الحزام الشوفيني في ذكراه الحادي والأربعين*
التاريخ: الأربعاء 24 حزيران 2015
الموضوع: اخبار



عبدالله إمام 
 

الذكــرى : 
    في الرابع والعشرين من حزيران هذا العام تمر الذكرى الحادية والأربعون لصدور القرار ذي الرقم /521/ عن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في اجتماع ترأسه الأمين القطري المساعد للحزب (رئيس لجنة الغمر). وقد تضمن القرار المذكور أوامر بالبدء بتنفيذ مشروع «الحزام الأخضر» بعد سنين من الخطوات التمهيدية على الصعد القانونية والإعلامية والأمنية.. وقد وُجِّهَت تلك الأوامر إلى عضوَين من القيادة القطرية تم تعيينهما لتنفيذ الحزام ميدانياً، وكذلك إلى لجنة شُكِّلَت لاستقبال الغمر وإلى أمين فرع الحزب في محافظة الحسكة وأعضائه ومحافظ الحسكة وقائد شرطتها وأجهزتها الأمنية المختلفة وكافة الدوائر المعنية.


التمهـيد للمشـروع:
 

على الأصعدة الأمنية والحزبية والإعلامية..
    يعود هذا المشروع بملامحه الأولى إلى الملازم أول محمد طلب هلال (رئيس الشعبة السياسية في الحسكة) الذي أصدر كراساً في بداية الستينات من القرن المنصرم (أعيد طبعه في 12/11/1963م)، بعنوان: «دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية» يتضمن جملة من التشويهات والأضاليل على أرضية شوفينية حاقدة تجاه المكون الوطني الكردي في سوريا. ويعطي هذا الكراس توصيات تتلخص في الدعوة إلى تجريد الكُرد السوريين من أراضيهم ومن جنسيتهم السورية وممارسة سياسة التعريب والتهجير والتجويع والتجهيل بحقهم، وإقامة مستوطنات على شكل الكيبوتزات الإسرائيلية..
    ثم جاء المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث الحاكم (المنعقد في أيلول عام 1966م) ليؤكد في الفقرة الخامسة من توصياته بخصوص محافظة الحسكة على «إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية – التركية وعلى امتداد 350 كم وبعمق 10 – 15 كم واعتبارها ملكاً للدولة وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة».
    وفي نشرة «المناضل» الصادرة عن مكتب الدعاية والإعلام في التوجيه القومي لحزب البعث (وهي نشرة داخلية سياسية دورية) جاء في العدد /11/ (شهر كانون الثاني 1966م – الصفحتين 12 و 13) وتحت عنوان «تقرير لخطة إنشاء مزارع حكومية في محافظة الحسكة»، ما يلي: «إن المخاطر التي واجهت وتواجه شعبنا العربي في شمال العراق، والتي خلقت من قبل الامبريالية، بدأت تهددنا أيضاً منذ بضعة أعوام أخيرة في محافظة الحسكة، أهملتها الحكومات السابقة، ولكن اليوم تحتاج إلى حل جذري سليم... إن أفراداً غير عرب، وأغلبهم أكراد، قد هاجروا إلى هذه المنطقة من تركيا والعراق وفقاً لخطة تؤيدها وتشجعها الامبريالية ولازالت.. والأكراد استوطنوا في هذه المنطقة الخصيبة والتي هم غريبون عنها... بسبب وجود الاقطاعية في المنطقة ووجود عناصر غير عربية وغالبيتهم من الأكراد والذين يحاولون جاهدين أن يؤسسوا بلداً قومياً لهم في حدودنا الشمالية بمساعدة الامبريالية، ولأن المنطقة واقعة بالقرب من الحدود التركية والعراقية المأهولة بالأكراد وهم مطلوبون للمؤامرات والجاسوسية التي تحاك ضدنا في منطقة الحدود، فمن العاجل جداً أن نتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنطقة... يمكن القول أنه إذا بقيت الأشياء كما هي فإن الهجرة الكردية ستزداد في المنطقة وستشكل خطراً على حدود أمتنا، إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية المنطقة زراعياً وصناعياً وبخاصة بعد اكتشاف البترول ..».
    وتتابع نشرة «المناضل» فتقول: «لقد اتخذت الإجراءات التالية من قبل السلطات والحزب لتنفيذ خطة الحزام:
1-    أصدر الرفيق محافظ الحسكة إنذاراً نهائياً للسكان الريفيين المزارعين والملاكين يمنعهم من أن يستثمروا الأراضي المصادرة، وبعد صدور الإنذار بدأنا بعمليات الحراثة والبذار.
2-    بدأ مكتب الأراضي المصادرة بتنظيم الأراضي المصادرة.
3-    بدأ مكتب الإصلاح الزراعي باتخاذ الإجراءات لترحيل حوالي /4000/ عائلة من منطقة الحزام إلى مناطق أخرى إلى أن تنجز العملية بنجاح. لكن من جهة أخرى فإن حوالي /25000/ نسمة داخل منطقة الحزام مسجلين عند السلطات كأجانب*، وقد فكر الحزب والحكومة في محافظة الحسكة بأن هؤلاء الأجانب يجب أن يمنعوا من السكن في منطقة الحدود، وأن الطريق الصحيح لتحقيق هذا الغرض هو إجبارهم ومنعهم من الحصول على أية وظيفة لكي يهاجروا بالتدريج إلى البلاد الأخرى خلال خمس سنوات، ويجب أن تستعمل القوة ضدهم إذا كان ذلك ضرورياً.
4-    إن الحزب ومكتب الفلاحين يحاولان أن يستخدما عناصر عربية شابة من بين الذين يؤمنون بالعرب والقومية العربية لكي يعملوا كعمال مسلحين في منطقة الحزام وحماية الزراعة..
5-    كان توجيه الحزب في الجزيرة الطلب من عدد من الرفاق الأكفاء كي يعقدوا لقاءات شعبية في القرى الكردية في مناطق الحدود لكي يسلطوا الضوء على مخاطر الامبريالية ويشرحوا ذلك للسكان، وهكذا يمكن أن نمهد الطريق لتنفيذ خطة الحزام ...».
وبخصوص المشاكل التي قد تعترض سبيل المشروع، تتضمن نشرة «المناضل» اقتراحات كالتالي:
« إن استثمار هذه الأراضي إذا استمرت في هذه الظروف الراهنة ستقود إلى مشاكل كبيرة في المستقبل لذا نقترح:
1-    يجب أن تصدر الحكومة مرسوماً جديداً يعتبر كل قرى المنطقة كأملاك دولة، وإن الدولة لها الحق باستثمارها كما تراه مناسباً.
2-    أن توضع خطة عملية وعلمية في المستقبل لاستثمار المنطقة كلها.
3-    هذه الأهداف في الخطة يجب أن تكون مبرمجة.
4-    إن التجمع العرقي للسكان يجب أن يتبدل بنقل ونفي العناصر غير العربية.
5-    إنشاء قرى نموذجية للعناصر العربية الهاجرة من قبل الدولة..
6-    المسئول الأعلى للجيش يجب أن يأمر لواء الحدود في المنطقة ليساعدوا السلطات المحلية عند الضرورة، وعلينا أن نضيف أنه على قائد اللواء أن يلبي طلباتنا ..».
    ثم جاء في الفقرة /12/ من توصيات المؤتمر القطري الخامس لحزب البعث (المنعقد في أيار عام 1977م) – وفي معرض الحديث حول محافظة الحسكة – ما يلي: «العمل على إصلاح الخلل القائم في التوزيع السكاني في القطر وبما يحقق الإنتاج الزراعي والاقتصاد والأمن القومي بشكل عام».
    وتم تدعيم تلك الخطوات التمهيدية بإطلاق الأبواق الشوفينية وبث الدعايات المغرضة ضد الشعب الكردي بهدف الطعن في أصالته ووطنيته، باعتباره «إسرائيل ثانية »، ونشر مقالات وإقامة ندوات وإلقاء محاضرات تركز على عروبة المنطقة وعلى وجود «مخططات إمبريالية» هادفة إلى زرع كيان كردي في «شمال الوطن العربي» ...الخ.
 

على الصعيد القانوني :
    وفي ترتيب قانوني مدروس تم تعديل المرسوم التشريعي ذي الرقم /193/ تاريخ 3/4/1952م (والذي كان قد رتّب إصدار المرسوم التشريعي ذي الرقم /2028/ بتاريخ 4/6/1956م حيث حدد مناطق الحدود بحيث تمتد مسافة /20/ كم بدءاً من الحدود التركية – السورية ودخولاً إلى عمق الأراضي السورية، بالإضافة إلى كامل قضائي القنيطرة وجبل الزاوية)، وقد جاء طلب التعديل بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم /75/ لعام 1964م الذي أوجب تحديد مناطق الحدود بقرار يصدر من وزير الداخلية، إلاّ أن المرسوم التشريعي ذي الرقم /136/ الصادر بتاريخ 11/11/1964م قد تجاوز ذلك فقام بنفسه بتحديد مناطق الحدود بحيث اعتبر كامل محافظة الحسكة منطقة حدودية بحيث لا يمكن «إنشاء أو نقل أو تعديل أي حق من الحقوق العينية على الأراضي الكائنة في مناطق الحدود وكذا استئجارها وتأسيس شركات أو عقد مقاولات لاستثمارها زراعياً لمدة تزيد على ثلاث سنوات وكذلك جميع عقود الشركات أو عقود الاستثمار الزراعي التي تتطلب استحضار مزارعين أو عمال أو خبراء من الأقضية أو من البلاد الأجنبية إلا برخصة مسبقة تصدر بقرار عن وزير الداخلية بناء على اقتراح وزير الزراعة والإصلاح الزراعي بعد موافقة وزير الدفاع»..، وكانت هذه الخطوة «القانونية» تسهيلاً لتطبيق ذاك المخطط الشوفيني.
 

التـطبيـق : 
    شهد النصف الثاني من ستينات القرن الماضي صدامات عنيفة بين الفلاحين الكُرد أصحاب الأراضي من جهة، وبين السلطات السورية وأجهزتها الأمنية والعسكرية من جهة ثانية، حيث لقيت فكرة نزع الأراضي من الكُرد مقاومة شديدة من جانب أصحاب الأراضي، وقد استخدمت السلطات في هذا الصدد مختلف أشكال القمع والاضطهاد. 
    واستمر تصاعد وتيرة أحداث المقاومة الكردية، واستمر بالمقابل مضي السلطة في تنفيذ المشروع، وذلك بعد انقلاب 16/11/1970م، وخاصة بعد الانتهاء من حرب تشرين عام 1973م، حيث كانت الأرضية قد تهيأت بشكل واضح لتطبيق الحزام وجلب العرب وإحلالهم محل الكُرد أصحاب الأرض الحقيقيين. فقد تم الاستيلاء بشكل كامل على مساحات واسعة من الشريط الحدودي (بطول 350 كم وعمق حتى 20 كم)، وسُلِّمَت إلى «مزارع الدولة»، كما خلق إنشاء سد الفرات الذريعة عندما غُمِرَت أراضي بعض الفلاحين العرب من محافظة الرقة..
    وفي الجانب السياسي كان للموقف الذي وقفه الحزب الشيوعي السوري بالتزام جانب السلطة ضد الفلاحين الكُرد دوراً في سهولة تنفيذ مشروع الحزام، كما أدى ضعف الحركة السياسية الكردية وتفككها إلى تشجيع السلطات على المضيّ في مخططها الاستيطاني.. وكل تلك الظروف كانت مدعومة بأوضاع دولية وإقليمية كانت آنذاك في صالح السلطات التي استعملت القوة المفرطة ومختلف الأساليب والوسائل القمعية ضد الكُرد.
    وهكذا صدر القرار المذكور (رقم 521 لعام 1974م) فتم استقدام عشرات الآلاف من المواطنين العرب من محافظتي الرقة وحلب، وُزِّعوا على أربعة وثلاثين مستوطنة، حيث منحوا أخصب الأراضي إضافة إلى قرى نموذجية، ناهيك عن الأسلحة التي مُنحت لهم، وفي مرحلة لاحقة أضيفت عشرة مستوطنات أخرى إلى الحزام المذكور في محافظة الحسكة كما تم تنفيذ هذه الخطة في عدة قرى كردية بمنطقة تل أبيض (گريسبي) بمحافظة الرقة.
 

الأهداف معروفة : 
    واليوم نستذكر ذلك الحدث الذي شكل سياسة جديدة ضمن دائرة الاضطهاد القومي الممارس تجاه المكون الكُردي في سوريا، وقد هدفت هذه السياسة إلى تعريب مناطق الكُرد بتجريدهم من أراضيهم – بعد أن تم تجريدهم من جنسيتهم السورية قبل ذلك في 5/10/1962م بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم /93/ الصادر بتاريخ 13/8/1962م – وتعريضهم إلى وضع معيشي خاص بغية إجبارهم على الهجرة من مناطقهم وأرضهم التاريخية، كسبيل إلى تغيير التركيبة الديموغرافية وإزالة الهوية القومية الكردية لتلك المناطق ذات التربة الخصبة والمياه الوفيرة والموارد المتعددة الأصناف وعلى رأسها البترول والمنتوجات الزراعية.. والوصول بالتالي إلى خلق فتنة بين المكونين القوميين الأساسيين داخل الدولة السورية لتحويل الدولة السورية إلى دولة ذات لون واحد يحكمها حزب البعث وحده ببرامجه الشوفينية والشمولية، وبذلك يتجسد مشروع «هلال» الاستيطاني.
 

المطلوب كردياً ووطنياً:
    في الذكرى الحادية والأربعين لبدء جلب المستوطنين إلى المناطق الكردية وإعطائهم أراضي الكُرد.. ومع دخولنا الربع الثاني من العام الخامس للثورة السورية، لا بد من وقفة وطنية عامة وكردية خاصة، وموقف نضالي سليم وجريء يدعو إلى رفض نتائج ذلك المشروع، وإلغائه، بإزالة كافة مترتباته، والتوافق على تصور صيغة لحل هذه القضية بما يرضي المتضررين أصحاب الأراضي التي سلبت منهم، وتعويضهم عما لَحِق بهم خلال هذه السنين من ضرر وما فاتهم من نفع.. إنها ليست قضية قومية تخصّ الكُرد فحسب، بل هي – بالإضافة إلى ذلك - قضية وطنية بامتياز، تلقي بأعبائها على كاهل كل من يدّعي الحرص على المصلحة الوطنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشر هذا المقال لي قبل 11 عاماً بعنوان (الحزام العربي في ذكراه الثلاثين) وباسمي المستعار آنذاك: (شيركو سروجي). وأعيد نشره اليوم بعد تعديله بما يوافق الوقت الراهن.
** هؤلاء «الأجانب» هم جزء من عشرات الألوف الذين شملتهم عملية التجريد من الجنسية السورية في محافظة الحسكة بتاريخ 5 تشرين الأول عام 1962م، والذين تكاثر عددهم ليصل إلى أكثر من ربع مليون «أجنبي» وحوالي سبعين ألفاً مكتوم القيد.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19341