لماذا أمريكا قتلت
التاريخ: الأثنين 18 ايار 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس 

  عرضت إدارة براك أوباما تبريرات عديدة عندما سحبت جيوشها من المناطق الساخنة، وتطبيق الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بمرونة وحنكة دبلوماسية مغايرة لأساليب الحزب الجمهوري، وهي من النقاط الساخنة التي يختلفون عليها في السياسة الخارجية. حاول الديمقراطيون كسب رأي عامة الأمريكيين إلى جانبهم، عندما تزايدت خسائرهم البشرية في العراق وأفغانستان. رافقت تصريحات أوباما الأولى، فقرة مهمة لم ينتبه إليها الأغلبية من الناس، وهي: أنه سيعوض عن غياب الجيش بعمليات كوماندوس خاصة، عندما تتعرض مصالح أمريكا أو مصالح أصدقائها لخطر ما. 


وفي منطقة الشرق الأوسط، وبعد انسحابهم من العراق، بقيت الأبواب مفتوحة، بشكل رسمي أو عن طريق ارضاخات دبلوماسية مسبقة، رغم ما ظهر في الإعلام العراقي، الرسمي والخاص، بأنهم ضد الوجود الأمريكي. وقد تبين لاحقاً أن أكثرهم اعتراضا (كالسيد بني صدر) حصلوا على المليارات، عند الاعتراض أو السكوت، وهي نفس المليارات المحصولة من النفط العراقي.
استناداً على ذلك البند، قام الجيش الأمريكي بعمليات كوماندوس في عدة مناطق، ضمن سوريا والعراق، فشلت في بعضها، ولم تصرح عن بعضها الأخر، وكانت ناجحة في الأخيرة، شرقي مدينة دير الزور، في حقل العمر للغاز والنفط. أعلنتها إدارة أوباما وبفخر، صدرت تصريحات من أشتون كارتر وزير الدفاع، ومن البيت الأبيض، وغيرها، وحصلت على تغطية واسعة من الإعلام الأمريكي، مصرحين بأنهم تمكنوا من قتل أحد أهم قيادي داعش (أبو سياف) واعتقلوا زوجته، وهي محجوزة في أحد القواعد الأمريكية ضمن العراق. اعتبرتها إدارة أوباما، من العمليات العسكرية المهمة في الشرق الأوسط، ولا شك، كشفت لهم عن الكثير، مما سيقدمون عليه، وما هي قادرة عليه، وكشفت العملية بدورها للباحثين عن الخلفيات والأسباب التي حجمت أمريكا على القيام بتقليص دور داعش في البدايات، وماذا يكمن خلف هذه التغطية الإعلامية، والعملية ذاتها:
1-   تبين أنها تملك قوات خاصة في مناطق معينة ضمن الشرق الأوسط وقريبة من البؤر الساخنة، رغم نفيهم لوجود قوات عسكرية لهم هناك، والأربعة ألاف المتواجدون في العراق تحت صفة التدريب ليسوا سوى قوات متقدمة خاصة من أعلى المستويات في الجيش الأمريكي، أي رأس حربة الجيش الأمريكي. معظمهم كوماندوس دلتا الخاصة.
2-   لا دولة في المنطقة لها قدرات الحد من عملياتهم، وللجميع رهبة: منهم على وجوده، كسلطة بشار الأسد، ومنهم من يدرك أنه لا وزن له بدون السند الأمريكي كالسيد العبادي، ومنهم متيقن بأنه لا يستطيع العيش بدون مساعداتها كالأردن، ومنهم يعلمون أن وجودهم مرتبط بحمايتها لهم كدول الخليج.
3-    أظهرت العملية أن لأمريكا قدرة على اختراق أمن منظمة داعش والمنظمات التكفيرية الأخرى استخباراتيا، وتستطيع قتل أي قيادي فيهم إذا دعت الضرورة، لكن ولغايات، كالحافظ على توازن بين القوى المتصارعة، ووجود هؤلاء القياديين أحياء يعدلون مراكز الثقل في التوازن، ومن المشكوك فيه أنهم (الكوماندوس) لا يتمكنون من تصفية البغدادي أو الظواهري، وعلى الأغلب هناك معادلات على هذا التغاضي، كعملية قتل بن لادن المتأخرة في الفترة التي هبطت فيها أسهم إدارة أوباما، اقتصاديا وسياسيا.
4-   إدارة أوباما ستقوم بتغييرات مهمة في الشرق الأوسط، قبل بدء مرحلة السباق الانتخابي، ليحافظ على أوراق حزبه، مثلما فعلها في مؤتمر كامب ديفيد الأخير، ودعمه لشركات الأسلحة الأمريكية، في صفقات بيع الأسلحة لدول الخليج، والمتجاوزة 64 مليار دولار إلى جانب صفقات قادمة جانبية ومنها مع العراق ولغيرها. كما ومن المتوقع أن يضع حلا مناسبا لهالة الدمار السوري، وبدون بشار الأسد، وسيضعف داعش والمنظمات الإسلامية التكفيرية الأخرى، كما وسيأمر بتصفية بعض القياديين الكبار منهم كما فعلها الأن مع أبو سياف، وقاموا بتصفية 18 قياديا من أصل 43 منهم منذ بدء العمليات العسكرية.
5-   الحكومة الأمريكية تغض الطرف عن بعض أروقتها الدبلوماسية المتأثرة بلوبي بعض دول الشرق الأوسط على خلفية مصالحها الاقتصادية، وتسيير استراتيجيتها في المنطقة، من ضمنها طريقة تهميش القضية الكردستانية الدارجة في تلك الاستراتيجية، ولا تعني بأنها ترضخ لإملاءات الدول العربية أو تركيا، بل حافظاً على توازن القوى هناك، وستبقى كذلك مادامت القوة الكردستانية دون مستوى التأثير في المعادلة ضمن الشرق الأوسط. تندرج في هذا محادثاتها مع إيران ليس فقط حول مفاعلاتها النووية بل تشعبها في بعض مناطق الشرق الأوسط، والتي لأمريكا ضلع فيها بغض الطرف عن بعضه، ليس دعما لإيران، بل لإضعافها اقتصاديا، وبالمقابل تأمين تبعية دول الخليج.
6-   تدرك أمريكا الدور الذي تلعبه تركيا مع داعش، لأن العلاقة تجلب لاستخباراتها الكثير، فتركيا عضوة مهمة في الناتو، ومن بنودها أن الدول المتحالفة تقدم المعلومات العسكرية المؤدية إلى تعرض الأخرين لخطر ما، وعليه ما تعلمه تركيا عن داعش ستقدمه لأمريكا عند الضرورة.
  عملية كوماندوس الخاص (دلتا، قوات عالية المهارة تقوم بالعمليات الأكثر خطورة للجيش الأمريكي) في حقل العمر للغاز والنفط، شرق جنوب دير الزور، كانت مخططة للقبض على "أبو سياف" ( أسمه الحقيقي  نبيل الجبوري، من مخلفات صدام، سكان مدينة الموصل، سجين سابق) مسؤول المالية وتجارة النفط والغاز لمنظمة داعش، لكنه يبقى دون المسؤولين الأوائل، بل على الأغلب من الدرجة الثانية  في القيادة، لكنه وللمهام الموكلة إليه وما كان يقوم به، وعلاقاته المباشرة مع القيادة الأولى وخاصة مع أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي لداعش، أصبح مجمعه حاضنة للكثير من الأسرار الدقيقة لداعش، كعمليات تجارة النفط والغاز، وطرق التمويل من الدول والمنظمات الخارجية، ومن المعروف أن معظم النفط والغاز المصدر تصب في مصافي السلطة السورية، وبأسعار بسيطة تدفع لهم عن طريق طرف ثالث. لهذا وبعد نجاح عملية الكوماندوس نشرت بنتاغون معظم خطواتها، وخاصة المعلومات الدقيقة، كاستيلائهم على الأجهزة الإلكترونية، من كمبيوتره الخاص وهاتفه النقال، وغيرها من الأجهزة التي تحتوي على معلومات حساسة بالنسبة للمنظمة، ومعها أهمية زوجته الداعشية المختطفة، والزوجة السبية (الفتاة الإيزيدية التي ستفرج عنها بشكل سري بعد الاتصال مع أهلها).
 ورغم ما ذكر، فالعملية في أبعادها العسكرية تحمل غايتين آنيتين، إلى جانب ما حصلوا عليها لغايات مستقبلية: 
1-   لتخفيف الضغط على القوات العراقية في كل من الرمادي ومصفاة البيجي، وقد سبقتها الخبر السريع حول أرسال أسلحة متطورة وبسرعة إلى القوات العراقية.
2-   ثأرا للرهائن الأمريكيين الذين قطعت رؤوسهم، وكان أبو سياف المشرف المباشر على التنفيذ. إلى جانب أرسال إنذار لقيادة داعش بأنهم أصبحوا في فوهة البندقية الأمريكية وأن داعش كمنظمة، مخترقة من قبل الاستخبارات الأمريكية. 
   تبينت من الجاري أن أمريكا ستضعف داعش وبعض المنظمات التكفيرية الأخرى وأصبحت جادة بتقويض سيطرتهم، لأنها بلغت مرحلة قرار وضع نهاية لسلطة بشار الأسد، فلا يمكن إزالة بشار بدون القضاء على هيمنة داعش أو النصرة المسيطرتين على المنطقة، وبالعكس، وما بينته أمريكا في هذه العملية رافقت تصريح رئيسها في كامب ديفيد أمام دول الخليج حول القضية السورية وسلطة بشار الأسد، ويبقى السؤال كم ستطول الخطة، وكم من القوتين العسكرية والدبلوماسية ستضخها ولأية قوى؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19157