسي. 
 فالثورة كانت لها بعدين، الصراع ما بين ناهجي الاستعمارين الإسلامي السياسي -العروبي، والشعوب الراغبة بالتحرر منهما، وعزل الدين كبعد روحي عن السياسة. وعلى الأغلب، نكوص العرب والمسلمون العروبيون، في الفترة الحاضرة على ذاتهم ضمن المنطقة المسماة جدلاً بالوطن العربي، ودفاعهم المستميت عن الإسلام السياسي كموروثهم، دون الأخرين، وتقديس لغتهم مع إلغاء لغات الشعوب الأصلية، ما هو إلا ردة فعل على ضعف حجتهم أمام الواقع الحضاري الذي لا قدرة لهم على مواجهتها بالمنطق والحجة العقلية، وهي دلالة بداية انحسار الاستعمار العربي والإسلام السياسي العروبي، فلا طريق غير العمل معا وتقبل البعض دون عنجهية السيادة والموالي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
25-8-2015
نشرت في جريدة بينوسا نو العدد(41) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19743