اشكالية العلاقة بين المثقف والسياسي الكوردي السوري
التاريخ: الأثنين 06 تموز 2015
الموضوع: اخبار



اكرم حسين 

لعب المثقفون الغربيون دورا مهما في انتاج ثقافة الدولة والمؤسسات وتوطيدهما ، بينما في مجتمعاتنا الشرق اوسطية كانت الدولة/الاحزاب  مصدرا رئيسا في "انتاج "المثقفين الذين ارتبطوا بها وتماهوا معها، مما ادى الى عدم امكانية القول عن مثقف مستقل وفاعل وتحول ديمقراطي في مجتمعاتنا الكوردية بالمعنى الذي نتحدث فيه عن فولتير او سارتر او اميل زولا او حتى عن مثقف شبيه بطه حسين عندما كتب" في الشعر الجاهلي "في تصديه لمحاولات الملك تحويل مصر كمقر للخلافة بعد قيام اتاتورك بإنهائها. 


اما من تربى خارج اطار الدولة /الاحزاب، وبقي بعيدا عنهما فقد عقد بينه وبين نفسه ، نوعا من التفاوض اوالمهادنة بين سلطته الرمزية كمثقف وبين السلطة/الاحزاب ، وبدا يعمل في ميادين لا علاقة  لها بالسياسة ، كحقوق الانسان او المجتمع المدني  او البيئة ، تاركا الحقل السياسي/الفكري  للفراغ ، الامر الذي ادى الى ظهور مفاهيم متعددة كالمثقف ، والسياسي ،والناشط والمناضل ، الا من اصر على البقاء كمثقف حر، وكمنتج فاعل للأفكار والمعرفة ،عبر انتاج ثقافة نقدية تطمح الى مساعدة المجتمع على التحرر والتطور، وتذليل العقبات ، وتشخيص الاخطاء ، ورسم الطريق القويم لتقدم المجتمع وتجاوز ازماته الذاتيه وعطالته البنيوية ،في استقلاله النسبي عن السياسي ،عبر ممارسة كوردوارية تعمل للكل ومن اجل الكل وفي سبيل الكل،  مجسدا حالة المثقف النقدي الكوردي المقاوم بامتياز، فالمثقفون عادة يقومون بإنتاج الافكار، ويؤثرون في تشكيل المواقف والمعتقدات العامة، ويساهمون في صنع مسار التطور الاجتماعي واحيانا يكون دورهم حاسما في رسم مالات الاحداث ، تبعا للظروف المحيطة ، ومستوى تطور القوى المنتجة وخاصة مستوى الحرية والتعددية الثقافية والسياسية التي يعيشها المجتمع. حيث يقومون بإنتاج ونشر الافكار،  ويجعلونها في متناول العامة ،في حين كان المثقف الكوردي قبل الثورة ، اما عبارة عن اداة للدعاية الحزبية والترويج لسياساته ولنظرياته العبثية ، واساليب سيطرته الايديولوجية ، تنهال عليه الهبات والعطايا وتفتح في وجهه وسائل الاعلام ؟ او متذمر، يهرب من مواجهة الوقائع الى ذاته المنغلقة ليحيط نفسه بشرنقة الابداع القاصر هربا من مواجهة الاسئلة الكبرى.
العلاقة بين المثقف الكوردي والسياسي الكوردي   
ان مجرد طرح العلاقة بين المثقف الكوردي والاحزاب السياسية الكوردية يظهر بشكل بيّن، وجود ازمة حقيقية في العلاقة بينهما ،ويتفق الطرفان في هذا القول ،لكن الاختلاف يبدأ  بتشخيص هذه الازمة ،وتحديد اسبابها والمسؤول الرئيسي عنها؟
  في ظروف مماثلة للحركة الكوردية السورية ،تبدو المشكلة بين المثقف والحركة السياسية اقل حدة وتأزما ،لان موقع المثقف يتحدد في اطار الحركة السياسية وليس خارجها، بمعنى يتموضع المثقف الكوردي في علاقته بالقوى السياسية ،كموضع القلب من الجسد ،فبدون القلب لا يمكن ان يستقيم الجسد، وبما ان الطبيعة الطبقية للمثقف والسياسي الكوردي هي هي، اي البرجوازية الصغيرة، ولان المجتمع الكوردي يعيش حالة التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي ،فان الطرفان  يقفان على نفس الارضية الفكرية ،وهوما يخفف من حدة العلاقة بينهما ، ويجعلها في ادنى حالات التنافر والمواجهة اذا اعتبرنا ان مهمة المثقف تتحدد اساسا بنقد السلطة وتعرية مكامن الخلل وحالات التأخر المجتمعي ،والتبشير في الوقت نفسه بالحرية والعدالة والتقدم ، وهوما يميز علاقة الطرفين ببعضهما كورديا ويجعلها في ابسط حالات المواجهة قياسا بالنماذج الاخرى
ان الازمة التي تتمظهر في المجتمع الكوردي بين المثقف والسياسي تأخذ نوعا من الحدة مع احد قطاعات المثقفين وهم الكتاب والادباء تحديداً، فعندما يتحدث الكتاب عن ازمة العلاقة بينهم ،وبين السياسة الكوردية ،يسجلون بداية ممارساتها اللاديمقراطية في علاقتها بالمثقفين واقصائها لهم ، وتهميشها لدورهم ،وعدم التفاتها لحاجاتهم،  واستحواذها على القرار السياسي الكوردي
ولذلك فان طرح العلاقة بين المثقف والحركة السياسية الكوردية ،على اساس مثقف وحزبي، ووجود تناقض وخلاف بينهما كورديا هو طرح خاطئ لا اساس له ، لان العلاقة بين الاثنين هي علاقة داخلية ،ترتبط بالأفكار والاتجاهات ،ووجهات النظر التي تمثلها قوى هذه الحركة فيما بينها ،لذلك لا يمكن الحديث عن وجود ازمة حقيقة بين المثقف الكوردي والحركة السياسية ولا يمكن طرح المسألة بهذا المعنى مثقف/ حركة سياسية ،لان الازمة الموجودة والتي تتمظهر في شكل تناقض ثانوي هي ،ازمة "الديمقراطية" التي تتحكم "بنمط "العلاقات داخل هذه الحركة نفسها ،وبين "اتجاهاتها" المختلفة ،وهو ما يدفعها احيانا الى الانشقاق داخل الفئة الواحدة ،او التنظيم السياسي الشمولي الذي لا يقبل الاختلاف او الرأي المغاير.
  ان الاختلاف والصراع الذي يتمظهر بين المثقف والسياسي الكوردي يأتي من زاوية رؤية كل منهما للأحداث، والموقع الذي يمثله ،وطريقة قراءته وتحليله للأحداث ،وهو ما قد يؤدي الى ظهورتناقض بينهما ،او يوحي احيانا بوجوده ، بسبب غياب "الديمقراطية "التي يفتقدها المجتمع الكوردي في صيرورته التاريخية والسياسية ،من البيت ،الى المدرسة،الى العمل ،الى الحزب ،الى المجتمع  وهذا الغياب "للديمقراطية" يفرض نفسه بقوة على الساحة السياسية الكوردية و وتتمظهر اشكالية غيابها بأشكال مختلفة التذمر، التقوقع ،الانعزال ،حملات التشويه ،النقد، وكل هذه الامور، تمظهرات لازمة المثقف والاحزاب الكوردية ،او لازمة الاحزاب في علاقتها بالمثقف الكوردي وتنكشف هذه الازمة وتزداد وضوحا وتضخما ،في مراحل الازمات والتراجعات التي تمر بها الحركة السياسية وطريقة انعكاسها المادي على وعي المثقفين وبناهم الفكرية ،ومدى انتمائهم لامتهم ،وقدرتهم وطول نفسهم على تحمل المعاناة، وبما ان المثقفون عادة ما يكونون اقرب الى المثالية والنرجسية ،والفردية ولحساسيتهم الزائدة تجاه الاحداث ، فان قدرتهم على التحمل هي اضعف واقل من قدرة السياسي الكوري ، لأنه يعمل ضمن جماعة قد توفر له في احايين كثيرة الامان والاطمئنان ،وتبعده عن الخوف والتعرض لمصير مجهول، لذلك تظهر المشكلة لدى المثقف الكوردي اكبر مما هي في الواقع ، وتؤدي في بعض الاحيان الى خروجه من واقعه المعاش ،وتجعله خارج سياقه الطبيعي ؟! كما ان الاحزاب الكوردية قد عملت في الآونة الاخيرة على الغاء دور المثقف الكوردي النقدي، وتهميشه ومحاصرة قلمه وكتاباته بدوائر الولاء والطاعة والايديولوجيا ، ودفعت الكثير من اشباه المثقفين الى التسكع والتسول على موائد السلطة وحواشيها طمعا في الحصول على مكاسب او امتيازات مادية .
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19394