ممالك الاستبداد ومسالك الاستنباط (عندما يرغب البعض وأد الحلم)
التاريخ: الثلاثاء 18 اب 2015
الموضوع: اخبار



شيركوه حسن

يقول عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد:
إنّ المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور, وأنّ تراكم الثروات المفرطة، مولِّد للاستبداد، ومضر بأخلاق الأفراد, وأنّ الاستبداد أصل لكل فساد.
كما أنّ الحكومة المستبدة تكون مستبدة في كلّ فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفرّاش، إلى كنّاس الشوارع ،لأنّهم أنّما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنّهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وبهذا يأتمنهم المستبد ويأتمنونه فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلّما كان المستبد حريصاً على التعسف احتاج إلى زيادة جيش الممجدين العاملين له المحافظين عليه، واحتاج إلى مزيد من الدقة في اتخاذهم من أسفل  الطبقات الذين لا أثر عندهم لدين أو لذمة، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة, وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفةً وقرباً.     


 أما الفيلسوف والاقتصادي النمساوي "فريدريك فون هايك " فيحذر في كتابه "الطريق إلى العبودية" من خطر الطغيان الذي ينتج لا محالة من السيطرة على صنع القرار الاقتصادي عن طريق التخطيط المركزي، وينبه إلى أنّ التخلي عن الفردية والليبرالية الكلاسيكية والحرية سيقود لا محالة إلى القمع الاشتراكي أو الفاشي وإلى الاستبداد وإلى عبودية الفرد.
 إذاً الاستبداد ثقافة تنتجها السلطة أو المؤسسة أيّاً كانت شكلها أو مسماها, تبدأ بتنازل الفرد والمجتمع عن حقوقه البسيطة لصالح المستبد, فيتحول بالنتيجة وبشكل تدريجي إلى فاسد حسب الكواكبي, أو عبد حسب فون هايك.
 وبمقاربة بسيطة لما يجري من حولنا من أحداث ومتغيرات وما يمارس من أفعال وما يساق من مبررات, نجدها تأتي في ذات السياق وإن كانت بمسميات مختلفة مزينة بمساحيق الحرية والديمقراطية والتحرر, ألا أنّها تبقى مساحيق تقليدية لا تفي بالغرض ولا تخفي عورة مستخدميها, على الصعيد العام نجد أنّ الكثير ممن كانوا قادة ثورات ضد الطغيان والاستبداد والظلم, بمجرد وصولهم إلى السلطة تحولوا إلى طغاة ومستبدين وفاشيين وحتى نازيين وصفحات التاريخ تعج بهم.
أمّا في المحيط الشرق الأوسطي وما يترافق من أحداث ومتغيرات وحركات تمرد على الأنظمة القائمة ومترافقات ثورات التحرر الشعبية, بدءاً من الحالة التونسية وليس انتهاءً بالحالة السورية مروراً بكل الحالات الأخرى, لا يمكن بأي شكل من الأشكال ووفق المعطيات الموجودة والسلوكيات الممارسة الناتجة عن ثقافة الاستبداد المتجذرة أن ينتج عنها نظم ديمقراطية عادلة يتمتع فيه فيها السواد الأعظم من الشعب بمختلف فئاته بالحرية والمساواة, صحيح أنّ النظم الحاكمة في المنطقة كانت ولازالت مستبدة وظالمة وأنّ من أهم مسببات حالة التمرد هي غيّها في الجور والطغيان وصحيح أنّ معظم الحركات القائدة للتمرد أو الثورات سمِّها ما تشاء أن لم تكن جميعها تركب موجة الديمقراطية وتتستر تحت عباءة العدالة والمساواة, فهي تكمن في خباياها الاستبداد ثقافة وممارسة ,فالشواهد جميعها تؤكّد ما نقول والأمثلة كثيرة " العراق – مصر مرسي أو السيسي, فالحالتان سواء في الممارسة- ليبيا – اليمن – تونس - سوريا ", مع تباينات طفيفة بين كل حالة وحالة, هذا بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها كسلوك وممارسة, إنّما نشخص الواقع كما هو انطلاقاً من قناعتنا, إنّ  التشخيص الصحيح والسليم للواقع إنّما يساعد على الحل أو البحث عن البدائل بشكل أو بأخر وإنّ من يجانب الحقيقة إنّما يساهم في تكريس الاستبداد وخاصة المتنورين والنخب وهي مهمتهم في المجتمع.
 أمّا في الحالة الكردستانية وإذا أخذنا النموذج العراقي نلاحظ: أنّ معظم قادة الأحزاب الكردستانية إن لم يكن جميعهم, إنّما كانوا قادة حركة التحرر الكردستانية, مارسوا الحياة الثورية لعقود وناضلوا في سبيل الحرية كانت أولى أهدافهم الديمقراطية ورفع الغبن والظلم ومقارعة الاستبداد, لكن نراهم بمجرد وصولهم إلى السلطة انحرفوا عن أهدافهم تلك أو انقلبوا عليها ليتحولوا إلى ممارسي الاستبداد كل حسب إمكاناته ونفوذه, فقيادة كوران, التي انقلبت على الاتحاد الوطني بزعامة مام جلال الطالباني في غمرة الصراع على السلطة, إنّما انقلبت على قيم الديمقراطية في رحلة انحرافها باتجاه الاستبداد ومن ثمّ نراهما يتحالفان من بعد ذلك ضد الديمقراطي الكردستاني لينقلبوا من جديد على ذلك الهدف الذي ضحوا بالكثير لأجله ,ومن ثمّ على الأخير وزعيمه الرئيس البارزاني في مسألة رئاسة الإقليم, متجاوزين بذلك أبسط قيم الممارسة الديمقراطية, كون الديمقراطي ووفق القاعدة البسيطة للديمقراطية وتعريفاتها, يمتلك حوالي نصف مقاعد البرلمان بعد نتائج الانتخابات الأخيرة, في حين لا يتجاوز عدد مقاعد الحزبين المذكورين معاً ما يمتلكه الحزب الديمقراطي وبالتالي نسبة تمثيله للمجتمع الكردستاني كبيرة وفق الأعراف الديمقراطية المعمول بها في العالم المتمدن, رغم أنّ هذه الحركة تجري تحت يافطات وعناوين التغيير ومحاولة لبسها وتزيينها بمساحيق المنتج "الديمقراطي", وذلك في غمرة تحالفهم مع أحزاب ذات التوجه الاسلاموي والتي هي أصلاً من مخلفات القمع والاستبداد ثقافة وممارسة, يجري كل هذا في ظل ظروف سياسية واقتصادية وعسكرية بالغة التعقيد يمرُّ بها الإقليم, فالحصار الاقتصادي الخانق وكذلك الحرب المفروضة عليه من قبل "الدواعش", إضافة إلى الخلافات السياسية مع بغداد, رغم قناعة وإقرار اغلب الأطراف المنقلبة على مبادئها بأنّه لا بديل عن البارزاني الذي يتمتع بشعبية واسعة لقيادة هذه المرحلة, لكنهم رغم ذلك يصرون على مطلبهم والتي تأتي لغايات وحسابات شخصية منطلقة من قاعدة الاستبداد وفرض الإرادات, مع العلم أنّ النظام الممارس في الإقليم هو أفضل النماذج الديمقراطية الممارسة في المنطقة ككل والمتوافق مع طبيعة كردستان وتركيبته الاجتماعية في هذه المرحلة وهم خير من يعلم ذلك, إلا أنّ تحركهم هذا يأتي إضافة إلى ما ذكر بفعل دوافع ومحفزات خارجية قادمة من عواصم الاقليم المجاور ولا علاقة لها بمصالح شعب كردستان وأهدافه, لا بل لها علاقة بطبيعة الصراع ذات البعد الطائفي الدائر في المنطقة ككل ممزوجة بنزعات الاستبداد الكامنة والمتجذرة في النفوس الطامحة إلى السلطة, نابعة من إرادة فرض رأي الأقلية على الأكثرية كونها عجزت عن تحقيق تمثيل الأكثرية بالممارسة الديمقراطية.
أمّا في الحالة السورية عامة والحالة الكردية السورية على وجه الخصوص فحدث ولا حرج, فالنظام مستبد وغارق في الجور الطغيان وكذلك المعارضات الخارجة من كنفه بمختلف أشكالها ومشاربها الإسلاموية والعلمانية, فممارساتها وأفعالها خير  دليل على منهجها, فهي تمارس الاستبداد والإقصاء وعدم تقبل الأخر المخالف والمختلف وان كانت جميعها مختبئة تحت عباءات مزركشة بمصطلحات فردوسية ومزينة بمساحيق خادعة يسيل لها لعاب الباحث عن النعيم, أمّا السواد الأعظم المولود في حواضن الاستبداد وجمهوريات الرعب فلا يتعدى كونه وقوداً لنيران محرقة أعدت لحرقه بمسميات ومصطلحات مختلفة, هو في غالبيته الساحقة لا يدرك معناها ولا حتى مبتغاها منقسم على هذا الاتجاه أو ذاك على قاعدة الولاء المتوارث في اللاشعور النابع من اللا إدراك لما يجري من حوله, وفي الحالة الكردية وحركته "التحررية" لا يختلف الوضع كثيراً, فهي لا تتعدى كونها جزءاً من الكل, فالمجلسان يمارسان الاستبداد والإقصاء ضد بعضهما البعض وكذلك الحال ضمن كل مجلس فتلك الممارسات الاقصائية أو الاستبدادية هي سيدة الموقف على قاعدة "الأكبر والأصغر", ووفق النفوذ والامتداد, أمّا داخل كل حزب أو تشكيل, فلا يختلف الوضع كثيراً لا بل أحياناً تكون الممارسات أكثر تعسفاً, فهي تنقسم في داخلها إلى شعوب وقبائل على قاعدة الولاء والامتياز, أما الخارج عن هذه القاعدة الحتمية فمصيره اللفظ وان طال أمده تحت تصريف "المشاكس" والخارج على العرف العام لمفهوم المستبد الصغير, فالكبير, وخاصة المتنورين والنخب المثقفة, في غمرة الصراع بين السياسي المثقف التنويري والحزبي المنتهج لثقافة الاستبداد دون إدراك, المتّبع لسياسة القطيع و"ألأي مع", إضافة إلى ذلك المنخدع بالشعارات الرنانة والخطب الطنانة لمسترزقي السياسة, فيكون الخاسر الأكبر من وجود هكذا منتج في ظل هكذا ظرف الشعب المغلوب على أمره, المغرر به ومن ضمنه لا بل في مقدمته ذلك المستبد الصغير القابع في أسفل الهرم والمختبئ خلف ألف قناع وقناع البائع لذاته والفاقد لعذريته, مثله مثل تلك الغانية الممارسة للبغاء في ظلمة الليل الباحثة عن مفترسها والمتيقنة في لحظة تيه وضياع إنها باحثة عن فريستها, تلك التي لا تستمتع حتى ببغيها لأنّها خسرت جسدها قبل كل شي, لا بل تلك الخاسرة لكل ما تملك. 
وفي الختام لابد أن نقول: سيبقى الصراع مفتوحاً بين الأضداد أبدَ الدهر, " العبودية والحرية, الحق والباطل, الظلم والعدل, التمييز والمساواة,...... الخ" كل يكسب جولته وفق ظروف معينة, فلا انتصار نهائي لطرف على طرف, أنّها من سنن وقوانين الطبيعة لنستدرك من الخلال الضد على مزايا ومساوئ النقيض, إذ كيف لنا أن نعرف الحق لولا وجود الباطل, كذلك كل الأضداد, ألا أنّ قيمة الفرد تبقى مرتبطة بمدى امتلاكه لمكارم الأخلاق ونقيضه ومدى استيعابه واستدراكه لهما فهي مبتغى كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية وخطا الفلاسفة عشرات لا بل مئات المخطوطات للتعريف بها وهي الأصل وفي سبيلها ينشئ كل صراع.  






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19566