بشار أمين
هناك شبه إجماع بين مختلف
الأطراف السياسية الإقليمية منها والدولية على أن الحسم العسكري للأزمة السورية بات
صعباً ، بمعنى غير ممكن أن تنهي المعارضة النظام أو تسقطه بالقوة ، وهكذا بالنسبة
للنظام لا يمكنه إنهاء المعارضة المسلحة بقوة السلاح ، وأن ليس هناك أمام الطرفين
سوى خيار واحد هو الحل السياسي وعبر التفاوض بين المعارضة الوطنية والنظام السوري ،
كما أن هناك نوع من التوافق أيضاً بين مختلف الأطراف على بنود وثيقة جنيف 1 في حين
أن هذه الوثيقة مبهمة غير واضحة في القضايا الجوهرية ، لأنها فقط اعتمدت الحكم
الانتقالي أساسا في الحل دون أي ذكر لمصير الرئيس السوري وركائزه الأمنية والعسكرية
، الأمر الذي ترك التباساً في المسألة ، لأن المعارضة تفسر ذلك على أن النظام
مستبعد من العملية بكل رموزه وطبيعته ، بينما النظام يفسر ذات الوثيقة على أن الحل
لا يعني سوى أنه موجود وبيده زمام الأمور وما على الآخرين (المعارضة ) سوى أن
يتقدموا بطلباتهم وهو من يبت فيها ويقر بالاستجابة لها أو لبعضها ويرفض ويقر ما شاء
، وأن الحكم الانتقالي المذكور في الوثيقة سيكون لصالحه لأنه لا يعبأ بما قيل وما
نص فهو من يعمل كما تقتضي مصالحه وهكذا ..
وإذا كانت الوثيقة تلك لا تشكل حلاً ، فهذا يعني أن الشروط المناسبة للحل السياسي
لم تتحقق بعد ، فالملاحظ وكأن المجتمع الدولي يرى بأن المعارك التي تدور رحاها في
سوريا هي بين قوى متماثلة في الطرح والممارسة ، يتركها لتتآكل ولاسيما النظام
والتطرف الديني والاتجاهات القومية المتزمتة ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فهناك
قضايا عائقة منها محلية داخلية وفي المقدمة منها غياب البديل الأنسب للنظام بسبب
انقسام المعارضة على نفسها مما سهل للنظام اختراق صفوفها ، وأخرى إقليمية كدور
إيران في الأزمة وما ينبغي فعله للحد من ابتزازها ولاسيما مسألة تخصيب اليورانيوم
التي تم التوافق عليها في فيينا يوم الثلاثاء 14 / 7 / 2015 بين الدول الخمسة دائمة
العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا ، هذا إلى جانب التباينات في الرأي والموقف على
الجانبين الدولي والإقليمي ، فالدول العظمى وخصوصا المذكورة منها لم تحقق التوافق
فيما بينها على الحل الأمثل ، وهكذا بين الجانب الدولي والإقليمي ، فهناك من يعطي
الأولوية لمكافحة الإرهاب ويرى بأنه الوباء المنتشر يجب بتره واستئصاله ، وهناك من
يرى بأن النظام هو السبب الأساسي في ظهور هذه المجاميع الإرهابية لذا ينبغي إنهاء
النظام - برأيهم – ليسهل لهم القضاء على الإرهاب والانتقال إلى المعالجة السليمة
للوضع .
هذا و أن المساعي الدبلوماسية لم تتوقف بشأن الحل السياسي المنشود ،
فالمبعوث الدولي والعربي السيد الأخضر الإبراهيمي قد أدى دوره ولاشك أنه كان يعلم
مسبقا أنه لا يستطيع تحقيق الحلول السلمية المرسومة ، وهكذا بالنسبة للمبعوث الدولي
والعربي الآخر السيد ستيفان ديمستورا هو الآخر يعلم يقينا أنه لا يستطيع تقديم
الحلول المطلوبة ومع ذلك فإنه مستمر في عمله بغية أداء الدور المطلوب ، مع فارق
بسيط بين دوريهما في الاستمالة إلى هذا الطرف أو ذاك ، وبصرف النظر عن طريقة
تعاملهما المختلفة مع الوقائع والأحداث ، والسبل والأساليب التي اتبعت ، والتي
أثارت أحيانا الشكوك في مصداقية هذا أو ذاك ، وبدا وكأنه سيان لأن الأول نفذ ما كان
مرسوما له والآخر كذلك .
وعليه فقد انعقدت المؤتمرات وحصلت لقاءات ومحافل كثيرة
، في تركيا وقطر وتونس والقاهرة وباريس وجنيف وو..الخ ، لكن دون جدوى ، لأن النظام
لا يقبل عنه بديلا ، والمعارضة لا يمكن لها القبول بالعودة إلى ما كانت عليها
الأمور قبل منتصف آذار 2011 ، وأن خيار الحسم العسكري كما ذكر أعلاه هو الآخر حتى
الآن لم يحقق النتيجة المرجوة لأي من الطرفين ، والحل السياسي عبر الحوار والتفاوض
لم يتم حتى الآن وهو يكمن في أمرين أساسيين برأيي إما أن يفرض أحدهما شروطه بالقوة
على الآخر ( أي حتى الحل السياسي يقتضي القوة ) وإما أن تتوصل الأطراف المعنية
وأقصد هنا الدول العظمى ومعها بعض الدول الإقليمية إلى توافق واضح لحل سياسي لأزمة
البلاد .
إن الوضع في سوريا معقد للغاية ، فهناك التداخل بين مختلف القوى ،
وهناك التشابك بينها أيضا ، قوة تحارب أخرى اليوم وتقف إلى جانبها في وقت آخر ،
وهكذا بالنسبة للمواقف السياسية بين المعارضة السورية وخصوصا الائتلاف الوطني لقوى
الثورة والمعارضة الوطنية وشخصياتها ، حيث الملاحظ غياب التجانس بين شخصياتها
وكتلها ومكوناتها ، كما أن الانقسامات تترك آثارها السلبية على الأرض ، وعدم
التفاهم أو عدم تفهم كل منهم للآخر ولواقعه ومعاناته يضيع الكثير من الفرص ،
وبالتالي يحل الخصام محل التفاهم والوفاق ، وتنعكس على أرض الواقع ، كل هذا ناهيك
عما يتم تفاعله نحو تقسيم البلاد كأمر واقع بسبب تلك الخلافات وهيمنة أطراف متسللة
على ناصية القرار مما جعل الوضع يتفاقم أكثر فأكثر .